عماد الدين حسين: مصر نجحت فى منع تهجير الفلسطينيين من أراضيهم
قال الكاتب الصحفى عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة «الشروق» عضو مجلس الشيوخ، إن الأداء المصرى تجاه أزمة العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة كان الأفضل منذ أحداث ٧ أكتوبر، بعد أن نجحت الدولة المصرية نجاحًا باهرًا فى منع تهجير الشعب الفلسطينى من أراضيه، مؤكدًا أهمية أن يتعامل العرب مع القضية الفلسطينية وفق تصور واقعى، وبعيدًا عن الشعارات والبيانات والمتاجرين بالقضية.
وأوضح، خلال حديثه لبرنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز على فضائية «إكسترا نيوز»، أنه لا يمكن لوم الفلسطينيين على تنفيذ عملية ٧ أكتوبر، رغم أنه كان يجب على حركة «حماس» أن تدرس مسبقًا نتائج العملية، بالإضافة إلى التنسيق مع الدول الداعمة للقضية، مشيرًا إلى أن العملية غيرت من العقيدة العسكرية الإسرائيلية، وأسقطت العديد من الأقنعة الدولية، وأكدت هشاشة الكيان الصهيونى وعدم قدرته على الاستمرار لولا الدعم الأمريكى له.
■ بداية من الحرب الروسية الأوكرانية وما بعدها وما يحدث فى ليبيا والسودان.. كيف يمكن للكاتب السياسى تكوين رؤية محايدة متوازنة ودقيقة حول ما يحدث فى ظل هذا الزحام من الآراء والتدفق المعلوماتى؟
- هذا سؤال فى منتهى الصعوبة، فكيف تستطيع فصل مشاعرك الإنسانية وارتباطك بمنطقة أو بحدث ما كى ترى الصورة كاملة من كل الأطراف؟، وأظن أن جزءًا من المشكلات التى تمر بها الثقافة العربية يتمثل فى قلة من لديهم القدرة على الرؤية الموضوعية، بمعنى أننا نفكر بمنطق التحزب، أو نختار بين الأهلى والزمالك.
وعندما حدثت مشكلة مثل العدوان الإسرائيلى على غزة، وجدنا عددًا كبيرًا من الناس يجلسون أمام شاشات التلفاز، وبحكم العروبة يتفاعلون مع الأحداث، ويرون أن هناك عدوانًا إسرائيليًا غاشمًا، وهذا صحيح، ويتصورون أن الحل لا بد أن يتم طبقًا للعدل والحق.
ولكن، هناك عالم آخر يرانا نحن إرهابيين، ويرى أن إسرائيل هى أفضل الناس، وعليك وأنت تتفاعل مع المشكلة، وبقدر الإمكان، أن ترى الطرف الآخر حتى تستطيع أن تواجهه.
وقد كتب الكاتب جهاد الخازن فى زاوية «عيون وآذان» فى جريدة «الحياة»، أنه عندما قابل فاروق الشرع، وزير خارجية سوريا، قال له ردًا على سؤاله حول فكرة الخرافات التوراتية الإسرائيلية: «لو فيه ٥ آلاف أو ١٠٠ ألف شخص لديهم اعتقاد بخرافة ما فى السياسة فعلينا أن نتعامل معهم، ولا يكفى فقط نفى تلك الخرافة، لأن هناك من يؤمن بها».
أى أنه يجب على العرب التعامل بواقعية مع المشكلات والأزمات، فيمكن أن أظل أشتم إسرائيل وأقول إنها ظالمة، وأقول إن أمريكا تدعمها، وكل هذا صحيح، لكن ماذا علينا أن نفعل لمواجهة كل ذلك؟، هل نصدر البيانات فقط؟
■ فى رأيك.. كيف وصل العرب إلى مثل تلك القناعات؟
- أعراض الثقافة العربية السائدة منذ سنوات طويلة هى أنها تقوم على رؤية أحادية، فإما أن أحصل على كل شىء أو لا شىء، وأنا واحد من الناس أتمنى أن نحصل على كل حقوقنا، لكن التفكير الواقعى يعنى أن علينا أن ننظر إلى الصوتين، فأنا أصنف نفسى كعروبى قومى، لكنى فى الوقت نفسه أقرأ يوميًا جزءًا كبيرًا من الصحافة الإسرائيلية المترجمة، وأتابع ما يُكتب فى الصحافة الغربية، لكى أعرف طريقة تفكير الآخر، فلو عرفت كيف يفكر الطرف الآخر يمكن أن أتوصل إلى حلول، فلا بد أيضًا أن أعرف حدودى وقوتى.
