“فضائح الظلام".. كيف واجه الإمام الغزالي فرقة الحشاشين وأظهر حقيقتهم؟
شهد مسلسل الحشاشين، ظهور الإمام الغزالي الملقب بـ"حجة الإسلام"، في مشاهد تعد واضحة وجلية في مواجهة الإمام الغزالي لفرقة الباطنية وتحديدًا جماعة الحشاشون، حيث كان أبرز تلك المشاهد توعية الإمام أبو حامد الغزالي الناس عن الباطنيين ومن هم وما هي دعوتهم؟.
فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية
ألف الغزالي كتاب "فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية"، بناء على طلب المستظهر نفسه حتى يرد به على عقيدة الباطنية متمثل في فرقة الحشاشين يتناثر في كل أنحاء الخلافة العباسية، كما ألف عدة كتب بعده للرد على هذه الفرقة وفضح خباياها، ومن هذه الكتب "المنقذ من الضلال والموصل إلى ذي الجلال"، "حجة الحق"، "مفصل الخلاف"، "الدرج المرقوم بالجداول".
ويعد كتاب "فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية"، أول كتاب رد به الغزالي على الباطنية من بين كتبه في هذا الموضوع؛ إذ كان الداعي الأهم إلى تأليف الغزالي لهذا الكتاب هو استفحال أمر الباطنية، وبث دعاة الإسماعيلية من قبل الدولة الفاطمية في مصر للدعوة إلى الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، ضد الخليفة العباسي المستظهر بالله.
وسرد الغزالي في كتابه فضائح الباطنية عشرة تسميات للباطنية، وأشار إلى أن الباطنية تدعي أن لظواهر القرآن والأخبار بواطن تجري في الظواهر مجرى اللب من القشر، لكنه اعتمد اسم التعليمية لأنها الأكثر ملاءمة لفكر الباطنية في عصره، ولأنهم قالوا أن لا سبيل إلى أخذ العلوم إلا بالتعليم.
ويشير الغزالي في "فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية"، إلى الألقاب التي لقبت بها هذه الفرقة، إذ يقول: "ألقابهم عشرَة هي الباطنية والقرامطة والقرمطية والخرمية والحرمدينية والإسماعيلية والسبعية والبابكية والمحمرة والتعليمية، ولقبوا الباطنية لدعواهم أن لظواهر القرآن والأخبار بواطن تجري في الظواهر مجرى اللب من القشر وأنها بصورها توهم عند الجُهال الأغبياء صورا جلية وَهِي عِنْد الْعُقَلَاء والأذكياء رموز وإشارات إِلَى حقائق مُعينَة".
واستهدف الغزالي من هذا الكتاب هدفين: إظهار فضائح الباطنية، وهو أمر يتعلق بالعقيدة، وبيان فضائل المستظهرية، أي خلافة المستظهر بالله العباسي، وهو أمر يتعلق بالسياسة، ومن هنا جاءت تسمية الكتاب بـ"المستظهري" في "فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية".
ولم يكتفي الغزالي بذلك، بل خصص في كتابه "فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية"، الباب التاسع بأكمله لإقامة البراهين الشرعية على أن الإمام الحق القائم بالحق الواجب على الخلق طاعته هو الإمام المستظهر، كما بين أنه يجب على علماء الدهر الفتوى على البت والقطع بوجوب طاعته على الخلق ونفوذ أقضيته بمنهج الحق وصحة توليته للولاة وتقليده للقضاة وأنه خليفة الله على الخلق وأن طاعته على جميع الخلق فرض، وهو من أوله إلى آخره دعوة لطاعة المستظهر والالتفاف حول منصب الخلافة، وقد أورد صفات الإمام وواجباته السياسية والدينية.
