رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخوف على لبنان.. وحزب الله ينتظر القمة الثلاثية

تأزم الوضع في جنوب لبنان، بحسب التوقعات التي عكست مسار التصعيد الخطير المتبادل بين قوات حزب الله والمقاومة الإسلامية اللبنانية، وقوات جيش الحرب الإسرائيلي الصهيوني، الكابنيت... وفي الصورة، يتحرك المجتمع الدولي: أوروبا وأمريكا، وقد تتدخل بعض دول المنطقة المعنية بالشأن اللبناني، للنظر في مؤشرات القمة الفرنسية-الأمريكية -مع دولة الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني بهدف بحث نتائج التصعيد الأمني، العسكري بين حزب الله الكابنيت، ما يعني أن هذا الحراك سيضع ملامح القادم في الجنوب اللبناني، وصولًا إلى نهر الليطاني. 
واقعيًا، المنطقة وقعت بين تبادلت سياسية وأمنية، وبدت العاصمة اللبنانية بيروت، محطة لتكثيف الدبلوماسية الأمريكية الأوروبية الخليجية، عدا عن دور الجوار اللبناني والفلسطيني، تحديدًا مصر والأردن، مسار الاتصالات الدولية والإقليمية العاجلة ركزت على إيقاف عمليات الحرب العسكرية المتبادلة بشراسة بين حزب الله ودولة الاحتلال الإسرائيلي، وكما هي آليات الدبلوماسية، فهي لم تمنع الاختلاف ولا التصعيد في أشكال أسلحة العمليات العسكرية بين الطرفين.

فرنسا.. القمة الموعودة
أعلن في وقت عصيب عن أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كشف عن عقد «قمة ثلاثية فرنسية أمريكية إسرائيلية»، لبحث ما أسماه ماكرون بخريطة طريق لنزع فتيل التوترات بين حزب الله وإسرائيل. ما جرى الحديث عنه، استنادًا إلى مسودة البيان الختامي الذي- من المقرر- أن يصدر عقب قمة «مجموعة السبع»، المنعقدة في إيطاليا، وهي مسودة، عدلت بحيث تفيد بأن «قادة المجموعة يعبرون عن قلقهم البالغ إزاء الوضع على الحدود اللبنانية- الإسرائيلية، وتأييدهم للجهود الأمريكية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة»، إضافة إلى سعي فرنسا لعقد قمة تبحث الوضع اللبناني واستمرار التصعيد بين الأطراف، ما قد يعطل مفاوضات الهدنة وتبادل الأسرى والرهائن بين حركة حماس ودولة الاحتلال الإسرائيلي العنصرية.

الكابنيت يتحرك بين رفح وجنوب لبنان.. كيف! 
تحتار مصادر في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، من تردي الأحوال في الجنوب اللبناني، والخوف من حرب تجتاح الدولة اللبنانية، ويعزو ذلك لتبادل الإعلان الإسرائيلي الصهيوني، والأمريكي والغربي، التحليلات التي رشحت من الإعلام الصهيوني وتفيد، بحسب القناة 12 الإسرائيلية بأن جيش الكابنيت، وقيادات جيش الاحتلال، توصي عسكريًا وسياسيًا وأمنيًا بإنهاء عملية رفح في أسرع وقت ممكن، والتقدم بالهجوم ضد لبنان. 
بينما تحدثت معلومات عن زيارات سيجريها مسئولون إسرائيليون إلى الولايات المتحدة، لعقد لقاءات وبحث تطورات الوضع على الجبهة مع لبنان. وفي الأثناء، تقول المصادر الإسرائيلية: «يعقد مجلس الحرب الإسرائيلي في تشكيلته الجديدة اجتماعًا لمناقشة كيفية التعامل مع الجبهة الشمالية على الحدود مع لبنان». 
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية «كان 11»، الخميس، بعد ازدياد العمليات العسكرية النوعية لحزب الله، أن «الأصوات في الكيان الصهيوني تتعالى لتحريك مركز ثقل العمليات العسكرية في إطار الحرب المدمرة التي تشنها إسرائيلي من السابع من أكتوبر الماضي، من الجنوب إلى الشمال»، في إشارة إلى التحول إلى تصعيد عسكري في مواجهة حزب الله في جنوب لبنان. 
