تجارب المثقفين مع الحج.. أحمد فضل شبلول: حين رأيت الكعبة شعرت أن الله هنا
قبل أداء فريضة الحج، قمت بأداء أكثر من عُمرة، وفى كل مرة كنت أدعو الله سبحانه وتعالى أن أعود إلى الكعبة والبيت الحرام مرة أخرى، فيستجيب الله لدعائى، إلى أن كانت الحجة الأولى عام ١٩٩٠.
تجربتى فى الحجة الأولى تختلف عن تجربة العمرة، التى هى عبارة عن طواف وسعى فقط، بينما الحج طواف وسعى وذهاب إلى مزدلفة ووقوف على جبل عرفات ومبيت فى منى ورمى جمرات، وكل هذا يحتاج إلى مشقة أكبر، وبالتأكيد ثوابه أكبر، فعلى قدر المشقة يأتى الثواب.
عندما شاهدت الكعبة للمرة الأولى فى حياتى انتابتنى مشاعر كثيرة وأحاسيس عميقة، إننى هنا فى بيت الله الحرام. هنا الله والتاريخ والدين. هنا نبى الله إبراهيم ونبى الله إسماعيل ونبى الله الخاتم محمد.
أخذت أنظر إلى الكعبة وأستحضر صورة رسول الله وهو يحكم بين وجهاء قريش فيمن يحمل «الحجر الأسعد»، ورأيه أن يتشارك كلهم فى حمله، فيأخذ كل منهم ثواب الحمل. وكان من الصعب علىَّ الوصول إلى «الحجر الأسعد» وتقبيله، كما كان يفعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لزحمة البشر، لكن استطعت ذلك فى عمرة أخرى بعد حجتين.
كل هذه المشاعر والأحاسيس الروحية خرجت فى بعض أعمالى الشعرية، فقلت على سبيل المثال فى قصيدتى «شمس أخرى»، وهى منشورة فى ديوانى «شمس أخرى بحر آخر»:
اقتربتْ عودتُكَ إلى مكَّتِكَ وكعبتِكَ وزمزمِكَ
اقتربتْ عودتُكَ
فهل تدخلُها منتصرًا
أم..
يهزمك الشعراءُ المنفيونَ إلى الصحراء؟
وفى كتابى «عائلة الأحجار» للأطفال، قلت: «شرَّف الله بعضَ الحجارة بأن جعلها رمزًا لطقوس الحج فى مكة المكرمة، مثل تقبيل الحجر الأسود، ويسمى أحيانًا الحجر الأسعد، ومن أمام هذا الحجر تبدأ دورة الطواف الأولى أو الشوط الأول حول الكعبة، وعنده تنتهى الدورة السابعة أو الشوط السابع. كما أن رَجْمَ إبليس بالحجارة أو بالجِمَار أو الجَمراتِ، فى العقبات الثلاث فى منى، يعدُّ من طقوس الحج أيضًا».
كما ذكرتُ أن «هذا الحجر وضعه نبى الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام فى الركن الشرقى من الكعبة، عندما رفعا قواعدها. ثم أعاد رسول الله وضعه، وعمره ٣٥ سنة، حين أعادت قبيلة قريش بناء الكعبة، ووقتها ظهر خلافٌ بين شيوخ القبائل، فيمن يكون له شرف وضع الحجر الأسود مكانه من الكعبة، فاختاروا أول الداخلين عليهم، ليحكمَ بينهم فى هذا الأمر، فكان الصادق الأمين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم».
وترجمتُ هذا شعرًا للأطفال، فى قصيدة بعنوان «أحجار البيت»، نُشرت فى ديوانى «أشجار الشارع أخواتى» قلت فيها:
كان الحجرُ الأسعد
يتلو آياتٍ
يتلو الأسماء
كان رسولُ الله محمد
صلى الله عليه وسلم
يحكمُ بين قريش
فيمنْ يحملُ هذا الحجر الأسود
يرفعه من فوق الأرض
واستمع الناسُ إلى الرأى الأصوب
واشتركَ السادةُ فى رفع الحجر الأسعد
وقد دعوت الله أن أعود إلى الكعبة مرة أخرى، وفعلًا عدت فى حجة ثانية أديتها لوالدى-رحمه الله- ثم عدت فى أكثر من عمرة، كان آخرها عام ٢٠١٩، وأديتها لشقيقى الراحل «صلاح».
وعندما أستمع لأغنية «القلب يعشق كل جميل» لأم كلثوم ورياض السنباطى وبيرم التونسى، أستحضر تلك الأجواء الروحانية، وأتذكر أيام الحج والعُمرة، وأيضا عندما أستمع لأغنية «يا رايحين للنبى الغالى» لليلى مراد، كلمات أبوالسعود الإبيارى وألحان رياض السنباطى، أتذكر زياراتى للمدينة المنورة والمسجد النبوى الشريف وقبر الرسول عليه الصلاة والسلام، وعادة تتم هذه الزيارة بعد الانتهاء من أداء فريضة الحج.