وأحد أعراض المشكلة الحالية فى التفكير العربى هو أنك عندما تقابل أى عربى حاليًا يقول لك على العرب أن يفعلوا كذا وكذا، طيب العرب فين دلوقتى؟، فنصف العالم العربى فى حروب أهلية ولا يقدر أحدهم على حل مشكلته، فالسودانى، والسورى، والليبى، واللبنانى غير قادر على الاتفاق على حكومة واحدة، وأصبحت عنده مشكلة فى هوية الدولة ويعانى من الهشاشة السياسية.
وفى أوقات كثيرة فى القضية الفلسطينية تكون مصر فقط هى التى تتعامل معها، صحيح أن هناك جهدًا تبذله دول مثل السعودية والإمارات وقطر والأردن، لكن فى النهاية فيما يتعلق بالأزمة تتركز غالبية الجهود على مصر.
ويعنى ذلك أن على العرب أن يتعاملوا مع القضية الفلسطينية وفق تصور واقعى، فكثيرون أمام التليفزيون يسألون: هو إحنا هنسيب الفلسطينيين؟، والإجابة هى: لا طبعًا، لن نتركهم، لكن يجب أن ننظر فيما سنفعل بالضبط، فأنا مثلًا من أنصار وجود جيش عربى موحد، وسياسة عربية موحدة، لكن كيف نوجد هذا على أرض الواقع فى ظل وجود خلاف حقيقى بين الدول العربية حول أمور أساسية متعلقة بالقضية الفلسطينية؟
كما أن هناك دولًا عربية ترى أن إسرائيل على حق، فكيف نحل هذه المشكلة؟، وهنا يجب علينا الوصول إلى حلول لمعرفة الطريقة المثلى لحل القضية الفلسطينية، ومساعدة الفلسطينيين بطريقة عملية، بعيدًا عن الشعارات العامة التى لن تقدم أو تؤخر، لكننا عندما نقول هذا يغضب كثيرون، وهناك من يقول عنك «تطبيعى أو انبطاحى».
■ هل يمكن القول إن الأيديولوجيا أضرت بالقضية الفلسطينية والصورة التى رُسمت عنها لدى الشعوب العربية؟
- لا أعتقد ذلك، فالقضية ليست فى الأيديولوجيا لكن فيمن يطبقونها، فليس عيبًا أن تكون لدينا أيديولوجيا عربية أو قومية عربية أو أى فكر من الأفكار، لكن الأمور تتوقف على فهم الناس.
والأيديولوجيا الصهيونية، فى وجهة نظر العديد من دول العالم، ظالمة وعنصرية وفاشية، وحتى عام ١٩٩١ كانت الأمم المتحدة تساوى الصهيونية بالعنصرية، ورغم ذلك حققوا نجاحات على الأرض، لأنهم استغلوا ضعف الآخرين.
والأديان السماوية فى جوهرها، على سبيل المثال، تدعو إلى التسامح والإخاء والمحبة، لكن من يطبقون ذلك هم من يشوهون كل هذه الأفكار الجميلة، وبالتالى لا يمكن وصف الدين بأنه «دين وحش» لأن تطبيق الناس هو الخطأ.
وأعتقد أن هناك العديد من الناس تاجروا بالصراع العربى الإسرائيلى، بالإضافة إلى العامل الموضوعى طبعًا، وهو الاحتلال الإسرائيلى للأرض والدعم الأمريكى الأوروبى له، لكن لا نستطيع أن ننكر أن سوء الإدارة العربية لسنوات طويلة جدًا أدى إلى ما وصلنا إليه.
■ ما الذى يجب علينا فعله لتصحيح هذه الصورة الذهنية عن القضية أو خلق صورة أخرى تتسم بالواقعية؟
- يجب إيجاد تصور عربى حقيقى وواقعى يعبر عن رؤية حقيقية لحل الصراع العربى الإسرائيلى، بمعنى أننا جربنا طرقًا كثيرة جدًا، لكن الأساس فى المشكلة هو عدم وجود توافق عربى، أو حتى داخلى، وأن العديد من الأنظمة العربية تاجر بالقضية الفلسطينية.
ولن أذكر أسماء، لكن عندما يأتى نظام سياسى ما ويظل سنوات طويلة جدًا يقمع شعبه ويقول إنه يحارب مع القضية ثم نكتشف أن إسرائيل هى الأكثر استفادة منه، بحسن نية أو بسوء نية، فإن هذا يعنى أن من يفعلون ذلك يفعلونه بجنون مطلق.
