النفقة في قانون الأحوال الشخصية.. "حق" تغيبه سنوات التقاضي
«كعب داير في المحاكم»، هكذا هي قضايا الأحوال الشخصية التي تخص الآسر عقب الانفصال، ونجد أن من أهم تلك القضايا التي تطول في المحاكم وتستمر عقب الفصل فيها، قضايا النفقة التي يصدر للزوجة أو الأم عقب الانفصال أحكام شهرية لها ولأبنائها، وتستمر رحلتها في دائرة القضاء سنوات حتى تنتهي حضانة الأبناء.
النفقة في قانون الأحوال الشخصية عدة أنواع، أبرزها «نفقة مسكن الزوجية للحاضنة وغيرها مال أو مسكن ثم يتبقى نفقة المصاريف الدراسية، ونفقة المتعة للزوجة»، فكل زوج تخلى عن زوجته ملزم قانونا بالإنفاق عليها، وإذا حدث الطلاق يلزم بالإنفاق كونها حاضنة وفقا لشروط ومقتضيات، كما أن هناك أيضا شروط لتوقف النفقة، في السطور القادمة نرصد الحالات المتضررة ورأي العلماء والمختصين حول إشكالية النفقة في القانون.
ثلاثينية أمام محكمة اللآسرة: «13 سنة في المحكمة لطلب نفقة ابني»
قالت سيدة ثلاثينية وقفت أمام محكمة الأسرة منتظرة تسليم أورق نفقة ابنها البالغ من العمر ثلاثة عشر عامًا للتنفيذ على طليقها واستلام أموال النفقة المتجمدة شهريَا ضد طليقها.
وتقول السيدة: «عقب الانفصال من الزوج كان أبني عمره عامًا واحد ومن هنا لجأت للمحامين ودخلت في دائرة محاكم الأسرة حتى عقب سنوات من التقاضي خذلتني التحريات بسبب أن طليقي يعمل حر وحددت مبلغ 150 جنيها ومع استمرار رفع القضايا مع تقدم عمره، وصلت النفقة الشهرية للطفل 950 جنيها وحتى تلك المبلغ لا أحصل عليها بانتظام شهريًا ولكن أنتظر عقب مرور عام دون الدفع ويقدم المحامي الأوراق».
أضافت السيدة: «عقب ذلك ألجأ للحصول على النفقة متجمدة ويقوم المحضر بإحضار 2000 جنيه كل ثلاثة أشهر، وتنقسم أجرة محامي ومحضر والطفل، فالكل يتشارك في رزق الصغير على مدار عمره الذي يصل حاليا لثلاثة عشر عامًا، وحاليا تنفذ أمر حجز مبلغ 10 آلاف جنيه نفقة عام 2022، وفقًا للدعوى رقم 3878 لسنة 2023».
سيدة محكمة الآسرة: «اتنازلت عن نفقة متعة سنة علشان أطلق»
وقالت «نهال. م»، 24 عامًا، ربة منزل، أنها تزوجت منذ ما يقرب من عامين وحدث الانفصال نتيجة لسوء سلوك الزوج وتعاطيه المواد المخدرة.
وتابعت السيدة أنها عقب الانفصال من زوجها أقامت دعاوى قضائية أمام محكمة الآسرة ولكن للمساومة لإنهاء إجراءات الطلاق من قبل وسائط من المحامين والأقارب، وبسبب فعلا الضغوطات النفسية وعدم إسناد الأهل لقرار الطلاق وعدم وقوفها بجانبها لإنهاء الأمر عقب حصولها على مستحقاتها فمع حصولها على حكم بإلزام طليقها بدفع سنة نفقة متعة استجابت لرغبات عائلتها بالتصالح وديًا للحصول على الطلاق.
وتابعت« أانازلت عن نفقة متعة سنة علشان اطلق وكذلك مؤخر الصداق مقابل الحصول على فراشي وذهبي».
الشرع والقانون يلزموا الزوج بنفقات «الحضانه والرضاعة»
قال الدكتورالخطيب محمد، الخبير القانوني، إن الشريعة الإسلامية أكدت علي وجوب النفقة على الزوج، وقد ورد ذلك في الكتاب والسنة والإجماع، فمن الحقوق الواجبة نفقة الرجل على زوجته وأولاده بالمعروف.
واستند الخبير أن القانوني إلى الشرع وفقًا للدين الإسلامي وفقًا لما جاء في سورة البقرة في الآية 233 «وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»، وقوله عز وجل: «لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ»، كما ورد في سورة الطلاق.
كما أوضح أن النفقة استندت على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفقا لرواية مسلم «ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف»، موضحًا أنه يتضح من ذلك أن النفقة حق الزوجة على زوجها سواء كانت فقيرة محتاجة أو غنية موسرة فيجب على الزوج أن يوفر لزوجته وأولاده ما يحتاجون إليه من النفقة والسكن والمأكل والملبس والمشرب وإن كان هو فقيرًا مدقعًا أو غنيًا موسرًا.
