فريد زهران: الإخوان خططوا لتغيير هوية مصر وإضفاء قداسة دينية على الاستبداد السياسى ليكون من يعارض حكمهم كافرًا
أكد فريد زهران، رئيس الحزب المصرى الديمقراطى رئيس اتحاد الناشرين المصريين، أن ثورة ٣٠ يونيو كانت ضرورية لوقف المشروع الاستبدادى لجماعة الإخوان، الهادف لتغيير هوية مصر، وإضفاء قداسة دينية على الاستبداد السياسى، ليكون من يعارض الجماعة كافرًا، معتبرًا أن فكر الإخوان وتنظيمهم لم ينته بعد، بل يحيا فى مرحلة «كمون»، ومن المنتظر أن يجدد نفسه ما لم يواجه مشروعًا سياسيًا فكريًا شاملًا للقضاء عليه.
وقال «زهران»، خلال الجزء الثانى من حديثه لبرنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز، على فضائية «إكسترا نيوز»، إن الحزب المصرى الديمقراطى لم يؤيد المرشح الإخوانى محمد مرسى فى الانتخابات الرئاسية فى عام ٢٠١٢، كما لم يحضر اجتماعات القوى المدنية التى توافقت على دعمه فى اجتماع فندق «فيرمونت» الشهير، بل كان أول من فتح أبوابه أمام حملة «تمرد»، الداعية لإسقاط حكم الجماعة، مشيرًا إلى أن من هزم مشروع الإخوان هم الإخوان أنفسهم وممارساتهم التى كشفتهم أمام الشعب.
■ ما شهادتك على أداء الإخوان فى الحياة البرلمانية بعد ثورة يناير؟
- الإخوان حصلوا على ٤٢٪ من المقاعد فى البرلمان، إلى جانب مقاعد السلفيين، وهذا يعنى أن لهم رصيدًا شعبيًا كبيرًا، لأنهم قوى منظمة، وقادرون على التمويل وإدارة المعركة الانتخابية ولديهم رصيد فى الشارع.
ولكن قطاعات كبيرة من الذين أعطوا للإخوان أصواتًا كثيرة تراجعوا مع حكم الإخوان، أى بالتجربة، لأن من هزم الإخوان هم الإخوان، فمشروعهم هزم نفسه، لأن القوى التى كانت ضدهم لم تكن بالقوة الكافية لمواجهتهم فى الشارع، والذى واجههم فى الشارع هو أداء الإخوان.
والمشكلة كانت أنهم انكشفوا أمام الشعب، فبعد أن كانوا يقدمون أداء معينًا لكسب رضا وتعاطف الناس، فإن هذا الأداء لم يعد له ضرورة بعد تمكينهم، وحالة التودد التى كانوا يقومون بها لم تعد موجودة بعد وصولهم للحكم.
وأذكر أنه بعد الجولة الأولى للانتخابات طلبت تحالفًا مع أحد أذرع الإخوان لصالح صديقى المرشح فى إحدى الدوائر الانتخابية للفوز فى الجولة الثانية، أى الإعادة، وبعد التوافق اكتشفت تراجعهم لصالح اتفاق سرى، فقد طلبت من أحد قيادت الإخوان التحالف مع أحد المرشحين، لكنه رفض، وقال: «لن ننتخب مسيحيًا»، وأصر على الاتفاق سرًا فقط.
وهذا كان أداء الإخوان على الأرض، فقد كانت هناك فوارق هائلة بين الادعاء وبين الممارسة على الأرض.
■ لماذا تحالف بعض الأحزاب المدنية مع الإخوان فى هذا الوقت؟
- التيار الناصرى الرئيسى، المتمثل فى حزب «الكرامة» تحالف مع الإخوان ودخل فى قائمتهم، وهذا التحالف تم تحت مظلة حزب «الوفد» فى البداية وفى مقره، وذلك فى مواجهة فلول النظام السابق.
