رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشراكة الاستراتيجية بين مصر والصين

حرصت الصين عبر سياسة الإصلاح والانفتاح منذ أكثر من 40 عاما على التعاون بينها وبين دول العالم، على أساس المنفعة المتبادلة والمصير المشترك، وعدم التدخل فى سيادة الدول وشئونها الداخلية، ووسعت من علاقاتها بالدول العربية والإفريقية، وتعاونت مع هذه الدول فى مجالات عديدة، فى الطاقة الجديدة والمجال التكنولوجى والبنية التحتية، ومدت يد العون لمواجهة جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والصحية.

وإذا أردنا الحديث عن عمق العلاقات الصينية- المصرية نجد أن مصر أول دولة عربية وإفريقية تقيم علاقات رسمية مع الصين فى 30 مايو 1956، ولقد ساعدت العلاقة بين كل من جمهورية مصر العربية وجمهورية الصين الشعبية على نمو العلاقات بين الدول العربية والإفريقية وبين الصين.

ولقد عملت مصر فى السنوات الأخيرة على التعاون بينها وبين الصين فى عدد من المشروعات التنموية فى منطقة قناة السويس، منها الطاقة المتجددة ومشروعات فى البنية التحتية ووسائل النقل، كما ساهمت الصين فى المجال العقارى فى العاصمة الإدارية الجديدة. واستفادت مصر من الخبرات الصينية فى مجال تكنولوجيا المعلومات، والمدن الذكية والذكاء الاصطناعى، وتم إنشاء كليات جديدة فى المجال التكنولوجى المتقدم بالتعاون مع الصين.
وانضمت مصر لمبادرة "الحزام والطريق" التى أطلقتها الصين وبدأت فى تنفيذها مع معظم دول العالم، ومن المعروف أن لهذه المبادرة دورا كبيرا فى محور التنمية بقناة السويس، وتنمية طرق التجارة بين الشرق والغرب.

وفى يناير 2024 وقّع الرئيسان: الصينى شى جين بينج، والمصرى عبدالفتاح السيسى، البرنامج التنفيذى للشراكة الاستراتيجية الشاملة، للأعوام الخمسة المقبلة (2024- 2028)، والذى يمثل خارطة طريق لتطوير العلاقات الثنائية، والارتقاء بها إلى مستوى أعلى، تأسيسا على ما تحقق خلال السنوات الماضية.

وعقب مباحثات عميقة على مدى يومين بين الرئيسين، فى قصر الشعب بالعاصمة الصينية بكين، اتفق الرئيسان على ضرورة وقف إطلاق النار فورا فى قطاع غزة، ورفض التهجير القسرى للفلسطينيين خارج أراضيهم، وأكدا أن تطبيق حل الدولتين هو الضامن لاستعادة الاستقرار، وإرساء السلم والأمن الدوليين.

وعقب المباحثات صدر بيان مشترك فى 29 مايو 2024، أكد فيه الجانبان دفع جهود توطين الصناعة، ونقل التكنولوجيا، وتوسيع الاستثمارات الصينية الصناعية فى مصر، ومنها الأجهزة الإلكترونية وألواح الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية والصناعات الكيماوية، بالإضافة إلى التكنولوجيا الزراعية الحديثة، وتحقيق التوازن فى التبادل التجارى، وبحث سبل تسوية المعاملات بين الدولتين بالعملة المحلية، وتعزيز التدفقات السياحية من الصين إلى مصر، وتعزيز التعاون فى المجال العلمى والذكاء الاصطناعى الأكاديمى، وأيضا فى المجال الثقافى والإعلامى.
وفى زيارة الرئيس المصرى للصين شهد الرئيسان توقيع عدد من اتفاقيات التعاون بين البلدين، منها خطة التطوير المشترك لمبادرة "الحزام والطريق"، ومذكرة تفاهم لتعزيز التعاون فى مجال الابتكار التكنولوجى، بجانب شهادة تسليم القمر الصناعى "مصر سات- 2". 
كما ثمَّن الجانبان الدعم المتبادل لكل طرف فى القضايا الأساسية للطرف الآخر، ووقوفهما جنبا إلى جنب أمام التحديات العالمية المتعددة، ومنها فيروس كورونا، ومواصلة التزام مصر بمبدأ الصين الواحدة، وأن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين، وأكد الجانب الصينى مواصلة دعمه حق مصر المشروع فى الحفاظ على سيادتها الوطنية، ورفض التدخل الخارجى فى شئونها الداخلية، ودعمها فى حماية أمنها المائى والغذائى، والحفاظ على استقرارها وأمنها فى مواجهة كافة التحديات.
كما أكد البيان، الصادر عن الجانبين الصينى والمصرى، التمسك بمبادئ الأمم المتحدة، ورفض المعايير المزدوجة، والأحادية، والكيل بمكيالين، وأهمية العمل على إصلاح المؤسسات الدولية لتكون أكثر عدالة وتمثيلا للدول النامية.
كما أكد الجانبان تعزيز التعاون والتنسيق المشترك بينهما فى المحافل الإقليمية والدولية، بما فى ذلك  تجمع "بريكس" ومنظمة شنغهاى للتعاون.
وعقب القمة الصينية- المصرية يشارك الرئيس المصرى، كضيف شرف، فى الجلسة الافتتاحية للاجتماع الوزارى العاشر لمنتدى التعاون العربى الصينى، الذى يتم عقده اليوم الخميس 30 مايو 2024، فى بكين، والذى سيناقش العديد من القضايا الهامة، على رأسها العدوان الصهيونى على الشعب الفلسطينى.

ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أن هناك 12 دولة عربية تحتفظ بعلاقات شراكة مع الصين حاليا، وحجم التجارة الصينية مع الدول العربية يصل إلى نصف تريليون دولار، وحجم الاستثمارات الصينية فى الدول العربية يقارب 250 مليار دولار.
 
ولقد تم إطلاق المنتدى العربى الصينى منذ 20 عاما (2004) بهدف تعزيز التعاون العربى الصينى ودفع السلام والتقدم.

إن مصر والصين من أصحاب حضارات عريقة وعلاقات ممتدة نأمل استمرارها واستمرار التعاون بينهما لصالح نهضة ونمو كلا الدولتين، كما نأمل استمرار التنسيق بينهما بشأن القضايا الإقليمية والدولية الشائكة لصالح استقرار العالم، ومن أجل الرخاء والسلام والعدل والمساواة.
كما نأمل نمو العلاقات الصينية العربية، والعلاقات الصينية الإفريقية، التى تسهم فى تعميق وتعزيز التعاون المشترك والمنفعة المتبادلة من أجل نهضة البلدان ومصلحة الشعوب وتحقيق الاستقرار والسلام.