شذى يحيى: "عبدالوهاب عبدالمحسن فلاح تشكيلى زرعته لا تبور"
قالت الكاتبة والناقدة شذى يحيي، إن عبدالوهاب عبدالمحسن فنان تشكيلى له خصوصية فى المشهد التشكيلى المصرى، استطاع الحفاظ عليها بحرصه على الحضور على مدار خمسة عقود.
جاء ذلك خلال ندوة أقامها صالون ضي للثقافة والفنون احتفالًا بـ50 عامًا من الإبداع قراءات نقدية في مسيرة الفنان عبدالوهاب عبد المحسن وبمشاركة الشاعر والكاتب الصحفي أحمد الشهاوي، والشاعر جمال القصاص والفنان والناقد مصطفى عيسى، ويقدمها الكاتب الصحفي والشاعر محمد حربي.
بداية من ممارسته الفن بتقنية الحفر رغم صعوبة وتعقيد آلية إنتاج الأعمال الفنية بها وطول المدة الزمنية التى يستغرقها إنتاج العمل، ما يهدد الفنان بفقدان لحظة شغفه وليس انتهاء باختيار عناصر ومفردات أعماله النابعة من بيئته الريفية وجذوره وأحيانًا ما تصدم المتلقى وتدفعه للتساؤل عن مغزى اختيار الغراب وأبوقردان والقرموط ومعه أسماك البحيرة والهدهد والذبابة وأشجار السنط والجميز كأبطال للمشهد وتصويرهم بحالة لونية وتشريحية ساحرة ومبهرة بل ومبهجة للأعين فى مشاهد للوحات تبدو بألوانها أقرب للمقاطع الشعرية، أو ألحان ربابة حزينة على ضفاف مصرف كفت، وأحيانًا كأصفر شمس الظهيرة وهى تداعب بلورات الملح الوردى على ضفاف البحيرة.
وتابعت: "تستطيع أن تطلق على عبدالوهاب لقب فلاح تشكيلى بنفس الأريحية التى تسميه بها فنان تشكيلى، هو فلاح تشكيلى شاطر خبير متمكن من أدواته ومن عناصره الخط واللون والتكوين المنظور والملامس والشكل والبناء، لذلك فإن زرعته لا تخيب وحقله لا يبور".
ولفتت يحيى إلى أنه "صبور جدًا فى أدائه لا يستعجل النتائج، الحفر بكل أنواعه هو وسيطه المفضل رغم أنه يخوض مراحل ومراحل للوصول للنتيجة النهائية مستخدمًا أدوات معقدة وقوالب خشبية وأحماضًا أحيانًا، ما يستلزم مجهودًا بدنياً إضافة للإبداع الفنى، وتتداخل الصدف والظروف هى الأخرى فى إنتاج العمل، درجة حرارة الجو والرطوبة معاملات التمدد والانكماش طبيعة الوسيط.
وأوضحت: "مثله مثل أى فلاح يحرث الأرض ويمهدها ويخطط الأرض ويلقى بالبذور ثم يروى، ويظل يتابع نمو الزرع وتغير أحواله رويدًا رويدًا حتى يطيب الحصاد ليجنيه".
وبنفس الصبر يراود الألوان برهافة كبيرة ويطوعها وينعم تضاداتها فتخلق ذلك الحوار المتناسق المنسجم على سطح لوحته، وهو عندما يفعل ذلك يفعله وعينه على ثراء تناغمات الطبيعة الريفية حوله جماليات ألوان الفطريات فى البرك وحمرة الطين بجوار طلمبة المياه، وخضرة أطراف المستنقعات، واحتضان الشوك للرمل فى جبل النرجس بينما ترقبه النخلات من بعيد محملة بجواهرها من البلح الأحمر والأخضر ويداعب جريدها الهفهاف زرقة السماء وبياض السحاب ووردية الملاحات.
وأشارت إلى أنه "يراقب بهدوء تغير الألوان والدرجات والإيقاعات اللونية على الأرض الطيبة وكائناتها فى كل فصل من فصول السنة، بل كل لحظة تتابع فيها دورة الليل والنهار بإدراكه أن لحظة اللون مرتبطة مع لحظة الزمن وأن كلتيهما لا تتكرر.
لا الزمن يتكرر ولا درجة اللون تعود فيسعى لأن يحفظهما فى قارورة لوحته كطفل يحاول اقتناص نور الشمس أو ضوء القمر فى قبضته الصغيرة، لذلك كان أصدق اسم لمعرضه الاستيعادى هو دوران الفصول.
فى مشهده دائمًا تجد أشجار توت الفراعنة وجميزة حتحور بحليبها الشافى وسنطة أجداده التى يضرب بها المثل فى الصلابة، ولأنه فلاح يحب الحق فقد رد الاعتبار للقرموط رمز نعرمر وقدرته على البقاء، والغراب الذى رآه أجداده رمزًا للوفاء والإخلاص، فهو لا يتزوج فى حياته إلا مرة واحدة، أنثى الغراب عادة ما تضع بيضتين واحدة أنثى والأخرى ذكر يترافقان العمر بأكمله وإن حدث وكانت البيضتان ذكرين أو انثيين يظلان بلا رفقة حتى الموت، لذلك وعلى عكس أغلب شعوب الأرض رأى قدماء المصريين فى الغربان وفاء وحكمة وإخلاصًا، أيضًا يحتل طائر أبوقردان أو تحوت مكانة كبيرة فى عالم عبدالوهاب. تحوت صديق الفلاح مخلصه من الديدان التى تأكل قوته قبل أزمنة المبيدات، من طحالب البحيرة حتى كلاب الأزقة وحميرها ومن ألوان وروائح الملح لنداوة وصفاء الخضرة، وخصوبة ودسامة الأرض العفية السوداء.
واختتمت "يحيى" "يلتحم الفنان بالطبيعة بحالة الوادى البكر قبل أن تلمسه يد المدينة، ويقتحمه الإنسان الذى يظهر نادرًا فى لوحاته ككائن محمل بكل هذه الطبيعة متلون بألوانها مصيره الطبيعى الذوبان فيها".