وقد حضرت كممثل لـ«الحزب المصرى الديمقراطى» أحد الاجتماعات، ومنذ بداية الاجتماعات رفضت الفكرة، لأننا نريد مجتمعًا ديمقراطيًا وانتخابات ديمقراطية وتنافسًا فى الرؤية؛ ليختار المجتمع فيما بينهم، وبالتالى لا يوجد معنى لمثل هذا التحالف بين أحزاب مختلفة فى أمور جوهرية، فنحن مختلفون مع الإخوان فى الهوية الخاصة بالدولة، فكيف تكون هناك قائمة واحدة ولها برنامج سياسى وليس انتخابيًا رغم أننا نختلف فيه؟
لذلك، رفضنا الدخول فى مثل هذا التحالف، و«الوفد» قبل هذا التحالف، وبعدها رفض وانسحب، وكانت أبرز القوى التى تحالفت مع الإخوان فى هذه الفترة التيار الناصرى الرئيسى، أى حزب «الكرامة»، وبعد انتهاء الانتخابات اختلف الحزب عن التيار، وكان له خطاب مختلف عن الإخوان، أى أن هذا التحالف كان أقرب ما يكون إلى تحالف انتخابى، لأنى لا أذكر على الإطلاق أى مواقف مشتركة بين الجماعة وحزب «الكرامة» داخل البرلمان.
■ كيف كان تعامل «الحزب المصرى الديمقراطى» مع الجماعة أثناء الانتخابات الرئاسية فى عام ٢٠١٢؟
- «المصرى الديمقراطى» لم يؤيد المرشح الإخوانى محمد مرسى فى اجتماعاته لاختيار المرشح الرئاسى الذى سيدعمه.
وفى البرلمان، أثناء تشكيل اللجان البرلمانية حدث اختلاف مع الإخوان وذهبت مع زملائى للتفاوض معهم حول انتخابات اللجان، واجتمعنا بحضور خيرت الشاطر ومحمد مرسى ومجموعة كبيرة من الإخوان، وطلبت منهم أن يتولى لجنة الإعلام والثقافة الدكتور عماد جاد، نائب رئيس الحزب، ولجنة الاقتصاد الدكتور زياد بهاء الدين، فرفضوا الأول لأنه مسيحى.
وساعتها قلت لهم إنه لا بد أن يكون هناك رئيس لجنة مسيحى، وإن تلك اللجنة متوافقة مع الدكتور عماد جاد ووظيفته، وإن الإخوان لو كانوا مهتمين بتوصيل رسالة أو إشارة للرأى العام بأن هناك تسامحًا دينيًا فلا بد من اختياره، فرفضوا، وأخذت موقفًا منهم، وقلت لهم إن الحزب سينسحب ولن يدخل فى تشكيل أى لجنة، لكنهم أصروا على أن يكون هناك أشخاص من الحزب فى اللجان، ولكننا رفضنا.
وكان هذا الموقف رسالة من الإخوان حول أن هذه طريقتهم فى الحكم ولن يتم تغييرها.
وفى الانتخابات الرئاسية كان لنا موقف من الإخوان، وفى ذلك الوقت كانت هناك نقاشات واضحة، خاصة قبل الإعادة، فقد كان هناك مرشحون كثيرون يمثلون جهات مختلفة، فمرشح الإخوان هو ممثل واضح للدولة الدينية، وأحمد شفيق كان ممثلًا لتيار «الفلول»، إلى آخره.
والحزب المصرى فى ذلك الوقت كان كبيرًا من حيث العدد ولديه وزن كبير على الساحة السياسية، والنقاش بداخله كان صاخبًا ومحتدمًا، وكان هناك اجتماع مفتوح فى نقابة الصحفيين حضره ما لا يقل عن ١٠٠٠ شخص، ولم يعبر أى منهم عن تأييده لـ«مرسى»، كما أننا حضرنا وقتها اجتماعًا للقوى المدنية وغادرنا فور الحديث عن تأييد «مرسى» فى الانتخابات.
■ ماذا عن كواليس فترة الإعادة فى انتخابات الرئاسة ٢٠١٢؟
- تلقيت دعوة خلال فترة إعادة الانتخابات بين محمد مرسى وأحمد شفيق؛ للنقاش حول موقفنا من تأييد النظام القديم أو جماعة الإخوان، وكانت المناقشة تدور داخل أحد الفنادق، بحضور نحو ٣٠٠ شخص من المثقفين والسياسيين والقوى المدنية، من أجل حل هذه الإشكالية.
وشعرت فى ذلك الوقت بأنه يتم دفعنا خلال المناقشة لتأييد محمد مرسى بضمانات، وكان يبدو أن أحد الأشخاص قام بالتنسيق مسبقًا مع الجماعة، وأخذ بعض التعهدات أو الضمانات لتعيين نواب مسيحيين لو تولى الإخوان، لكننا لم نشعر بالراحة للأمر إطلاقًا، وغادرنا هذه المناقشة على الفور.
