رفعت عينى للسما.. رحلة بنات قرية «برشا» من المنيا إلى السجادة الحمراء فى «كان»
فتيات قرية برشا يمشين على سجادة «كان» الحمراء، جميلات وثابتات ومعتزات بأصلهن، هذا كان المشهد الأكثر مفاجأة وجمالًا، فهل كانت الرحلة التى خضنها سهلة؟، وكيف استطعن عبر فرقة صغيرة لمسرح الشارع فى قرية نائية فى المنيا أن يصلن إلى هذا المستوى الاحترافى؟.
وفاز فيلم «رفعت عينى للسما»، بطولة عدد من فتيات محافظة المنيا أعضاء فرقة «بانوراما برشا»، بجائزة العين الذهبية، لأفضل فيلم تسجيلى فى مهرجان كان السينمائى.
يرجع تأسيس تلك الفرقة إلى يوستينا سمير، فتاة صغيرة فى قرية برشا، واستهدفت من وراء تأسيسها مناقشة مشاكل الفتيات بجرأة وقوة، ومنها: «الختان والتسرب من التعليم والزواج المبكر والتحرش».
ونجحت فتيات الفرقة بإصرارهن فى لفت انتباه عدد من الفنانين والنقاد، وتحمست المخرجة ندى رمضان والمخرج أيمن الأمير لإنتاج فيلم تسجيلى عن تلك التجربة عام ٢٠١٦، وبعد ٤ سنوات من العمل خرج الفيلم وأصبح أول عمل مصرى يشارك فى أسبوع النقاد فى مهرجان كان ٢٠٢٤ فى دورته الـ٧٦، ثم تكللت هذه المشاركة بالفوز بجائزة العين الذهبية لأفضل فيلم تسجيلى، بعد منافسة رسمية مع ستة أعمال عالمية من الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل وفرنسا والأرجنتين وبلجيكا وتايوان.
ويوثّق الفيلم، المصور بالكامل فى قرية برشا بمحافظة المنيا، تجربة تلك الفرقة المسرحية التى استطاعت طرح قضايا الفتاة فى الريف المصرى بجرأة وأصالة، عبر دمج مسرحهن بالفلكلور الشعبى الصعيدى.
وأدت بطولة الفيلم فتيات الفرقة: ماجدة مسعود وهايدى سامح ومونيكا يوسف ومارينا سمير ومريم نصار وليديا هارون ويوستينا سمير مؤسسة الفرقة، وهو إنتاج «فلوكة فيلمز».
وقالت يوستينا سمير إن الدافع الأساسى لتأسيها الفرقة كان حبها للمسرح وقناعتها بأنه الوسيلة الوحيدة التى تستطيع أن تعبر من خلالها عن المشاكل والقضايا، مضيفة: «فهو وسيلتنا الفنية للتعبير عن أنفسنا».
وتحدثت عن سبب اختيار اسم «برشا»، قائلة: «حتى فى اختيار اسم الفرقة قصدنا أن تبقى كلمة برشا معنا، علشان نلف كل مكان باسم قريتنا، وهى قرية صغيرة شرق ملوى عدد سكانها لا يتجاوز ٣٠ ألف نسمة».
وعن التحديات التى واجهنها منذ تأسيس الفرقة فى ٢٠١٢، قالت: «واجهتنا العديد من الصعوبات والتحديات، خصوصًا أننا مسرح شارع، فنتعرض للجمهور بشكل مباشر، وتعرضنا لكلام الناس ومضايقاتهم».
وأكملت: «تعرضنا أحيانًا للتحرش، وتعرضنا لتهديدات من الأهالى الذين كانوا يمنعون بناتهم من المشاركة فى عروض الفرقة، فكانوا يرهبون بناتهم ويرسلون إلىّ رسائل حادة لأبتعد عنهن ولا أشركهن فى أعمال الفرقة».
وواصلت: «لم يكن أهل القرية مقتنعين بفكرة أن نطرح مشاكلنا فى العلن على هذا النحو، وكانوا بيقولوا مينفعش نعمل كده، وفيه مشاكل مش لازم تتقال فى الشارع، وفيه منهم قال إن دى مش مشاكلنا».
وقالت: «كان من الصعب عليهم تقبل ما يمثله فريقنا من تحدٍ لهذه الموروثات القديمة، أو محاولة الخروج عن المألوف، أو تسليط الضوء على القضايا المجتمعية التى تهم العامة، خاصة التى تتعلق بالميراث والزواج المبكر أو زواج الأقارب، وقضايا الختان ومنح الحرية للفتيات فى العمل والخروج بمفردهن».
وبينت أن عرض «أبيض وأسود» يعد أحد أشهر عروض الفرقة، ويحكى عن محكمة القرية التى عقدت بمشاركة عدد كبير من الفتيات، لمحاكمة أهاليهن أمام العامة فى الشارع، الذين يتمسكون بالعادات التى تضرهن وتؤثر على مستقبلهن.
وتابعت: «أبرز تلك القضايا التى تناولناها هو التمييز بين الولد والبنت، وضرب الإناث والحجر عليهن، والزواج المبكر، والظلم الذى يتعرضن له فى توزيع الميراث».
وقالت: «بسبب هذا العرض تلقينا هجومًا كبيرًا، اللى هو إزاى نحاكم القرية، وردود الأفعال كانت كلها الانتقادات اللاذعة من الجمهور، لكن تلقيناها بصدر رحب، حتى تلك التى تخللها بعض الشتائم والسخرية».
وعن طريقتهن فى إقناع الأهالى بأفكارهن، أضافت: «مكنش سهل أبدًا، لكن كان إيمان البنات وصمودهن وتمسكهن باختيارهن عاملًا أساسيًا فى زعزعة وتغيير موقف الأهالى، وحين سافرنا بعرض مسرحى اسمه (الفرح) للمشاركة بمهرجان فى تونس.. أدركوا أننا نقدم شيئًا مهمًا». وكشفت عن كيف جاءتها فكرة الفيلم قائلة: «المخرجة ندى رمضان كانت على اتصال دائم بالفرقة ومتابعة جيدة لأعمالها، شافت لنا عرض، وبقينا نعزمها على حفلاتنا، لحد ما فكرت إنها تعمل فيلم عننا. اتكلمنا سوا فى الفكرة وبدأنا فيها من ٤ سنوات».
ووصفت إحساسهن بمشاركتهن وسفرهن إلى مهرجان كان، قائلة: «إحساسنا بالخطوة دى كان كله فرحة وتعويض من ربنا وانطلاق وأمل، بالنسبة لنا حدث تاريخى».
وأكملت: «أهالى قرية برشا إتأثروا باللى حصل واتبسطوا واستقبلونا بزفة، واتفاجأوا بكل الحاجات اللى حصلت، والآن أصبحنا متحمسات كفريق للمشاركة فى أعمال فنية جديدة سواء كانت مسرحًا أم سينما».