أوكرانيا بلا رئيس!
مع تصاعد ضغط قواتها على محاور القتال، استغلت روسيا انتهاء ولاية فولوديمير زيلينسكى الرئاسية، صباح الثلاثاء، ونشرت تقريرًا عن الأوضاع الداخلية فى أوكرانيا، قال إن «ما يزيد على ٩٠٪ من الأوكرانيين يرغبون فى مغادرة البلاد، و٧٠٪ فقدوا ثقتهم فى المؤسسات الحكومية ووسائل الإعلام الأوكرانية»، كما ذكر التقرير أن زيلينسكى، «الذى انخفضت شعبيته إلى ١٧٪»، دفعه شعوره «بضعف موقفه بين الأوكرانيين»، إلى إطلاق «عمليات تطهير» لكبار المسئولين.
بفوزه فى الانتخابات الرئاسية السابقة، أو الأخيرة، التى جرت جولتها الأولى أواخر مارس ٢٠١٩، ثم جولتها الثانية فى ٢١ أبريل التالى، أدى الممثل الكوميدى السابق اليمين الدستورية رئيسًا لأوكرانيا فى ٢٠ مايو من تلك السنة، وكان أبرز وعوده، خلال حملته الانتخابية، أنه لن يترشح لولاية ثانية. ولأن مدة الولاية الرئاسية خمس سنوات، كان من المقرر إجراء الانتخابات، نهاية مارس الماضى، على أن يتم تنصيب الرئيس المنتخب، وأداؤه اليمين، خلال الشهر الجارى، غير أن «زيلينسكى»، أعلن فى نوفمبر الماضى عن إلغاء تلك الانتخابات، بزعم أن «الوقت ليس مناسبًا لإجرائها»، وصباح أمس الأول الثلاثاء، قال لوكالة «رويترز»، إن سنواته الخمس لم تنته بعد، بموجب الأحكام العرفية!
فى المقابل، أكد مجلس النواب الروسى «الدوما» أن الرئيس الأوكرانى بات فاقدًا للشرعية، ولا يمكن التعامل معه بعد الآن بوصفه رئيسًا لدولة، بل سيتم التعامل معه بصفته «مجرم حرب». بينما قال ديميترى مدفيدف، نائب رئيس مجلس الأمن القومى الروسى، إن «الرئيس الزائف» لأوكرانيا كان وسيظل «هدفًا عسكريًا مشروعًا» ولن يغير فقدانه شرعيته فى الأمر شيئًا. أما الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، فقال خلال زيارته الأخيرة للصين، إن «مسألة شرعية زيلينسكى بعد انتهاء ولايته، تهم روسيا، لأن أى وثائق مصيرية لا يمكن التوقيع عليها إلا مع سلطة شرعية»، لكنه أوضح أن هذه المسألة متروكة لـ«النظام القانونى فى أوكرانيا نفسها»، مشيرًا إلى أن «دستور الدولة المجاورة يحتوى على بعض الخيارات التى ينبغى أن تقيمها محكمتها الدستورية»، ما قد يعنى أن بوتين يراهن على تحرّك الداخل الأوكرانى.
الطريف هو أن الداعمين الغربيين لأوكرانيا لم يجدوا ما يدعو للقلق فى استمرار «زيلينسكى». إذ قالت الأستاذة أنالينا باربوك، وزيرة خارجية ألمانيا، مثلًا، إن بلادها ستواصل التعامل معه باعتباره الرئيس الشرعى والقانونى لأوكرانيا، وقالت فى مؤتمر صحفى عقدته مع نظيرها الأوكرانى، إن دستور أوكرانيا ودساتير دول أخرى عديدة لا تنص على إجراء الانتخابات خلال فرض الأحكام العرفية!
الأكثر طرافة كان ذلك التقرير الذى نشرته مجلة الـ«إيكونوميست»، فى ١٦ مايو الجارى، واتهمت فيه من سيتحدثون عن انتهاء شرعية زيلينسكى، بعد يوم ٢١ مايو، بأنهم «يروجون للدعاية الروسية»، زاعمة صعوبة «إجراء انتخابات عندما يحتل الأعداء أرضك أو يمطرونها بالقنابل، وعندما تكون أعداد كبيرة من مواطنيك بعيدة عن البلاد». مع أن المجلة البريطانية نفسها، ذكرت فى التقرير ذاته أن لينكولن فاز فى الانتخابات الرئاسية، سنة ١٨٦٤، حينما كانت الولايات المتحدة، تشهد حربًا أهلية طاحنة، وأن روزفلت حصل على فترة ولايته الرابعة، سنة ١٩٤٤، بينما كانت القوات الأمريكية تقاتل فى جميع أنحاء العالم!
بشكل أكثر اتزانًا، أشارت جريدة «واشنطن بوست» الأمريكية، إلى أن الرئيس الأوكرانى يمكن اتهامه بـ«تقويض الديمقراطية فى أوكرانيا». وكان أهم ما ذكرته الجريدة هو أن أندريه يرماك، مدير مكتب زيلينسكى، صار بسبب ظروف الحرب والأحكام العرفية، يتمتع بصلاحيات لا يمكن تمييزها عمليًا عن صلاحيات رئيسه. كما أوضحت الجريدة أن «قرب يرماك من زيلينسكى وتأثيره الواضح عليه يسببان موجة من الانتقادات، ليس فقط لأنه عزز سلطاته بشكل غير ديمقراطى، لكن أيضًا لقيامه بعمليات عزل غير ضرورية لمسئولين كبار، أبرزهم فاليرى زالوجنى، القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية».
.. وتبقى الإشارة إلى أن وزارة الداخلية الروسية كانت قد أعلنت، فى بداية مايو الجارى عن إدراج «زيلينسكى»، على قائمة المطلوبين، فى خطوة رآها البعض مقدمة لملاحقته بعد انتهاء ولايته.