وأدركنا بعدها أن من وافقوا الإخوان انتقلوا إلى اجتماع آخر فى فندق «فيرمونت» الشهير، وعقدوا هناك اتفاقًا على تأييد محمد مرسى، وسُميت هذه القوى بعد ذلك باسم «عاصرى الليمون»، والحزب الخاص بنا لم يشارك إطلاقًا فى ذلك الاجتماع، بل إن هناك أشخاصًا من داخل الحزب أيدوا المرشح أحمد شفيق فى تلك المرحلة، وأعتقد أن هناك كتلة كبيرة من داخل الحزب أبطلت أصواتها فى الإعادة؛ لكونها لم تكن متحمسة للطرفين من الأساس، ومن المؤكد أن رئيس الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى لم يتورط فى تأييد محمد مرسى.
■ ما الضمانات التى قدمتها الجماعة للقوى المدنية فى ذلك التوقيت؟
- الضمانات التى أعطتها الجماعة للقوى المدنية التى شاركت فى اجتماع فندق «فيرمونت» قبيل الانتخابات الرئاسية كانت تتعلق بتعيينات معينة، أو ترشيح أشخاص معينين لوكالة الوزارات، ولكن سرعان ما اكتشف الذين راهنوا على ذلك أن الإخوان لم يفوا بوعودهم.
وعموما، طرفا الانتخابات الرئاسية فى عام ٢٠١٢، وهما محمد مرسى وأحمد شفيق، لم يلتزما بتعهداتهما، لكن الإخوان تحديدًا كانوا يعقدون النية على تغيير هوية البلد بأكمله، من خلال الفوز بالدورة الأولى من الانتخابات، ثم السيطرة على البلاد دون السماح بإجراء انتخابات رئاسية مرة أخرى؛ لأنهم سيبنون نظامًا يحول دون ذلك.
وبمجرد أن سيطرت الجماعة على البلاد سرعان ما أجرت تعديلًا دستوريًا، لتفعيل نوع من أنواع الوصاية الدينية على الحكم، وهذه هى الطريقة التى قدم بها ذلك النظام نفسه للرأى العام؛ لذا شعر الشعب المصرى تجاهه بالكراهية الشديدة.
■ لماذا كانت ثورة ٣٠ يونيو ضرورة للشعب المصرى؟
- ثورة ٣٠ يونيو كانت ضرورية فى تلك المرحلة؛ لأن جماعة الإخوان ارتكبت مجموعة من الممارسات والمواقف والسياسات التى تؤكد أنهم بصدد إعادة بناء نظام استبدادى، بالإضافة إلى تعمدهم تغيير هوية الدولة المصرية، من دولة ذات طابع مدنى إلى دولة ذات طابع دينى، وهذا معناه ببساطة إضفاء قداسة دينية على الاستبداد السياسى.
ومع إضفاء هذه القداسة على الاستبداد السياسى يصبح التخلص من هذا النظام أمرًا مستحيلًا، أو على الأقل شديد الصعوبة، لأنك هنا لا تتهم بأنك معارض للنظام، بل بأنك كافر مباشرة، ما يسهل عقابك والتنكيل بك، بل وقتلك فى النهاية، وكانت هناك خطوات ملموسة قطعتها الجماعة فى هذا الاتجاه، لأنها كانت تتصرف بروح الطائفة أو المجموعة المنغلقة التى لا تراعى جمهورها.
وأكثر من ظلمهم الإخوان فى هذه المرحلة هم السلفيون، فقد كانوا حلفاء مقربين لهم، ولكن بعد سيطرة الإخوان على الحكم فوجئ السلفيون باستبعادهم من المناصب، كما أن أنصار الإخوان غير المنضمين رسميًا للجماعة فى مختلف القرى المصرية تعرضوا أيضًا لتغيرات فى علاقتهم مع الجماعة، وبدأ يظهر نوع من التعالى فى التعامل معهم.
كل تلك الأمور أعطت مؤشرات واضحة حول أن ذلك النظام لن يرحل بإرادة الشعب كما جاء بإرادته، بل إنه جاء من أجل إجراء تعديلات تضمن استمراره، لأن الجماعة كانت تتخيل أنها ستحكم مصر لمدة ٥٠٠ عام.
■ كان الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى أول حزب يفتح مقراته لحملة «تمرد» وينضم لهذه الدعوة الخاصة بجمع التوقيعات.. فما موقف الإخوان وقتها من قيادات الحزب؟
- كنا أول حزب فى مصر يفتح كل مقراته لجمع توقيعات حملة «تمرد» فى كل أنحاء الجمهورية، وكنا مبكرًا مع فكرة العمل من أجل إسقاط هذا النظام عبر آليات الشرعية الثورية.