وفى كتاب «بندقية للإيجار»، كان أبونضال، وهو زعيم فلسطينى فى حركة «فتح»، يتحدث عن انشقاقه عن ياسر عرفات، وتكوين ما سمى بـ«قوات العاصفة»، وأنه بدأ يغتال الزعماء المعتدلين فى منظمة التحرير الفلسطينية، لأنه كان يرى أنهم مقصرون، رغم أن هؤلاء كانوا الأمل بالمناسبة لأنهم الأكثر قدرة على مخاطبة الغرب وفهمه، وثبت بعد ذلك أن الموساد الإسرائيلى كان مخترقًا لهذا التنظيم تمامًا، لكن من يقتل كان مقتنعًا بأنه يدافع عن قضية.
وبعض أعضاء التنظيمات الإسلامية المتطرفة التكفيرية تحمل رءوسهم أفكارًا مغلوطة، لكن «اللى مشغلينهم» يعرفون أنهم عملاء، فأعضاء تنظيم «أنصار بيت المقدس»، على سبيل المثال، لم يدافعوا أبدًا عن بيت المقدس، بل يعطون ظهورهم له ويضربون فى مصر والأنظمة العربية الأخرى، و«جيش القدس اتعمل ٢٠ مرة فى العالم العربى»، وبعض الإخوان فكروا فى تأسيسه فى مصر وفشلوا.
وفى المقابل، فإن من يؤمنون بالسلام فى إسرائيل هم عدد قليل جدًا، صحيح أن هناك بعض الناس الجريئة فى إسرائيل من الكتاب، لكن عددًا كبيرًا منهم اختفى بعد الانتفاضات الفلسطينية الأولى والثانية، والبعض الآخر انتهى تمامًا بعد أحداث ٧ أكتوبر، لأن عدد من يؤمنون بفكرة السلام فى إسرائيل تضاءل، لكن الناس هنا يعتقدون أنه لو اختفى رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو من الساحة ستحل المسألة، والحقيقة هى أنها لن تحل، لأن هؤلاء السياسيين فى إسرائيل يعبرون عمن انتخبوهم.
ورغم ذلك، هناك جيل جديد فى الغرب ينحازون إلى ضمائرهم وإنسانيتهم، والدليل هو ما رأيناه من مظاهرات طلابية وحراك فى أمريكا ودول أوروبا ضد إسرائيل.
■ كيف نستفيد من هذا الحراك الشعبى فى الغرب ضد إسرائيل؟
- أولًا «تشتغل شغلك»، فلا يُعقل أن نطالب العالم بمساعدة العرب والمسلمين رغم أن «حماس» و«فتح» منشقان، فهذا عبث، ولا يُعقل أن نطالب العالم بحل قضية فلسطين وبعض الدول العربية لا يساعد، فالعالم سيساعدنى إذا كنت قادرًا على مساعدة نفسى.
وما حدث فى غزة جريمة، وستكون نتائجها ظهور مجموعات مناضلة جديدة، واتساع دائرة المقاومة، لكن فى المرحلة الراهنة يجب فهم المجتمع الإسرائيلى أكثر من ذلك، وهذا الفهم يتطلب التعاون العربى بالكامل، لأن ما يحدث فى المنطقة أمر كارثى، وهناك توافق جوهرى بين الأهداف الإسرائيلية والأمريكية، والخلاف بينهما يتمثل فى كيفية تحقيق الأهداف والآليات المستخدمة فقط.
وكان الرئيس الراحل محمد أنور السادات قد قال أثناء حرب أكتوبر ١٩٧٣ إنه يحارب أمريكا وليس إسرائيل، والدليل على ذلك هو أن حرب أكتوبر أكدت أن الكيان الصهيونى ما هو إلا كيان من الشعارات المزيفة، وأنه بدون الدعم الأمريكى ستسقط هيبة إسرائيل فى المنطقة بالكامل.
والعملية الإيرانية الماضية قال البعض عنها إنها مسرحية، ولكن فى حقيقة الأمر فإن إسرائيل تعرقل بقوة المشروع الإيرانى النووى، وبكل السبل، وذلك لأن هذا المشروع يهدد قوتها فى المنطقة.
ورغم ذلك، فإن أحداث ٧ أكتوبر كان بها بعض الإيجابيات، رغم قسوة النتائج التى ترتبت عليها، حيث كشفت هذه العملية عن أن إسرائيل استنفدت قوتها العسكرية بصورة كبيرة، ولولا الدعم الأمريكى لها لكان مصيرها عكس ما هو موجود الآن، ويمكن التأكيد على أن الأحداث كشفت عن أن إسرائيل يمكن أن يتم غزوها فى حال غاب الدعم الأمريكى عنها، كما يمكن القول إنه من أهم حسنات ما يحدث فى غزة هو إسقاط الأقنعة الدولية.
