"سرديات الحروب والنزاعات".. بانوراما نقدية تعكس طبيعة واقعنا العربى وأزماته
سرديات الحروب والنزاعات، عنوان أحدث إبداعات الناقدة دكتورة أماني فؤاد، أستاذ النقد الأدبي الحديث بأكاديمية الفنون بالقاهرة، والصادر اليوم عن الدار المصرية اللبنانية للنشر.
تأصيل نظرة نقدية ترى أن كل عمل فني يشكل من زاوية ما نقدًا للحياة
وبحسب مقدمة الكتاب، فقد تحرت د. أماني فؤاد أن يكون "سرديات الحروب والنزاعات".. تحولات الرؤية النقدية، بانوراما نقدية تعكس طبيعة واقعنا العربي وأزماته وآثار الحروب والنزاعات الطائفية على شعوبه ومجتمعاته، من خلال المعالجة النقدية لكثير من النماذج الروائية التي تخطت الستين رواية في معظم الأقطار العربية، منها (مصر وفلسطين وسوريا ولبنان والسودان والأردن والمغرب واليمن والجزائر وتونس وليبيا والسعودية والكويت والبحرين وعمان) بحيث تغطي أطياف المجتمع العربي جغرافيًا وفكريًا وثقافيًا، وتعكس واقع شعوبنا العربية في ظل الحروب والنزاعات التي تمور بها المنطقة وثورات الربيع العربي وما بعدها، عبر تأصيل نظرة نقدية ترى أن كل عمل فني يشكل من زاوية ما نقدًا للحياة.
خلق رؤية واعية لموقف العقل العربي من التاريخ والتراث والتحديات المعاصرة التي تواجهه
وتابعت مقدمة الكتاب: مثل هذا النقد للحياة يعني توحيد اللحظات والسياقات والمعاني التي نواجهها أثناء الإعجاب بالعمل الفني لخلق رؤية واعية لطبيعة الفكر العربي وتقاليده، وموقف العقل العربي من التاريخ والتراث والتحديات المعاصرة التي تواجهه الآن، وهي إذ تؤصل لذلك تنظيرًا وتحليلًا تبتعد قدر طاقتها عما يمكن تسميته بالإفراط في إنتاج الخطابات الطفيلية التي تثقل كاهل النص بالتعليقات النقدية الهامشية التي لا تمثل أهمية بالغة في فهم النص وتأويله وإدراك إسقاطاته على المجتمع.
5 فصول توضح "سرديات الحروب والنزاعات"
جاء كتاب "سرديات الحروب والنزاعات" في خمسة فصول، بالإضافة لمقدمة كاشفة، وخاتمة جامعة مانعة، انصبَّ جهد الباحثة في كل فصل منها على مَلْمَحٍ؛ لتكشفَ عن طبيعة السرد، وتشيرَ إلى الحتمية التي فرضت على الرواية– كقالب فني له سماته الخاصة– أن تكون العباءة المُثلَى، القادرة على الاحتواء، حيث تتواشَج فيها التغيرات الإنسانية، ويتعالَق فيها الواقع بالخيال، كما أن امتدادها يسمح للمبدع أن يطرح رؤاه الخاصة، وحتى التي لا يتفق معها أو يرفضها؛ فـ"عالَم الرواية مركَّب، وغامض بشكل أساسي، ومتعدد ومتناقض، لا يسعى الروائي فيه إلى تقليد الواقع فحسب؛ بل يسعى إلى استكشاف الوجود، الذي يُعد مَسرحًا لإظهار جميع الإمكانيات البشرية؛ كل ما يمكن أن يصير إليه الإنسان، وكل ما يمكن أن يفعله، لذا فإن عالَم الرواية ليس عالَمًا اجتماعيًّا، ولا سِجلًّا مؤرِّخًا للفعل الإنساني بصورة تقريرية صماء".
وقد وقفت الباحثة على تقنية تعدُّد الأصوات في السرد، التعدد الذي يتحقَّق للكاتب- من خلاله- طرح الرؤى المختلفة، ومن ثم معالجة القضايا من جوانبها المتباينة، كما يتيح للقارئ قدرة الوقوف على تعدُّد مستويات الخِطاب. كما رصَدت الباحثة الراوي وتحولاته في سرديات عربية، لا بأس بعددها، والتي تناوَلت الحروب والثورات في المنطقة العربية؛ لتَقِفَ– من خلال تناوُلها هذا– على غياب البطل/ النبي/ المصلِح، في السرديات الحديثة، بما يتساوَق مع واقع صار فيه الفرد منسحِقًا تحت وطأة الضغوط الحياتية، لتصفه الباحثة- بوعي المثقَّفة، واستبصار المبدعة: "تبدَّى معظم أبطال سرديات الحروب كبطن ضفدع رخْو ينبض بلا أثَر، أسطُح بَشر، أو جلودٍ خارجية، أغلفة إنسان، نثار كيان، لا يترك علاماتٍ فارقةً في الحياة".