وكان الإخوان طيلة الوقت يعتبرون أن «جبهة الإنقاذ»، والتى كان الحزب المصرى الديمقراطى أحد قواها الرئيسية، عدوًا لهم، باعتبارها «رأس الحربة» فى عملية إسقاط الإخوان سياسيًا، رغم أن من أسقطهم هو ممارساتهم أولًا، كما قلت، ثم جاءت «جبهة الإنقاذ» ثانيًا، بعد أن عبرت عن ائتلاف القوى السياسية المدنية، التى نجحت فى تعرية وفضح ممارسات ومواقف الإخوان فى كثير من القضايا.
وقبل ٣٠ يونيو بشهر أو اثنين كنا كل يوم نقوم بمظاهرات ضد الإخوان، وكان الحزب المصرى الديمقراطى، وعلى رأسه الدكتور محمد أبوالغار، وهذا موثق بالصور والفيديو، يقوم بالمظاهرات ويجوب حى شبرا، على سبيل المثال، ومعه عشرات الآلاف، ويتقدمهم صف من قيادات الحزب وهم يهتفون «يسقط يسقط حكم المرشد».
وبالتالى، فقد كنا موجودين فى قلب الحدث، ولم نكن مقتصرين على إصدار البيانات.
■ هل حاول الإخوان اختراق «جبهة الإنقاذ» أو الجلوس معها للتفاوض؟
- «جبهة الإنقاذ» كان لديها تصور طموح لبناء دولة ديمقراطية مدنية حديثة، وبالتالى كانت خصومتها ورفضها الإخوان عميقين، وقائمين على أسس واضحة ومحددين وغير قابلين للفصال، فلم تكن هناك أى احتمالية للتفاهم بين الجبهة والجماعة، فحتى أولئك الذين عولوا على أنه من الممكن احتواء الإخوان فى العملية السياسية أو استيعابهم فى الحياة السياسية بدأت أصواتهم تضعف نتيجة ممارسات الجماعة.
وقبل ذلك، كان هناك كثيرون من ذوى النوايا الحسنة، ولديهم حسن النية فيما يتعلق باحتمالية استيعاب الإخوان فى الحياة السياسية أو أن تتحول الجماعة إلى حزب سياسى، وليس طائفة، وكان البعض يقول إن الإخوان لن يبقوا كما هم، بل يمكن أن يتغيروا وتكون منهم طبعة جديدة.
■ هل كنت تتوافق مع فكرة أنهم يمكن أن يتغيروا؟
- رأيى هو أن التغيير يعنى ألا تكون إخوانيًا، بل أن تكون شيئًا آخر، وأظن أنه من الممكن أن نسأل هذا السؤال بطريقة أخرى، وهى: «هل من الممكن أن يوجد ما يسمى بالحزب الإسلامى الديمقراطى المصرى؟».
وعمومًا، هذه الأفكار شغلتنى، وفكرت وبحثت فيها، ومثلًا، فى ألمانيا فإن الحزب الرئيسى الموجود مع الحزب الاشتراكى الديمقراطى الألمانى فى الحكم هو حزب يسمى الحزب الديمقراطى المسيحى الألمانى، وقد شغلتنى فكرة أنه «مسيحى» فى ألمانيا، وهى بلد علمانى بامتياز، ووجدت أنه فى مرحلة من المراحل قام البعض برفع دعوى قضائية على هذا الحزب واتهمه بأنه حزب دينى، وهذه القضية ذهبت للمحكمة الدستورية، التى حكمت بأن الحزب الديمقراطى المسيحى الألمانى ليس حزبًا دينيًا لأسباب كثيرة؛ وتساءلت: هل الحزب يشترط فى عضويته الدين أم لا؟ وأيضًا فى تصعيده الداخلى وخطابه الانتخابى؟ وبالتالى فإن هناك معايير لذلك.
أما نحن فقد كنا أمام جماعة، الفكرة الأساسية فى تفكيرها، هى أنها ضد كل سمات وملامح ومقومات الدولة المصرية، فالإخوان كتنظيم، ومنذ نشأته حتى الآن، هو تنظيم يدعو لبناء دولة دينية، كما أن لديه مشكلة كبيرة تتعلق باستخدام العنف والإرهاب كطريقة وأسلوب، ولديه أيضا مشكلة كبيرة جدًا تتعلق بموقفه ضد الديمقراطية والتعددية، فالتنظيم ليس فصيلًا يمكن استيعابه فى إطار عملية سياسية ديمقراطية.
