السنة المُظلمة!
تعبير مدهش لدى أهلنا في الصعيد المصري الجنوبي، وربما في أماكن أخرى بوطننا الكبير، غير أني أكتب ما صادفته مرارًا وعرفته يقينًا، إذا تأخر عن هؤلاء عمل مراد أو طلب مرغوب، يقولون للمماطل: يبدو أنك ستنجز حكايتنا في السنة المظلمة! (هكذا بعاميتهم).
يعنون أنه لن ينجز شيئًا طبعًا، وأنهم يفهمون عجزه أو تعمده عدم السعي المثمر لقضاء المصلحة، ييأسون منه ويهزأون به بالتأكيد، ويقصدون بالسنة المظلمة الوقت المفقودة فيه الرؤية، كما هو واضح، وعلى هذا فلا انتظار لمثل هذا الوقت أصلًا، والمعنى المباشر: كشفنا لعبتك البائسة يا فلان.. اذهب إلى الجحيم!
حسبت السنوات المظلمة في حياتنا فوجدتها كثيرة للغاية، سنوات يغيب فيها الإبصار، ولا يحدث الأمر المنشود.. ومثلًا: ستنهي إسرائيل حربها على غزة في السنة المظلمة، وستكف أمريكا عن دعمها المطلق لإسرائيل في السنة المظلمة، وسيصبح العالم أقرب إلى العدالة في السنة المظلمة، ويصير العرب متحدين وأقوياء في السنة المظلمة..
أما عن السنة المضيئة، وهي بالبداهة سنة ترى فيها الدول، وترى الإنسانية، نتائج مراماتها في الوقت المقدر لذلك؛ فتبدو سنة بعيدة إذ أمسى تسويف الأمور عادة سارية لعينة، إلى أن تنتهي المهلة بعد المهلة، والمحصلة فراغ كبير!
لن تذهب السنة المظلمة وتأتي الأخرى المضيئة ما دمنا مصرين على التلاعب بالمشاعر والمصائر، كلام ولا تنفيذ، وعود ولا وفاء، محبة ظاهرة وعداوة باطنة..
لتكن سنواتنا المضيئة هي السائدة، لتكن موازية للمظلمة على الأقل، أخاطب الكرة الأرضية وسكانها هنا، وأخص بلادي وأهلها بالطبع؛ فلقد وجدت أثر السنة المظلمة باديًا في الأمل الضائع والخطوات اليائسة والقلوب المنكسرة.
لا تقل لزوجتك إنك ستفعل خيرًا ولا تفعل، ولا لأخيك، ولا صديقك، ولا جارك، ولا زميل العمل، ولا ابن شارعك، ولا رفيق طريقك، ولا أحدًا في المطلق ولو كان غريبًا.. افعل الخير لو نويت فعله، أو قصدك قاصد أن تفعله، افعله سريعًا صادقًا، ولا تؤجله مرة بعد أخرى، ثم تتفرج على الناس الذين منوا أنفسهم بحدوثه ولم يحدث، تتفرج على آلامهم وجراحهم، وكأنك لم تصنع صنيعًا قبيحًا مذمومًا!
القانون لا يعاقب أصحاب السنين المظلمة، وما أكثرهم بيننا، لكن التاريخ يعاقبهم لا محالة، والضمير يعاقبهم، والسماء العالية تعاقبهم أشد العقاب. إننا في حاجة ملحة إلى أن يكون تعاملنا شريفًا وشفافًا، أعني مجتمعنا والمجتمعات البشرية بأسرها، أن نقتل القيم السلبية التي تكلفنا أمراضًا لا نطيقها في الأجساد وفي النفوس، وتكلفنا ما تكلفنا من الأوقات والجهود والأموال، وضمن تلك القيم التي صارت وافرة للأسف، قيمة الإبطاء عنما يحتاج إليه منا الآخرون، الإبطاء الذي يجر إبطاء، لا يفضيان في النهاية إلا إلى فشل وحسرة، ألا ساء المبطئون وساء المعتمدون على أمثالهم أيضًا!