وفي تركيز أساسي، راقبت التحليلات في العاصمة بيروت، ما ورد من المراسل العسكري للقناة 12 الإسرائيلية، إن الجيش الإسرائيلي يوصي بالإسراع إلى إنهاء العملية العسكرية التي يشنها على منطقة رفح جنوبي قطاع غزة، لـ«التجهيز لعملية أوسع في لبنان»، وذلك على خلفية التصعيد الذي تشهده المواجهات الحدودية المندلعة منذ 250 يومًا، على خلفية الحرب على غزة، وأن ملفات حرب الجنوب، هي على طاولة «كابنيت الحرب الإسرائيلي، المنعقد «الليلة» في مداولات خاصة يقودها السفاح نتنياهو، حول الشمال الفلسطيني، المحامي للجنوب اللبناني، ويتردد أن هناك توصيات وقرارات عسكرية: «توصية الجيش هي الانتهاء من رفح في أسرع وقت ممكن، للتفرغ للاستعداد لعملية واسعة في لبنان»، واعتبر أن التصعيد الذي تشهده جبهة لبنان في الأيام الأخيرة يساعد جيش الكابنيت على «ملاءمة التوقعات كلها... وفي البيت الأبيض، مسئول أمريكي رفيع عبر عن القلق الذي تعيشه الإدارة الأمريكية من الأعمال القتالية على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، وما قد ينشأ عنها من تصعيد قد يؤدي إلى «حرب شاملة»، ويرى المسئول أن القناعة في البيت الأبيض أن هناك حاجة إلى ترتيبات أمنية محددة للمنطقة، وأن وقف إطلاق النار في غزة ليس كافيًا، وهذا يعزز ما كشفت عنه القناة 13 الإسرائيلية من أن وفدًا إسرائيليًا يتوجه إلى واشنطن، لإجراء مباحثات عاجلة بشأن لبنان.
وذكرت القناة أن الوفد يضم مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، ووزير الشئون الاستراتيجية في حكومة نتنياهو، رون ديرمر، وأشارت إلى أن المحادثات التي سيجريها الوفد مع المسئولين الأمريكيين ستتركز على «التهديد الإيراني» والجهد الأمريكي لمنع التصعيد الشامل على جبهة لبنان بين إسرائيل وحزب الله.

رئيس الأركان الإسرائيلي مستعد للحرب
في المحصلة، ما زالت الأحداث والتطورات العسكرية مهمة، إذ أكد رئيس الأركان الإسرائيلي، هريتسي هاليفي، أن الجيش يستعد للتعامل مع حزب الله، فيما يؤشر رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي السابق بيني غانتس- العضو المستقيل من حكومة الحرب، الكابنيت- إلي أن «الحل الأفضل لإنهاء الحرب مع حزب الله على الجبهة الشمالية هو الحل السياسي، وأن الحرب خيار صعب لكنها ستكون ضرورية على الأرجح».. «كما إذا تمكنا من منع الحرب مع لبنان من خلال الضغط السياسي». 
وتنقل تحليلات الإعلام الحربي الصهيوني، أن ضربات عسكرية بأكثر من 200 صاروخ أُطلقت في اتجاه مستوطنات الشمال خلال ساعة واحدة... وترى دولة الاحتلال، أن المواجهات في الجنوب بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي، بدأت تتخذ مسارًا تصاعديًا، بعد أن أعلن حزب الله أنه شن أكبر هجوم ضد المواقع الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر، مستهدفًا 15 موقعًا دفعة واحدة بهجوم مركب.
وقد استهدف حزب الله بدفعة كبيرة من الصواريخ التي أطلقها الجولان المحتل والجليل الأعلى، وأعلن أنه في إطار الرد على الاغتيال ‏الذي نفذه العدو الإسرائيلي في بلدة جويا شنت المقاومة الإسلامية هجومًا مشتركًا بالصواريخ والمسيّرات، حيث ‏استهدفت بصواريخ الكاتيوشا والفلق 6 ثكنات ومواقع عسكرية هي: 
1- مرابض الزاعورة، ثكنة كيلع، ثكنة يوأف، ‏قاعدة كاتسافيا، قاعدة نفح وكتيبة السهل في بيت هلل. 