■ وفقًا لرأيك فإن مصر هى الطرف الوحيد الذى يعمل بجدية طوال الوقت فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.. فكيف أثرت هذه الأزمة عليها؟
- بعض الدول العربية لا تسمح له إمكاناته البشرية والعسكرية بالتدخل فى أزمة غزة، ولكن نواياه سليمة، والبعض الآخر لديه حروب داخلية مثل سوريا وليبيا والسودان، وهناك من لديه تعاون مع إسرائيل فى مجالات عدة، مثل المغرب، وبالتالى فإن تصدر مصر لأزمة غزة لا يعنى الإساءة لباقى الدول العربية، لأنها الدولة الكبرى الحقيقية المتماسكة فى المنطقة.
والأداء المصرى، منذ ٧ أكتوبر، هو الأفضل فى ظل الظروف الراهنة، فمصر هى الدولة الوحيدة التى خاضت ٤ حروب ضد الكيان الصهيونى، وانتصرت عليه، ويمكن التأكيد على أنها تدافع عن العروبة فى فلسطين، كما أن النظام القومى المصرى الداخلى لا يتحمل أن يكون هناك نظام معادٍ له فى الشمال، ومصر دورها تطور واختلف تجاه القضية الفلسطينية، وأصبحت تدرك طبيعة المشاريع الصهيونية غير المعلنة بصورة كبيرة واضحة.
وعملية ٧ أكتوبر لا يمكن أن نلوم عليها الشعب الفلسطينى، ولكن كان يجب التفكير المسبق فى النتائج التى سوف تترتب على هذه العملية قبل القيام بها، فعند الحرب يجب النظر فى الإمكانات العسكرية للجهة التى تنوى الحرب، والنظر أيضًا للدول التى تقف مع المقاومة، أى يجب أن يكون هناك تخطيط مسبق من أجل حماية أرواح الشعب الفلسطينى.
لذا فـ«حماس» كان لا يجب أن تتخذ قرار الحرب بشكل ذاتى ومنفرد ثم بعد ذلك تطلب المساعدة العربية، والموضوعية الدولية، بل كان يجب التفكير بتعقل وتدبر قبل القيام بعملية ٧ أكتوبر، خصوصًا أن إسرائيل لا تقتنع بالمفاوضات على الإطلاق إلا إذا كانت تحت قوة قهرية، مثلما حدث فى حرب أكتوبر ورضوخها للقبول بمعاهدة السلام.
■ كيف تصدت الدولة المصرية للاستفزازات الإسرائيلية فى ظل الحرب الدائرة؟
- الأداء المصرى منذ أحداث السابع من أكتوبر الماضية حتى هذه اللحظة هو أفضل أداء ممكن فى ضوء الظروف الحالية على أرض الواقع، من خلال المحددات الأساسية المتاحة، والتى تشمل الأمن القومى المصرى والسيادة المصرية والحدود المصرية، فمن يقترب منها سرعان ما يتم اتخاذ الإجراءات ضده.
ومصر أرسلت رسائل واضحة بأن أى تهجير للشعب الفلسطينى يمثل أزمة كبيرة فى العلاقات المصرية مع إسرائيل، حتى وصل الأمر إلى أن «معاهدة السلام» أصبحت على المحك، وهذه محددات جوهرية، أوضحتها الدولة المصرية، بجانب المحددات الرئيسية. ولدىّ تصور كبير بأن الدولة المصرية نجحت نجاحًا باهرًا فى منع تهجير الشعب الفلسطينى من أراضيه، فمنذ أول يوم للحرب الإسرائيلية الدائرة وكل قادة إسرائيل يقولون إن حل القضية الفلسطينية هو التهجير، وهذا هو الهدف الرئيسى من الحرب فى الأساس، ولكن مصر تصدت لهذه الفكرة بشكل كامل، وأفشلت المخططات الصهيونية.
■ كيف استغلت إسرائيل أحداث السابع من أكتوبر لتنفيذ المخططات الصهيونية؟
- الحكومة الإسرائيلية تحسب الأمر عبر التفكير فى تجنب الخسارة الأكبر، فهى على استعداد كامل لخسارة جميع الأسرى المحتجزين لدى «حماس» مقابل تدمير قطاع غزة بأكمله، وجعله منطقة غير قابلة للعيش.
