جودر
ذات نهار بعيد
سأل أحدهم الأستاذ نجيب محفوظ: هو احنا مانقدرش نعمل فيلم ياخد الأوسكار؟ ورد الأستاذ كان قاطعًا مانعًا: نقدر بس مش عايزين، والحقيقة أنه من وقت لآخر نشاهد عملًا يفتح الأفق من جديد، ويمنحنا الأمل والحلم بإمكانية المنافسة بجدارة في سوق الدراما العالمية، ومن ينسي أفراح القبة والخواجة عبدالقادر وجزيرة غمام أو لعبة نيوتن وبـ ١٠٠ وش وكل أسبوع يوم جمعة وخلي بالك من زيزي، وبالطو، ومؤخرًا أشغال شاقة والحشاشين ومسار إجباري، حرمني التيار الكهربائي من متابعة النصف الأول من الشهر الكريم، فقد انقطعت الكهرباء لدقائق وعند عودتها أحرقت شاشة التليفزيون وأجهزة أخرى بالطبع، وعليه فسوف أتفرغ لمشاهدة بعض المسلسلات مع بداية عيد الفطر، أعاده الله عليكم بالخير واليمن والبركات، هناك مسلسلات تذهب إليها وأخرى تلح عليك وتطاردك في أحلامك، فقط عليك ألا تلقي بالًا لأناشيد وفخاخ اللجان الإلكترونية، وأن تنجو بعقلك من ضلال منظم مدفوع الأجر، على كل حال ها أنا ذا أشاهد حلقات التحفة الملهمة جودر، أتابع بنهم وفرح كل تفصيلة وأقرأ ما وراءها من جهد وابتكار، سيناريو رائق يشبه دانتيلا نسجت بعناية ومحبة، وحوار رشيق متعدد الإيحاء والدلالة، يقيني أننا تجاوزنا فكرة الصورة الغنية والدراما الفقيرة، وأصبح المحتوى الدرامي يتماهى والمحتوى البصري، فليست مصادفة أن تتألق كل العناصر، هناك بالضرورة عمل متقن ودءوب من فريق آمن بفكرة وقرر تحقيقها مهما كانت التضحيات، الصورة تشير إلى تكلفة مادية استثنائية وكبيرة، بتنا نصدق أن عقلية المنتج اختلفت وتبنت فكرة الإقدام والمغامرة، هناك جهد أيضًا وراء كل ممثلة وممثل مهما كان حجم الدور، عن نفسي أثق في القادمين من المسرح، نعم فهم فاكهة الدراما وعصبها القوي والناضج، ليس في التشخيص فقط، بل والأهم في التأليف وهو ما ستلاحظه من قوة الحبكة وتعقيداتها وسلاسة الانتقال من حدث لآخر تمامًا كما يفعل موسيقي ماهر في التنقل بنعومة بين المقامات، كل هذا كان ممكن أن يذبل لولا عناية ووعي مخرج قرأ ماوراء النص، واختار من يستطيع تنفيذه كما تخيله تمامًا، هذا عمل توفرت له الإرادة ياعم نجيب محفوظ، ويبدو أننا أصبحنا نستطيع المنافسة ونريد ذلك، تحية كبيرة لكل عين كانت وراء هذا العمل الممتع، تحية خاصة للموسيقى والملحن الموهوب شادي مؤنس، وبالضرورة للكاتب الكبير أنور عبدالمغيث، والمخرج الرائع إسلام خيري.