وهذه مسألة لا بد من مناقشتها مجتمعيًا بصورة واسعة، فعلى سبيل المثال، توجد ديمقراطية فى ألمانيا، لكن هذه الديمقراطية لا تستوعب الحزب النازى، لأنه توجد إشارات وممارسات تشى باستخدامه العنف أو ممارسات تشى بعنصريته.
وفكرة وجود حياة سياسية تستوعب جماعات تمارس العنف هى أمر ليس مطروحًا ولا مألوفًا، ففى العالم كله توجد حياة سياسية شرعية تحكمها ضوابط معينة ومحددات مشروعة، يتم الأخذ بها فى النظم الديمقراطية.
■ بعد ٣٠ يونيو خرج الإخوان من المشهد السياسى ومن الضمير الجمعى المصرى، لكن ما الضمانة بألا يعود هذا الفكر مرة أخرى؟
- الإخوان لم يخرجوا بشكل كامل، لكنهم خرجوا إلى حد ما، وفى رأيى أن الإخوان ما زالوا موجودين، وكوننا لا نراهم فهذا لا يعنى أنهم غير موجودين، وهم حاليًا فى حالة كمون، ومن الممكن ألا يكونوا نشيطين بشكل كبير، فهم لم ينتهوا، كما أنهم قابلون لإنتاج أنفسهم من جديد، وما يمنع تجددهم ليس المزيد من القمع والاستبداد والضراوة فى مواجهتهم، لأنه سبق وتم استخدام هذا الأسلوب فى مواجهتهم، حين كان يتم توجيه ضربات أمنية كبيرة فى محاولة للإجهاز عليهم، ولم يكن هذا ينجح.
وعلى العكس، فإن المرة الوحيدة التى تلقى فيها الإخوان ضربة تكاد تكون قاصمة، وليست موجعة فقط، كانت هى تلك الضربة التى تمت بإرادة الشعب وليس بإرادة الأمن.
إذن فالدرس المستفاد هو أن إنهاء وجود هذا الفكر، المبنى على خطاب طائفى وعنصرى يميل إلى استخدام العنف، يتم عبر عملية فكرية سياسية، لا بد أن يكون لها عمق شعبى.
لذلك، فأنا أردد طيلة الوقت أن مواجهة الإخوان والمعركة معهم لم تبدأ بعد، وأن الموجود منذ ٣٠ يونيو حتى الآن هو ما يسمى المواجهة الأمنية، وكل الأحاديث حول المواجهات على ساحات أخرى هو كلام أكثر منه فعلًا.
وبالتالى، فنحن بحاجة إلى مشروع سياسى فكرى لمناهضة فكر الإخوان، وحتى الآن لم يُتخذ قرار بالمواجهة الشاملة معهم، رغم أن الحل هو فى المواجهة الشاملة.
■ ما كواليس ثورة 30 يونيو من خلال تجربتك السياسية؟
- رحيل جماعة الإخوان وعزل محمد مرسى فى عام ٢٠١٣ كان مطلبًا شعبيًا فى ٣٠ يونيو، وحملة «تمرد» كانت تتحدث عن إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لكن الإخوان كانوا يدعون أن ذلك الأمر ليس شرعيًا، رغم أن ذلك كان مطلبًا شعبيًا، ثم جاءت دعوات التظاهر وأكدت مدى شعبية هذا المطلب، من خلال رصد حجم المشاركين.
والإخوان حينها كانوا يقولون إنه إذا شارك ٥٠ ألف شخص فى هذه التظاهرات فسوف يتنحون عن الحكم، وجاء ذلك على لسان قيادات كبيرة فى الجماعة، لكن ظل الإنكار قائمًا حتى يوم ٣٠ يونيو، حتى إنهم شككوا فى المصريين حينها وقالوا عن المتظاهرين إنهم «مأجورون».
ورغم أنه كانت هناك مؤشرات عدة حول الرفض الشعبى لجماعة الإخوان؛ لكنهم لم يستطيعوا قراءتها أو الاقتناع بها ولم يتعلموا من الدروس التى مرت عليهم، وكانوا يعتمدون فقط على مشروعهم الإقصائى، مع عدم تقبل آراء من يُعادى أفكارهم، حتى انكشفوا على حقيقتهم أمام الجميع، ولم تعد هناك طريقة سوى عزلهم.