الفائز بجائزة "الكتاب العلمي": الخوارزميات القاتلة في العلاقات الدولية تفوق تاثير القنبلة النووية
فاز د.إيهاب خليفة الذي يشغل منصب رئيس وحدة التطورات التكنولوجية بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة في أبوظبي بجائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الخامسة والخمسين "فرع الكتاب العلمي" وذلك عن كتابه "الخوارزميات القاتلة" الصادرة مؤخرًا عن دار العربي للنشر والتوزيع.
وقال خليفة، لـ"الدستور"، إنه لو افترضنا أن التاريخ يدور في دوائر، فليس هناك شك أن الدائرة الجديدة قد بدأت، وبدأت معها عملية إعادة تشكيل النظام الدولي، مدفوعة في ذلك بتطور نظم الذكاء الاصطناعي وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة، فقد كان للقنبلة النووية التي ألقتها الولايات المتحدة الأمريكية على مديني هيروشيما وناجازاكي في اليابان عام ١٩٤٥ أثر كبير على العلاقات الدولية، فهي لم تنهي حربًا استمرت قرابة السبع سنوات وشارك فيها ٦٠ دولة وسقط خلالها أكثر من ٧٠ مليون انسانًا فحسب، بل أسست لنظام دولي جديد تقوده الدول التي خرجت منتصرة في هذه الحرب وهم دول الحلفاء وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي. فهذه القنبلة التي تم القاؤها مرة واحدة في التاريخ كانت نقطة تحول في ميزان القوى الدولي. وبعد عقود من استقرار هذا النظام فإن العالم على أعتاب لحظة تحول جديدة تقودها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
تأثير الذكاء الاصطناعي على العلاقات الدولية يفوق تأثير القنبلة النووية
الكتاب يرصد أثر الذكاء الإصطناعى فى العلاقات الدولية الدولية؛ حيث يري مؤلف الكتاب أنه مع ظهور نوع جديد من القوة التدميرية العملاقة متمثلة في قوة الانشطار النووي تغير المفهوم التقليدي للقوة وأدوات ممارستها في العلاقات الدولية والمفاهيم التقليدية المرتبطة بها مثل الردع، وتوازن القوى، وسباق التسلح النووي، وتغيرت كذلك الاستراتيجيات العسكرية للدول وقدراتها التفاوضية، وبدأ النظام الدولي يتشكل من جديد مدفوعًا بهذه القوة، وبنفس الطريقة التي تعامل بها النظام الدولي مع السلاح النووي بدأ يتعامل مع الذكاء الاصطناعي، فقد وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في يوليو 2023 خطر الذكاء الاصطناعي بأنه أشبه بخطر الحرب النووية، داعيًا لإنشاء هيئة تابعة للأمم المتحدة مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وكما كان للتطبيقات العسكرية للطاقة النووية آثارها الكبرى على العلاقات الدولية وميزان القوى الدولي، فإن التداعيات الناجمة عن الذكاء الاصطناعي قد تكون أكبر من ذلك بكثير، نظرًا لتعدد استخدامات الذكاء الاصطناعي، فهو ليس عنصر مُشع كاليورانيوم يتواجد في الطبيعية ويستخدم لإنتاج الطاقة سواء كانت سلمية وعسكرية، بل هو عقل قادر في مرحلة ما على السيطرة على مصادر الطاقة بما فيها الطاقة النووية بكل تطبيقاتها، وكما ساهمت القوة النووية في تغيير شكل العلاقات الدولية وميزان القوى الدولي فإن الذكاء الاصطناعي سوف يتولى القيام بهذه المهمة.
فالعالم أصبح متمركزا وبشدة حول تقنيات الثورة الصناعية الرابعة ونظم الذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء، وجميع التفاعلات البشرية أصبحت معتمدة بصورة رئيسية عليها، وأصبحت البنية التحتية الحرجة للدول قائمة على التقنيات الذكية مثل نظم المراقبة والتعرف على الوجوه، ونظم إدارة محطات الكهرباء والسدود والمفاعلات النووية، ونظم المواصلات ذاتية القيادة وإشارات المرور.
وأصبح الأفراد أكثر ارتباطًا بالتكنولوجيا سواء داخل المنزل أو في العمل، وانتشرت العملات المشفرة بين الأفراد، ودخلت الطابعات ثلاثية الأبعاد في عمليات التصنيع، وبدأت شركات الأنترنت في تقديم خدماتها للأفراد عبر الأقمار الصناعية، وتحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى بنوك للمعلومات.
