لماذا نحتفظ بالكراكيب؟!
يعنى لفظ كراكيب فى المعجم اللغوى «أشياء قديمة متنوعة من أثاث البيت، غالبًا لا تكون ذات قيمة».. هو نفس المعنى الذى يتبادر إلى الأذهان إذا نطقنا الكلمة مهما يكن مستوى السامع، أى المعنى المعجمى للكلمة يوافق معناها الشعبى المتداول، وليست كل الكلمات هكذا بالطبع.
لا يخلو بيت فى مصر من الكراكيب تقريبًا، حتى إننى صرت لا أتصور الحياة بدونها فى بلادنا، لا أدرى أتشبهنا البلدان الأخرى فى الموضوع أم لا، لكننى أثق فى وفرة الأمر عندنا إلى درجة قصوى، وربما كنا الأوائل بالفعل، ولكن لا إحصائيات بهذا الشأن طبعًا!
لدينا تجار هامشيون متخصصون فى شراء الأشياء القديمة، «سَرِّيحَة» كما نسميهم، يتنقلون بين المدن والقرى بعربات أعلاها ميكروفونات، ويقولون كلمة واحدة: «روبابيكيا».. أحيانًا يختصرون الكلمة فيقولون «بيكيا».. للأشياء القديمة فى الخارج مزاداتها، ولدينا، بجانب المزادات، هؤلاء التجار الصغار الذين تمثل لهم الأشياء القديمة مكسبًا ممتازًا أحيانًا.
لا سيما لو كان الأهالى لا يعرفون قيمتها الحقيقية، كقطعة موروثة من زمن قديم لا يقدرون على تثمينها حاليًا، ولا يتفرغون لأمرها بالأساس، إنما يعنيهم التخلص من زحمتها فى البيوت فقط، ولكن المشترين يعرفون مقابلها المضبوط بالخبرة، يأخذونها من الناس بثمن بخس، ويبيعونها أضعاف ما أخذوها، أو يذهبون بالصيد إلى حيث مكانه «يبيعونها لتجار كبار، يقومون بفرزها وتصنيفها، ومنهم إلى آخرين متخصصين فى إعادة إنتاج القديم بصورة جديدة باهرة، لا تصلح الإعادة مع كل الأشياء لكنهم يجتهدون، أو يفككون القطعة، ويبيعونها أجزاء متفرقة، والمهم أن الجميع يتربحون من ورائها تربحًا ما، قد يكون أكبر من تصوراتنا».
فى التعريف المعجمى للكراكيب، وفى أذهاننا أيضًا، أنها بلا قيمة فى الأغلب، والواقع أن بعضها يكون ذا قيمة كبيرة، لكننا لا نعرف ولا نسعى إلى المعرفة كما أسلفت.
أصل الكراكيب فى بيوتنا عاطفي؛ فهى ذكرياتنا أو ذكريات الراحلين الغالين أو هدايا الأقرباء والأصدقاء والأحبة فى أزمنة فاتت؛ وعلى هذا فوجودها الكثيف دال على حياة قلوبنا دلالة أكيدة، إلا أن بعضها الرث يعنى أننا مهملون فى النظام والنظافة، فوجود أشياء عديمة الفائدة فى البيوت، لا ترتبط بذكرى حميمة، يشير إلى ذلك بقوة.
والأحسن أن نتخلص من الفوضى والقذارة والغبار ببيع أمثال تلك الكراكيب أو حتى إلقائها فى صناديق القمامة.. بل حتى ما يتصل منها بالذكريات يمكننا مناقشة موضوعه الحميم ببساطة؛ فالذكرى تبقى بسير الأشخاص أنفسهم لا أشيائهم التى تركوها، إلا القليل النادر الذى يصعب التفريط فيه حقًا، وأظنه مفهومًا بلا تحديد، وأما أكثرية الأشياء فالواجب التخلص منها، كما نصحت، حرصًا على صفاء البيوت من الشوائب، وإن كان فيها نفع ما فيمكن التصدق بها للجمعيات الخيرية ما دمنا لم نعد فى حاجة إليها. شعورنا العاطفى الجمعى على رأسى، وذكرياتنا عزيزة بدون شك، لكنهما لا يعنيان الاحتفاظ بالكراكيب.