بعد الهزائم المتتالية.. كيف تتعامل أمريكا والناتو مع الوضع فى أوكرانيا؟
مع فتح روسيا جبهة جديدة في حربها على أوكرانيا المستمرة منذ أكثر من عامين، وتأخير الأسلحة الأمريكية من جهة، واقتراب قمة الناتو الخامسة والسبعين في أوائل يوليو المقبل، تعكس تقارير وتقييمات غربية بشأن ساحة المعركة المخاوف من قدرة كييف على شن هجومها المضاد الذي طال انتظاره في العام المقبل، بعد فشل الربيع الأخير.
وأعلنت كييف، في وقت سابق اليوم، أن أوكرانيا سحبت قواتها بالقرب من عدة قرى في منطقة خاركيف، ثاني أكبر مدينة في شمال شرق البلاد، حيث تتقدم القوات الروسية وتقصف المستوطنات على طول الحدود، في إطار هجوم بري كبير مفاجئ على المنطقة الأسبوع الماضي، في إطار سعيها للتقدم عبر ساحة المعركة، حيث تكافح كييف للحصول على الأسلحة والقوة البشرية.
وأعلن الجيش الأوكراني، الليلة الماضية، أنه "في بعض المناطق، حول قريتي لوكيانتسي وفوفشانسك، ردًا على نيران العدو وهجمات القوات البرية، ومن أجل إنقاذ حياة جنودنا وتجنب الخسائر، قامت وحداتنا بالمناورة والتحرك إلى مواقع أكثر فائدة"، ما يعكس الهزائم المتتالية التي تصفع القوات الأوكرانية من قبل نظيرتها الروسية على أرض المعركة.
وتقع القريتان– اللتان تفصل بينهما حوالي 30 كيلومترًا– بالقرب من الحدود مع روسيا وقد تم استهدافهما في الهجوم الجديد.
وقالت هيئة الأركان العامة الأوكرانية إن الوضع "لا يزال صعبًا"، لكنها أصرت على أن قواتها "لا تسمح للمحتلين الروس بالحصول على موطئ قدم". وسارعت كييف إلى إرسال تعزيزات إلى المنطقة لمنع روسيا من التوغل.
في غضون ذلك، أفاد تقرير لوكالة فرانس برس بأن بعض المحللين العسكريين يقولون إن موسكو ربما تحاول إجبار أوكرانيا على تحويل قواتها من مناطق أخرى على خط المواجهة، مثل المنطقة المحيطة ببلدة تشاسيف يار الاستراتيجية في منطقة دونيتسك، حيث تتقدم روسيا أيضًا.
وقال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في خطاب ألقاه مساء الثلاثاء: "منطقتا دونيتسك وخاركيف هما الأكثر صعوبة الآن".
في هذا الإطار يسلط "الدستور" الضوء على كيفية تعامل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مع الوضع في أوكرانيا؛ حيث لا يزال مستقبل الحرب قاتمًا.
الولايات المتحدة تشعر بالقلق
أشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى أن هناك عوامل متعددة تساعد على التقدم العسكري الروسي في ساحة القتال، بما في ذلك التأخير في الأسلحة الأمريكية والابتكارات التكنولوجية لموسكو في ساحة المعركة، لافتة إلى أنه قبل 18 شهرًا فقط، ناقش مسئولو البيت الأبيض والبنتاجون ما إذا كانت القوات الروسية في أوكرانيا قد تنهار ويتم طردها من البلاد بالكامل.
وأضافت الصحيفة الأمريكية، في تقرير لها الثلاثاء: "أنه الآن، بعد أشهر من التقدم البري الروسي البطيء والقفزات التكنولوجية في مواجهة الأسلحة المقدمة من الولايات المتحدة، تشعر إدارة بايدن بقلق متزايد من أن الرئيس فلاديمير بوتين يجمع زخمًا كافيًا لتغيير مسار الحرب، وربما عكس مساره الذي كان قاتمًا ذات يوم الآفاق".
ونوهت الصحيفة إلى أن "القوات الروسية نجحت في معارك خاركييف، في القضاء على المدفعية والطائرات بدون طيار التي قدمتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بواسطة تقنيات الحرب الإلكترونية الروسية، والتي وصلت إلى ساحة المعركة في وقت متأخر ولكنها أثبتت فعاليتها بشكل مدهش".
وذكرت أن الجدل الذي دام أشهرًا في واشنطن، حول ما إذا كان ينبغي إرسال حزمة من الأسلحة والذخائر بقيمة 61 مليار دولار إلى أوكرانيا، خلق ثغرة استغلتها روسيا بوضوح، على الرغم من أن الكونجرس أقر التشريع في نهاية المطاف.
وكان الجمهوريون في الكونجرس قد أخروا المساعدات لعدة أشهر، مما أدى إلى نقص الذخيرة والأسلحة لدى القوات الأوكرانية.