وعن مقدار النفقة، قال الخبير القانوني أن الله أخبرنا أن النفقة تكون بحسب حال الزوج من الغنى أو عكسه ومن السعة أوالضيق كل بقدر ما وهبه الله من الرزق حيث قال تعالى «وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ»، فمن كان غنيا موسرا فليوسع على أهله ولا ينفق نفقة الفقراء ومن كان فقيرا مسكينا فلا يكلف نفقة الأغنياء وإنما كل واحد في حدود إمكانياته وقدراته من غير إسراف ولا تقتير لا يكلف إنسان إلا ما يدخل تحت وسعه وفي طاقته.
ومن جانب القوانين الوضعية، فقد أكدت مواد قانون الاحوال الشخصية علي أن النفقة تجب على الزوج من تاريخ العقد الصحيح وذلك إذا سلمت نفسها إليه ولو حكما ولا يمنع مرض الزوجة من استحقاقها للنفقة كما يستحق الأبناء النفقات.
ونصت المادة رقم 1 من القانون رقم 25 لسنة 1929 والمعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 تنص على إنه: «تجب النفقة للزوجة على زوجها من تاريخ العقد الصحيح إذا سلمت نفسها إليه ولو حكما حتى لو كانت موسرة أو مختلفة معه فى الدين ولايمنع مرض الزوجة من إستحقاقها للنفقة وتشمل النفقة الغذاء والكسوة والسكن ومصاريف العلاج وغير ذلك بما يقتضى به الشرع وتعتبر نفقة الزوجية دينًا علي الزوج من تاريخ إمتناعه عن الإنفاق مع وجوبه ولا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء».
كما نصت الفقرة الثالثة من المادة سالفة الذكر علي أن تشمل النفقة الغذاء والكسوة والمسكن ومصاريف العلاج وغير ذلك مما يقضي به الشرع.
وبالنسبة لنفقة الأبناء فقد نصت المادة 18 مكرر ثانيًا من القانون 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون 100 لسنة 1985 على أنه إذا لم يكن للصغير مال فنفقته على أبيه وتستمر نفقة الأولاد على أبيهم إلى أن تتزوج البنت أو تكسب ما يكفى نفقتها، وإلى أن يتم الابن الخامسة عشر من عمره قادرًا على الكسب المناسب، فإن أتمها عاجزًا عن الكسب لآفة بدنية أو عقلية أو بسبب طلب العلم الملائم لأمثاله ولاستعداده أو بسبب عدم تيسر هذا الكسب، استمرت نفقته على أبيه.
النفقة واجبة على الزوج وحق للزوجة والأبناء، فقد أباح القانون للزوجه إقامة العديد من الدعاوي القضائية ضد الزوج للحصول علي حقها المشروع في النفقة بكافة أنواعها، وهي نفقة الزوجية ونفقة الصغار ونفقة العدة ونفقة المتعة وآجر المسكن وآجر الحضانه والرضاعة والخادمة وفرش وغطاء ونفقة ولادة ونفقة علاج ونفقة مصروفات تعليمية.
شروط حصول الزوجة على النفقة: الولاية والطاعة
وقال الدكتوروليد وهبة، الخبير القانوني، إن النفقات في قانون الأحوال الشخصية من الالتزام الزوجية التي نص عليها القانون، وتنقسم التفرقة إلى عدة أنواع أولها نفقة الزوجية وهى مقدار ما ينفق الزوج على زوجته بحسب يسره وعسره وقدرته على الإفاق، ويشترط فى استمرار هذه النفقة هو أن تكون الزوجية قائمة، فإذا انفصلا بالطلاق أو الخلع تنقطع النفقة، وإن كانت مقررة بحكم قضائى فيمكن للزوج إقامة دعوى إبطال مفروض للطلاق.
ويشترط فى حصول الزوجة على النفقة أمران الأول الولاية وهى إن تكون متزوجة كما أوضحنا والثانى الطاعة، فتتوقف النفقة بالنشوز وهذا له أسبابه منها الخروج إن الطاعة وترك مسكن الزوجية والنزول إلى العمل دون إرادة الزوج.
وتابع الدكتور وليد وهبة، أنه عقب ذلك تأتى نفقة الأطفال، فهذه أيضا التزام منفصل ولا ينقطع وتقدر أيضا بحسب يسر وعسر الزوج، وهناك نفقة العدة ونفقة المتعة وهذة تشترط الطلاق الرائي دون الخلع.