وذكر الغزالي في كتابه "المنقذ من الضلال والموصل إلى ذي الجلال" وهو يتحدث عن موقفه من التعليمية (الباطنية) ما يلي: "وليس المقصود الآن بيان فساد مذهبهم، فقد ذكرت ذلك في كتاب "المستظهري" أولًا، وفي كتاب "حجة الحق" ثانيًا، وهو جواب كلام لهم عرض علىّ ببغداد، وفي كتاب "مفصل الخلاف" –الذي هو إثنا عشر فصلًا- ثالثًا، وهو جواب كلام عرض على بهمدان، وفي كتاب "الدرج المرقوم بالجداول" رابعًا، وهو من ركيك كلامهم الذي عرض على بطرس، وفي كتاب "القسطاس المستقيم" خامسًا، وهو كتاب مستقل بنفسه، مقصودة بيان ميزان العلوم، وإظهار الاستغناء عن الإمام المعصوم لمن أحاط به".
أسباب إقامة دعوة جماعة الباطنية (الحشاشون)
يشير الغزالي أن هذه الدعوة لم يفتتحها منتسب إلى ملة ولا معتقد لنحلة معتضد بنبوة فان مساقها ينقاد الى الانسلال من الدين مثل انسلال الشعرة من العجين، ولكن تشاور جماعة من المجوس والمزدكية وشرذمة من الثنوية الملحدين وطائفة كبيرة من ملحدة الفلاسفة المتقدمين.. كما أنهم يستعبدون الْخلق بما يخيلونه إليهم فنون الشعبذة والزُرق وقد تفاقم واستطارت فِي الأقطار دعوته واتسعت ولايته حتى استولوا على ملك أسلافنا وانهمكوا في التنعم في الولايات مستحقرين عقولنا".
ويتابع: "ثم قالوا طريقنا أن نختار رجلًا ممن يساعدنا على المذهب ونزعم أنه من أهل البيت وأنه يجب على كافة الخلق مبايعته وتتعين عليهم طاعته فإنه خليفة رسول الله ومعصوم عن الخطأ والزلل من جهة الله تعالى ثم لا نظهر هذه الدعوة على القرب من جوار الخليفة الذي وسمناه بالعصمة فان قرب الدار ربما يهتك هذه الأستار وإذا بعدت الشقة وطالت المسافة فمتى يقدر المستجيب إلى الدعوة أن يفتش عن حاله وأن يطلع على حقيقة أره ومقصدهم بذلك كله الملك والاستيلاء والتبسط في أموال المسلمين وحريمهم والانتقام منهم فيما اعتقدوا فيهم وعاجلوهم به من النهب والسفك وأفاضوا عليهم من فنون البلاء".
ويؤكد الغزالي أن السبب في رواج حيلتهم وانتشار دعوتهم أنه لا ينخدع بهم إلا المائلون عن اعتدال الحال واستقامة الرأي، إذ يقول: "هم ثمانية أصناف، الأول طَائِفَة ضعفت عُقُولهمْ وَقلت بصائرهم وسخفت فِي أمور الدّين آراؤهم لما جبلوا عَلَيْهِ من البله والبلادة، والثانية انْقَطَعت الدولة عَن أسلافهم بدولة الإسلام كأبناء الأكاسرة والدهاقين وَأَوْلَاد الْمَجُوس المستطيلين فَهَؤُلَاءِ موتورون قد استكن الحقد فِي صُدُورهمْ كالداء الدفين، والثالثة طَائِفَة لَهُم همم طامحة الى العلياء متطلعة الى التسلط والاستيلاء، والرابعة طَائِفَة جبلوا على حب التميز عَن الْعَامَّة والتخصص عَنْهُم ترفعا عَن مشابهتهم، والخامسة طَائِفَة سلكوا طرق النّظر وَلم يستكملوا فِيهِ رُتْبَة الِاسْتِقْلَال وان كَانُوا قد ترقوا عَن رُتْبَة الْجُهَّال فهم أبدا متشوقون الى التكاسل والتغافل، والسادسة طَائِفَة اتّفق نشوئهم بَين الشِّيعَة وَالرَّوَافِض واعتقدوا التدين بسب الصَّحَابَة، والسابعة طَائِفَة من ملحدة الفلاسفة والثنوية والمتحيرة فِي الدّين، والثامنة طَائِفَة استولت عَلَيْهِم الشَّهَوَات فاستدرجتهم مُتَابعَة اللَّذَّات".