وأعرب المسئولون الأمريكيون عن ثقتهم في أن العديد من هذه المكاسب الروسية يمكن التراجع عنها بمجرد فتح حنفية الأسلحة الجديدة بالكامل، على الأرجح في وقت ما في يوليو.
وفي زيارة غير معلنة للعاصمة الأوكرانية أمس الثلاثاء، قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين: إن جزءًا من حزمة المساعدات الأمريكية قد وصل وهناك المزيد في الطريق، الأمر الذي "سيُحدث فرقًا حقيقيًا" ضد الهجوم الروسي.
وقال بلينكن، في خطاب ألقاه في معهد البوليتكنيك في كييف: إن الرئيس بايدن شحن ذخيرة ومركبات مدرعة وأسلحة أخرى إلى أوكرانيا "بعد دقيقة واحدة" من موافقة الكونجرس على الحزمة البالغة 61 مليار دولار الشهر الماضي.
وأضاف: "سيتم تسليم المزيد إلى ساحة المعركة في الأسابيع المقبلة"، معلنًا أن الولايات المتحدة "تقرب أوكرانيا من حلف شمال الأطلسي ثم تدخله".
وفي وقت سابق، أقر بلينكن بشيء من التهوين أنه "ليس هناك شك في وجود تكلفة" للتأخير الطويل في إرسال الأسلحة.
وأصر، خلال ظهوره في برنامج "واجه الأمة" على شبكة "سي بي إس"، الأحد الماضي، على أن الولايات المتحدة تبذل "كل ما في وسعها لتسريع تقديم هذه المساعدة إلى كييف".
لكن المسئولين الأمريكيين يقولون إن الرئيس بايدن يواصل رفض اقتراح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن نشر القوات الغربية في أوكرانيا قد يكون ضروريًا، وهو تقييم قال مكتب ماكرون مؤخرًا إنه "يقف إلى جانبه تمامًا".
ووفقًا لتقرير "نيويورك تايمز"، فإنه في السر، يشعر بعض مساعدي بايدن بالقلق من أنه مثلما تعلمت الولايات المتحدة الدروس الأساسية من الحرب- حول التقنيات الناجحة وتلك التي لم تنجح- كذلك فعل بوتين.
وأوضح التقرير أن قلقهم الأكبر هو أنه بينما تحل روسيا محل الأسلحة التي تم تدميرها في الأشهر الـ27 الأولى من الحرب، قد يستعيد بوتين الأرض في الوقت الذي يستعد فيه بايدن للقاء أقرب حلفائه في اجتماع مجموعة السبع في إيطاليا الشهر المقبل.
ومن غير الواضح ما إذا كان بايدن سيكون قادرًا على تكرار الادعاء الذي أدلى به في فنلندا الصيف الماضي، بأن بوتين "خسر تلك الحرب بالفعل"، حسب "نيويورك تايمز".
الناتو متردد في لعب دور مباشر في الحرب الروسية الأوكرانية
يفكر المزيد من أعضاء الناتو في نشر قوات في أوكرانيا، مثل ليتوانيا وإستونيا، اللتين أعلنتا ذلك في وقت سابق، عندما أثار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون غضب موسكو لطرح مثل هذه الاستراتيجية بشكل متكرر.
ويحتاج حلف شمال الأطلسي إلى إجماع أعضائه لإرسال قوات كتحالف إلى منطقة حرب، ولكن يجوز للدول الفردية أن تنشر قواتها الخاصة على النحو الذي تراه مناسبًا.
وفي الوقت نفسه، قالت روسيا إن أي وجود كبير لقوات الناتو في أوكرانيا سيُنظر إليه على أنه تصعيد كبير، مما يثير بانتظام التهديد بحرب نووية.
لكن مكاسبها في أوكرانيا، حيث عانت كييف لعدة أشهر من نقص المعروض من الذخيرة وتواجه الآن نقصًا متزايدًا في القوى العاملة، أثارت فزع أوروبا الغربية.
وتحذر الدول المتاخمة للجناح الغربي لروسيا، مثل فنلندا وإستونيا، من أن هزيمة أوكرانيا تعني أنها قد تصبح قريبًا الأهداف التالية للعدوان الروسي.
ووفق التقارير الغربية فإنه نظرًا للمخاطر، ستركز قمة الناتو الخامسة والسبعون التي ستعقد في واشنطن في أوائل يونيو المقبل، على ما إذا كان ينبغي على حلفاء الناتو الآخرين توسيع دوره في الصراع الأوكراني الروسي.
وقال محللو الأمن القومي، خلال ندوة أمنية عقدت يوم الجمعة الماضي في كلية كينيدي بجامعة هارفارد: إن السؤال الذي يجب على حلفاء الناتو أن يطرحوه على أنفسهم الآن هو ما مدى أهمية "عدم فشل" أوكرانيا في تحقيق الأمن الأوروبي في المستقبل؟ في إشارة إلى تردد الكثير من دول الحلف فى إرسال قوات والمزيد من الدفاع الجوي إلى كييف.