مأوى الفارين من الحرب.. تجار الخيامية: هنا تُصنع خيام اللاجئين فى غزة
تنتعش صناعة الخيام بعد ركود بشارع الخيامية أشهر أسواق القاهرة المسقوفة، تزامنًا مع الحرب على غزة التي دُمرت نصف مبانيها السكنية؛ نتيجة القصف الإسرائيلي المتواصل، فبات ملاذ النازحين خيمة تؤويهم وذويهم من البرد والعراء وهطول الأمطار، ولذلك حرصت الجمعيات الخيرية المصرية على توفير الخيام لأهالي القطاع بتكليف الخيامية بصناعة الخيام؛ ما أدى لتوفير مزيد من فرص العمل، وفي المقابل أتاحها التجار للجمعيات بمبلغ زهيد تعاطفًا مع اللاجئين في غزة.
ورصد «الدستور» خلال جولته بمنطقة الخيامية أجواء التصنيع داخل الورش، والتقى بالتجار للاستماع لحكايتهم مع الخيام في ظل اقتراب شهر رمضان الفضيل.
عم عنتر: ننسج الخيام بسعر زهيد دعمًا لأشقائنا بغزة
في إحدى حواري الدرب الأحمر، أمام بيت مكون من دورين، وفي ورشة قديمة تزدحم بالخيوط ونسيج الأقمشة، وتغطى أرضها بالخيام، وبها وبالجو المحيط بها مسحة فرح وسرور، وفي نهايتها صوان تجد أمامه صُناع الخيام منكبين على مكتب مفتوح، ينظرون في شىء بين أيديهم، إذا اقتربت منهم تراهم ممسكين بقماش يُطرزونه في خفة وشطارة الغلمان، مستندين إلى كراسيهم ويتراءى في وجوههم البشوشة الابتسام.
يروى عم عنتر، صاحب ورشة لصناعة الخيم بمنطقة الدرب الأحمر، حكايته مع الأقمشة والخيام لـ«الدستور»، قائلًا: أعمل في مهنة الخيامية منذ كان عمري 6 سنوات، وواظبت عليها حتى اخترت أن أمضي إلى مهنة أخرى بعد أن يئست من قلة عائدها، ومع حرب غزة عرض عليّ أن أعود لامتهانها مرة أخرى في ورشتي الصغيرة على أن أكون سببًا في إيواء إنسان، كما رأيت أن في العرض فرصة تفتح لي أبواب الرزق الزهيد عن طريق بيع الخيام، فقبلت به.
يواصل الرجل حديثه عن عشقه للمهنة قائلًا: كانت سر حياتي وسعادتي، فلا أحتمل الحياة بدونها، ولكن شق عليّ الطريق؛ بركود السوق وضعف الإقبال عليها، فتركتها وهكذا فقدت كل شىء، ومع أحداث غزة انتعشت المهنة مجددًا، ووجدت نفسي تبعث على الحال الذي كنت عليه وعمري 6 أعوام، فيمكنني الآن أن أستعير مقصًا وبه أقطع ما اتصل من نسيج الأقمشة، وبماكينة الخياطة أصل ما انقطع من خيام، وبذلك استعدت حياتي، فمع مشقة وصعوبة الحياة لا شئ يطوي آلامي إلا إياها، وما أخشى عليه هو البعد عنها.
يتابع: تمر صناعة الخيمة بالكثير من المراحل، منها نسج الأقمشة، والتطريز، ثم التجليد، فتقطيع الأخشاب، وتصميم الأعمدة، وأخيرًا تجهيزها وتغليفها، مكملًا أن لها مزايا عدة فهي تسع حتى خمسة أفراد، وتُصنع من القماش المتين بشكل انسيابي يقيها من تسرب مياه الأمطار.
اختتم الرجل الستيني كلامه بابتسامة باهتة قائلًا بحزن: سكان غزة يعانون مجاعة وظروفًا كارثية طارئة تفتك بهم حتى بات أقصى آمالهم وطموحاتهم تقتصر على تأمين قوت يومهم، وخيمة تؤويهم وذويهم، فذهبت الطمأنينة، ويملؤني الغد خوفًا وقلقًا عليهم، فندعو الله أن يغنيهم عن الناس، وأن يطيل لنا في أعمارهم.
التجار: الخيام تنتعش بعد ركود تأثرًا بأحداث غزة
أكد سامي عبدالغني، أحد صُناع وتجار الخيام، تصنيع ورشته الخيام مقابل مبلغ بسيط يتجاوز حد الربح بقليل لصالح إحدى جمعيات جمع التبرعات المختصة بتقديم المساعدات الإنسانية الملحة للأسر الفلسطينية بشكل مجان، لإغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، شاكرًا القائمين على هذه الجمعيات الخيرية؛ لما يبذلونه من جهد لتهوين ما يعانيه الغزاويون من مصائب الحياة، مكملًا أن صناعة الخيم انتعشت بشكل كبير مع الأحداث الجارية بالقطاع.
وتابع: "رغم سعادتي بانتعاش صناعة الخيام هذه الأيام تزامنًا مع أحداث غزة؛ لما أتاحته من فرص عمل للخيامية، لكن لم يغب عني ما يتعرض له إخواني في غزة من نزوح وتشريد نتيجة القصف والتدمير، فوجدت ميلًا لا يقاوم إلى البكاء لازمني منذ بدء الحرب عليهم".
قال إبراهيم صالح، أحد صُناع وتجار الخيام، إن مهنة الخيامية أصيبت بحالة ركود لمدة تزيد عن بضعة أشهر، ما دفعه لترك المهنة، بحثًا عن عمل يسد احتياجاته المختلفة، ومع اشتعال الحرب على غزة ازدهرت مهنة الخيامية مرة أخرى، في ظل سعي الجمعيات الخيرية لكساء النازحين بغزة ولسد الحوائج الضرورية لهم فيما يوفر لهم حياة كريمة، فهرعت للعمل استجابًة إليهم لا أبرح الورشة حتى يسدل الليل ستاره، ورغم أن الجو شديد البرودة إلا أن السرور يدخلني بأني أتحمل قسوة الجو في سبيل ستر إنسان، ونثمن جهود الدولة المصرية في إرسال المساعدات لإغاثة أهالي قطاع غزة بدفع أعباء وتكاليف المعيشة عنهم بما فيها من خيمة وطعام وأغطية وغيرها.
صُناع الخيام: الورش الكبيرة مظاهر كاذبة لابتزاز الأموال
وأوضح هيثم أحمد، صانع خيام، أن مع ما ترتكبه قوات الاحتلال في حربها القذرة على غزة؛ لم تعد الخيمة تقتصر على إيواء النازحين فقط بل امتدت لعدة وظائف أخرى باستخدامها كمدارس لتعليم الأطفال أو كمجمع طبي لمعالجة المرضى وأحيانًا مساجد، لذلك نجهزها بشكل انسيابي يحمي من يقطنها من تقلبات الطقس على مدار الفصول الأربعة، مشيرًا إلى أن الورش الكبيرة مظاهر كاذبة لابتزاز الأموال، ففي وقت يعاني فيه اللاجئون نقصًا في المياه والمواد الغذائية، الخيام هي الخيام وخيرها من أوى إنسانًا بأبخس الأثمان، ومختتمًا ندعو المولى أن يخرج أشقاءنا في غزة من هذه المحنة بسلام.