كتابة تشبه الأحلام
عن سمر علي وروايتها الأولى"بدون فصل أخير"
في الحلم فقط تختلط العصور وتستدعى شخصيات من أزمنة سحيقة، في الحلم فقط نتحرر من تلك القيود المنطقية والواقعية وكل ما ألفناه من تقاليد، هي ليست فقط بدون فصل أخير، كما أنها ليست روايتها الأولى، على الأقل روايتها المدونة والمطبوعة، هذه رواية مدهشة، تبدأها ولا تنتهي منها، تتركها فتناديك، حتى بعد قراءتها لا يمكنك أن تغلقها، أو تضعها على الوضع"صامت" لن تتركك في حالك بعد أن تتأكد من تورطك واستغراقك في عالمها، كما يتجلى في هذا المشهد، “أشعر بالخوف الشديد، أتلفت حولي فأرى نفسي مكررة مئات المرات في تلك المرايا الرخيصة ذات اللون الأصفر والسطح المنبعج، الإضاءة البيضاء التي تأتي من سقف الغرفة، تتحول إلى غشاوة أمام عيني فلا أرى بوضوح، التفاصيل ذابت، أمد يدي إلى الستارة فلا أطولها، تطير في سقف الغرفة وتتجه نحوي، تحاول أن تغطي رأسي، أجثو على ركبتي وأنا أرفع يدي إلى السماء وأبعدها عن رقبتي، لا أعلم هل ما زلت أتنفس “لا يمكنك أيضًا إسكات تلك الأصوات التي أثارتها داخلك، ولا تستطيع إيقاف تلاحق الذكريات وما تحمله من أحداث وشخصيات، دون أن تعيد السؤال عن فلسفة الفقد وما إذا كان الموت يعني الغياب حقًا، أو أن الهجرة تعني الخلاص، وأن العلاقات تنتهي بالفراق، أنت أمام نص متحرك ومتحرر من الجاذبية، الزمن هنا تم تفكيكه تمامًا، بل وتسييله للدرجة التي تسمح للساردة بالقفز متى شاءت دون ترتيب أو استقامة، يستتبع هذا بالضرورة تجاوز فكرة المكان، المكان ابن مخلص لزمانه، هذا نص يحاكي الحواس الخمس، ليس على سبيل المجاز، هو كائن حي بكل تفاصيله، أنت أمام مجموعة مشاهد سينمائية بكل ما تضمنته من مقترح بصري مكتمل الأركان حيث السيناريو والحوار وشريط الصوت ومصادره المتعددة من مؤثرات ومقاطع غنائية، ناهيك عن الجمل المشرقة مثال "سأنتظر هناك انسياب البحر من الحوائط لأهيم"، "الخيال يأكل الحائط" وبمناسبة الحائط فهذه الرواية يمكننا التعامل معها كجداريات تشكيلية مكتظة بالتفاصيل، حاولت تتبع مستخلصات كل مشهد حتى أظفر بجملة مكتملة في دلالتها قد تمنحني بعض مفاتيح لفك شفرات السرد، فشلت بالطبع، فهذه رواية متعددة المستويات والدلالات حتى في لغتها والتي تراوحت بين الفصحى والعامية بأكثر من لهجة، لا أعرف على وجه الدقة إذا ما كانت الكاتبة قررت أن تمنحنا شريطها السينمائي كاملًا، وعلى كل منا ترتيب المشاهد وفق ما تفرضه الضرورة الدرامية كأي مونتير محترف، يقيني أنها قصدت ذلك وراحت تراقبنا في صمت وتضحك، تضحك وتقول: الإجابة خاطئة، لطفًا كرر المحاولة.