2- إطلاق أسراب من ‏المسيّرات الانقضاضية، على قاعدة داود (مقر قيادة المنطقة الشمالية)، وقاعدة ميشار (مقر ‏الاستخبارات الرئيسيّة للمنطقة الشمالية المسئولة عن الاغتيالات) وثكنة كاتسافيا (مقر قيادة اللواء المدرع ‏النظامي السابع التابع لفرقة الجولان 210)، وأصابت أهدافها بدقة». 
الهدف الإسرائيلي.. تدمير لبنان بأسره مع تسارع الدبلوماسية غير المرنة، بين عواصم القرار، الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، والدول المعنية باللجنة الخماسية بشأن انتخابات الرئاسة اللبنانية، ومع حمى العمليات العسكرية، نشرت القناة 12 الإسرائيلية تقريرًا حول تطورات الوضع بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، حدد مطلقات يعمل عليها الكابنيت:
في هذه الحرب التي نخوضها في قطاع غزة الآن، وتلك الحرب التي نخطط لشنّها على لبنان، هناك تجاهُل شديد الإشكالية لأهم القضايا: تغيُّر طبيعة الحرب. لم تعد الحرب حربًا بين دولتين، بل لم تعد حربًا بين دول ومنظمات-وصفه التقرير الصهيوني بأنها «إرهابية كلاسيكية»، مكونة من بضعة مقاتلين يحملون بنادق الكلاشينكوف».

جيوش كبيرة
إن كلًا من «حماس»، وحزب الله، والحوثيين، لديهم جيوش كبيرة تتمتع بموارد تبلغ مليارات الدولارات، تغدقها إيران. لقد تمكنت هذه الجيوش، على مدار العقد الماضي، من سدّ الهوة الرئيسية التي تفصلها عن الجيوش الغربية، بواسطة الأسلحة الدقيقة. هذه الجيوش لديها قدرة عالية على الصمود، وهذا يعود أساسًا إلى استخدامها الأنفاق، ومرونتها القصوى المتمثلة في استقلالية الخلايا الصغيرة... وفي التصورات، وضع التقرير إشارات منها: 
أولًا: هذه الجيوش الكبرى قادرة على التخفي تمامًا في أوساط السكان المدنيين.
ثانيًا: لا يمكن ضربها من دون التسبب بمقتل عدد كبير من المدنيين. علاوةً على ذلك كله، فإن مصادر تجنيد الأيدي العاملة في هذه الجيوش غير محدودة، فكلٌّ من «حماس»، وحزب الله، والحوثيين، والميليشيات المؤيدة لإيران في العراق، قادر اليوم على توفير رواتب مغرية لا يمكن لأيّ جهة أُخرى أن تقدمها في بلدها». 
ثالثًا: هذه الجيوش غير خاضعة لقواعد القتال، فإنه لا يمكن هزيمتها، أو لنقُل أنه لا يمكن هزيمتها بسرعة، وبأثمان منخفضة. إن نقطة الضعف الوحيدة لهذه الجيوش تتمثل في كونها دولة، وتتهرب من مسئوليتها السياسية، لكن يمكن فرض مثل هذه المسئوليات عليها. لقد تحولت غزة، عمليًا، إلى دولة في سنة 2005، في حين أن لبنان دولة يتحكم فيها حزب الله منذ سنة 2000». 
رابعًا: تتمثل خطيئتنا الكبرى والوحيدة في حرب غزة أننا وضعنا كل ثقلنا على الضغط العسكري. لكن الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها هزيمة دولة غزة، كان يجب أن تستند إلى السيطرة على محور فيلادلفيا منذ البداية، وبعد ذلك، فرض حصار تام. 
إن الادعاءات التي تقول إن الأمر يتعارض مع قوانين الحرب، هي ادعاءات سخيفة، لكن الوقت الآن لا يتيح لي فرصة التوسع في الحديث عمّا كان يجب عمله قبل ثمانية أشهر». 
خامسًا: الآن، من المهم أن نقوم بالأمر الصحيح في هذه اللحظات على الجبهة اللبنانية. فحالة إسرائيل تشبه حالة ضفدعة أدخلوها إلى مياه فاترة، وقاموا برفع درجة الحرارة في كل ساعة درجة واحدة. تواصل الضفدعة التمتع بالماء، من دون أن تشعر بأنه يتم طبخها، رويدًا رويدًا. إن أحداث عيد «شفوعوت» (في نهاية الأسبوع الماضي) وما حدث خلال اليوم الماضي يؤكدان مثل هذه الحقيقة. 