فأحداث السابع من أكتوبر الماضى وأسر «حماس» عددًا كبيرًا من الرهائن الإسرائيليين ضربا العقيدة الإسرائيلية فى مقتل، وجعلا الحكومة الإسرائيلية تسعى بكل الطرق لترميم هذه العقيدة، من خلال قصف قطاع غزة بشكل وحشى وإهدار أرواح الفلسطينيين الأبرياء.
والحكومة الإسرائيلية تعتقد أن العرب فى حالة سيئة للغاية، وقد لا تأتى فرصة أخرى لتحقيق المشروع الصهيونى من خلال تصفية القضية الفلسطينية، كما أن اليمين المتطرف يصعد بشكل ملحوظ فى الولايات المتحدة الأمريكية والأرجنتين والسويد والمجر وهولندا، فضلًا عن ترشيح عدد كبير من اليمينيين المتطرفين للبرلمان الأوروبى فى الصيف المقبل.
وإسرائيل ليس عليها أى ضغوطات من المجتمع الدولى لتقديم تنازلات للشعب العربى خلال الصراع الدائر، حتى بعد المتغيرات التى طرأت منذ أحداث السابع من أكتوبر الماضى، بل هى تسعى لاستغلال كل ما حدث وما سيحدث لصالحها.
■ كيف تأثرت الدولة المصرية من الأزمات الإقليمية والعالمية الأخيرة؟
- هناك أزمات قدرية لا دور لنا فيها تعرضت لها الدولة المصرية خلال السنوات الماضية، مثل جائحة «كورونا» التى ضربت العالم بأكمله، والجميع دفع ثمن الأزمة، وحين بدأ الوباء فى الانحسار، جاءت الأزمة الروسية الأوكرانية، ومن سوء الحظ أن مصر واحدة من أكثر الدول التى دفعت ثمن هذه الأزمة؛ لأنها الدولة الأكثر استيرادًا للحبوب من الدولتين.
وحين حدثت الحرب السودانية، تأثرت حركة التجارة بشكل كبير بين مصر والسودان، وبالتالى تعطل معظم السلع تمامًا، ولكن، وبدافع الأخوة والإنسانية، استقبلت مصر العديد من الأشقاء السودانيين فى الأراضى المصرية، الأمر الذى شكل عبئًا كبيرًا على البنية التحتية للدولة، أما فى حرب غزة، فإن جزءًا كبيرًا من السياحة الداخلية تأثر، كما تأثرت حركة الملاحة فى قناة السويس بعد الهجمات الحوثية على السفن الإسرائيلية.
وكل هذه أثمان اقتصادية بالغة دفعتها الدولة المصرية خلال الأزمات الإقليمية والعالمية الأخيرة، ومن الضرورى أن ننتبه جيدًا لأهداف الصراع الإسرائيلى الحالى؛ لأنه يريد أن يغير المنطقة بأكملها.
وهناك متغير آخر يهم الشعب المصرى بأكمله، وهو أن إيران عبر جماعة الحوثى أصبحت تستطيع السيطرة على باب المندب مع منع السفن من المرور عبره، ورغم أن البعض يرى أن هذا يندرج تحت الضغوطات المتراكمة على إسرائيل، لكن إذا انتهت الحرب الآن فإن هذا بالتأكيد سيكون سلاحًا مستقبليًا مستمرًا، ويجب دراسة الأمر جيدًا فى الوقت الحالى للسيطرة عليه فى المستقبل.
■ كيف تغيرت العقيدة الإسرائيلية بعد أحداث السابع من أكتوبر؟
- إسرائيل تتبع نهجًا واضحًا فى الصراع الحالى، وهو أنه إذ تم أسر أى جندى إسرائيلى، وكان استرداده سيؤثر فى أداء الجيش الإسرائيلى، فليذهب هذا الأسير إلى الجحيم، فالاحتلال لا ينوى أن يعرّض عملياته العسكرية لأى معوقات بسبب الأسرى، وهذا نهج جديد فى العقيدة العسكرية الإسرائيلية؛ لأن الاحتلال يرى أنه إذا خضع لفكرة أن الجيش الإسرائيلى لن يحارب بسبب وجود أسرى محتجزين لدى حركة «حماس» فإنه بالتالى سيرضخ لجميع مطالب الطرف الآخر. والعقيدة الأمنية الإسرائيلية تغيرت بشكل كامل بعد أحداث السابع من أكتوبر الماضى، وتم تفعيل هذه المبادئ الجديدة بنجاح، حتى وصل الأمر إلى أن حركة «حماس» نفسها أصدرت مقاطع فيديو للمحتجزين، وقالت إن الحكومة الإسرائيلية تخلت عنهم، لأن حكومة نتنياهو لا ترى إلا هدفها الأسمى الآن، وهو تصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل، والقضاء على حماس.