كما أن هناك نفقات أخرى مثل نفقة مسكن الزوجية إن لم يكن للحاضنة وغيرها مال أو مسكن أو تمكين من مسكن الزوجية، ثم يتبقى نفقة المصاريف الدراسية وهى تتعلق بالسن الإلزامي للتعليم وتحدد بحسب يساره وقدرة الزوج، وذلك وفقًا لما أكدته محكمة النقض أن نفقة الصغار بأنواعها من الأصول الثابتة شرعًا على عاتق الأب دون غيره، ولا تسقط عنه ولو كان معسرًا مادام قادرًا على الكسب، وامتناعه عن أدائها يؤدي إلى حبسه.
وتابع الخبير القانوني أن المشرع أهتم بتنظيم النفقة حفاظا على حماية حياة الصغار والزوجة بحسب إنها طرف ضعيف وكونها لا تعمل منذ صدوره بالقانون رقم ٢٥ لسنة ١٩٢٩ وذلك حفاظا وصونا للأسرة.
استشاري نفسي يوصف تأثير قضايا النفقة على سلوك المرأة والأطفال
وقال الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة والسلامة النفسية، إنه بإجماع علماء الدين يرون أن الطلاق مكرم عن الزواج، فالزواج يحدث من كلمة، ولكن الطلاق يشترط مروره بعدة خطوات حتى يعتد به ويصبح نهائي فيترتب عليه العديد من الملفات والقضايا في محاكم الآسرة التي تنجر لها السيدات في المحاكم.
أضاف أن القرآن كان دائما يحثنا على معاملة المعروف والتسريح بإحسان وقت الانفصال فهو أعم وأشمل من المعروف، لأن القضايا التي تخلف الطلاق وخاصة النفقة تؤثر على الزوجة نفسيًا وتداعيات الأمر لا يليق بنفسيتها وآدميتها ولا ينعكس عليها وحدها ولكن على الأبناء فالإيذاء والاستهانة وجرح مشاعرها بالتأكيد يؤثر على سلوكها.
تابع هندي، أن أيضا مراوغة الزوج لدفع النفقة عقب الانفصال يضع عليها أعباءًا نفسية جديدة وخاصة تحايله على القانون بالتمادي في تطويل إجراءات التقاضي وعدم حضوره الجلسات،وكذلك إجراءات لتلاعب في التحريات التي تحدد قيمة النفقة وتقديم كشوف المرتبات والدخل بدون بدلات ومكتسبات لتقليل قيمة النفقة.
وتابع أن النفقة بعد الطلاق لها أنواع مثل المتعة ونفقة العدة ونفقة السكن وتعليم الأطفال، وغيرها كل هذا يجعل الزوجة تحت وطأة التلاعب بها من التواطؤ مع الزوج أو طليقها ضدها وخاصة من المحامين الذين يستغلونها أيضا بمشاركتها في قيمة النفقات التي يتحصلون عليها ومحضري التنفيذ وغيرهم ويختلف الأمر بين الموظفين الذين تتمكن التحريات من تحديد قيمة الدخل على عكس من يعمل حر وقد يكون متيسر ماديًا ويتبادل أمواله مع آخرين ويرفض إعطائها كنوع من العند لطليقته وأطفاله، فطبيعي أن يشعر الزوجة بالقلق من المستقبل والخوف من الحاضر ويخلق لديها نوع من انعدام جودة الحياة، وإهدار للوقت من اللف للمحامين والمحكمة لحضور الخلسات وتغيير في سلوكها واضمحلال سلوكها واهتمامتها الأنثوية وفقًا لأولوياتها بعد الانفصال إلا جانب اليأس والإحباط.
ووصى الخبير النفسي أن نراعي أن تكون معاملة الزوجة عقب الانفصال بالحسني وحتى عندما تلجأ لقضايا في محاكم الأسرة أن تكون في ملف شامل ومحكمة ونيابة عامة واحدة وأمام شخص واحد يكون على علم بوضع الطرفين في مختلف القضايا حتى لا يحدث لها تشتت ويكون هناك عدالة وتنفيذ سريع لتلك القضايا وتيسير الإجراءات ويكون القاضي على علم بحال الطرفين والزم القطاع الخاص يعطي كشوفات انتاجية للزوج، مع تنفيذ الحبس والحجز الفوري وأن تكون شاملة النفقة الذكية التي تشمل نفقة شاملة لكل احتياجات الطفل من مصاريف الترفيه وغيرها لأن هذه مصاريف السيدة تنفقها دون أن ترجع للمطالبة بها فمصاريف التعليم لابد ان تشمل الوجبات الغذائية واشتراك الاتوبيسات والكتب الخارجية وكل ما يخص العملية التعليمة وليس مصاريف المدرسة فقط، ليروي حالتها الاقتصادية ولا يشعرها باليأس وفقدان الأمل وعدم لجوئها لمن يستغلها ويتعدى الأمر خسارة شريك لمصائب أخرى أكبر.