سادسًا: لقد بتنا قريبين من اندلاع حرب شاملة في الشمال. وسؤالنا المركزي هنا، والذي لا يطرحه أحد، لسبب ما، هو: ضد مَن سنقاتل؟ الإجابة التلقائية هي «ضد حزب الله». لكن تلك الإجابة ستمثل خطأً استراتيجيًا خطيرًا. 
سابعًا: لا يمكن لإسرائيل أن تهزم حزب الله في وقت معقول في مقابل ثمن معقول. ولذا، فإن الطريقة الوحيدة لتحقيق النصر هي الحرب ضد دولة لبنان بأسرها. إن حزب الله، حاله كحال «حماس»، لا يردعه مقتل مقاتليه، أو ضرب منصات صواريخه. فهو قادر على تعويض هذه الخسائر بسرعة. من ناحية أُخرى، يخشى نصر الله بشدة من حرب تؤدي إلى تدمير دولة لبنان، التي بنى فيها مكانته بصفته وطنيًا لبنانيًا، وكرئيس حزب لا يهتم بالطائفة الشيعية فحسب، بل بمواطني لبنان ككل.
ثامنًا: إذا ما تم ضرب شبكات الطاقة والمواصلات والاتصالات في لبنان، وإذا أصبح وسط بيروت شبيهًا بوسط غزة، عندها سيدرك نصر الله أنه من الأفضل له إنهاء الحرب. من ناحية عسكرية، إن مثل هذه الأهداف سهل التحقّق، ولا يتطلب اجتياحًا بريًا معقدًا ومخاطرة كبيرة بحياة جنودنا.

ماذا يقول أماتسيا بارام..؟ 
في رؤية سياسية وأمنية لواقع الحدث اللبناني، نشرت صحيفة «جيروزاليم بوست» مقابلة مع د. أماتسيا بارام، الباحث الاستراتيجي في منتدى الشرق الأوسط، وأستاذ تاريخ الشرق الأوسط، ومدير مركز دراسات العراق في جامعة حيفا، قال فيها عن مسار التصعيد: إن «تصفية طالب عبدالله تُقلق أعضاء حزب الله، فهم يدركون الآن أن الجيش الإسرائيلي يعرف عنهم أكثر بكثير مما نعرفه».
«بارام» يرى أن عملية الاغتيال، تعني أن الأمن الميداني لحزب الله ليس محكمًا، وأن نظام استخبارات الحزب قد تم اختراقه، وتمكّن الجيش الإسرائيلي من اختراق شبكاته وأنظمته وتحديد الأشخاص المناسبين للقضاء عليهم، لافتًا إلى حقيقة: يُدرك نصر الله أن الجيش الإسرائيلي لديه القدرة على قتله متى أراد ذلك، وأعتقد أن هذا يقلقه قليلًا، وهو يُدرك أنه سيكون التالي في صف الموت إذا اندلعت حرب واسعة النطاق، والقضاء عليه يعد نجاحًا كبيرًا في الحرب النفسية ضد حزب الله، لأنّه يؤدي إلى قلق كبير بين القادة الذين يعرفون أنهم قد يكونون التاليين. ويعزز «بارام» أقواله: في المرّة الأخيرة التي قضينا فيها على كبار قادة حزب الله، زاد الأخير من حجم النيران وأطلق المزيد من الصواريخ والقذائف على إسرائيل، ومع ذلك، لم يتجاوزوا الخطوط الحمراء غير المعلنة. معتبرًا: الخرق الإسرائيلي لأمن حزب الله واضح، وقد يكون الجيش الإسرائيلي قادرًا على اغتيال قادة الحزب السياسيين أيضًا وليس العسكريين فقط. لكن لذلك حسابات سياسية وعسكرية أخرى... ما زالت التوقعات تنحاز إلي عملية احتواء داخلي-لبناتي، وخارجي-أوروبي أمريكي عربي.. وهذا لا يوقف العمليات الحربية، المخاوف من التصعيد الآتي بطريقة أو بأخرى.