ومع انتشار تطبيقات "الميتافيرس" المستندة إلى تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز فإن ذلك سوف يفرز مواطنين جدد داخل عوالم افتراضية لا متناهية لهم قوانينهم وقيمهم المختلفة التي قد تكون بعيدة تمامًا عن سيطرة الدول.
فحالة التسارع غير المسبوق التي تشهدها المجتمعات الإنسانية بفعل التقنيات الذكية ونظم الذكاء الاصطناعي جعلت عملية إدارة التغيير بداخلها أمر شديد الصعوبة والتعقيد، فلا تكاد تستقر القوانين والنظم والسلوكيات والقيم الإنسانية التي تنظم مخرجات ثورة صناعية كبرى أطاحت بكافة المفاهيم التقليدية التي استقرت عبر عقود من الزمن حتى تلاحقها ثورة صناعية جديدة فتعيد تشكيل المجتمع والنظام الدولي من جديد.
ومع زيادة انتشار التقنيات الذكية وتحول حياة البشر إلى حياة رقمية كاملة فإن ذلك قد مهد الطريق لنظم الذكاء الاصطناعي كي تبدأ في إحكام قبضتها على حياة الإنسان، فهذه النظم لم تكن واعية ولا تستطيع أن تقوم بمهامها ولا مدركة بوجودها من قبل حتى أيقظها الإنسان من سُباتها ومنحها طاقة الحياة حينما حول حياته الشخصية إلى مجموعات من البيانات الرقمية الضخمة التي تتغذى عليها هذه النظم الذكية وتتعلم منها، فوجدت بذلك مصدر الحياة الذي مكنها من التعلم والادراك وتطوير المهارات، فتحولت من قوة كامنة إلى طاقة فعّالة من يسيطر عليها سوف يسيطر على العالم.
ولا تقتصر استخدامات هذه القوة الجديدة على التطبيقات العسكرية فحسب بل تدخل في كافة مظاهر الحياة الإنسانية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والشخصية.
فكما تساعد نظم الذكاء الاصطناعي في القيام بمهام العمل والتعليم والترفيه عن الإنسان تقوم أيضًا بإدارة الأنظمة العسكرية ونظم القيادة والتحكم. وكما تقوم بإجراء العمليات الجراحية الحرجة ومراعاة المرضى وكبار السن يمكن أن تحارب داخل صفوف الجيوش وتتسبب في قتل ملايين من البشر في ساحات المعارك. وكما تراقب المحتوى الضار على الانترنت وتحجبه يمكن لها بنفس الكفاءة تقوم بابتكار المحتوى المُزيف الذي يصعب اكتشافه، ومثلما تستطيع تحليل المعلومات المالية والاقتصادية والتنبؤ باتجاهات الاقتصاد يمكن لها التنبؤ بسلوك الفاعلين الدوليين وإدارة المفاوضات الدولية.
وإذا كانت تستطيع أن تصبح زوجة وصديقة للإنسان في يومًا من الأيام يمكن لها أن تصبح كذلك فاعلًا في العلاقات الدولية، فيظهر نمط جديد من العلاقات الدولية تقوده نظم الذكاء الاصطناعي.
هل من الممكن أن نرى بديلًا لمجلس الأمن يتكون من نظم ذكية تحقق مصلحة البشرية؟
في الإطار، يتناول هذا الكتاب التداعيات الناجمة عن الذكاء الاصطناعي على العلاقات الدولية، فيناقش الفصل الأول الصدمات التي يتعرض لها النظام الدولي والتي تدفع في اتجاه عملية إعادة التشكيل من جديد.
ويتناول الفصل الثاني الثورة الصناعية الرابعة كأحد محركات إعادة التشكيل والتنافس الدولي حولها، بينما يناقش الفصل الثالث قضايا الذكاء الاصطناعي من حيث التعريف والأنواع والخصائص والإشكاليات التي يثيرها.
في حين يناقش الفصل الرابع قضايا الذكاء الاصطناعي في العلاقات الدولية ودوره في القيام بالمهام الدبلوماسية والتفاوضية، ويتطرق الفصل الخامس إلى التطبيقات العسكرية لنظم الذكاء الاصطناعي وأثرها على تغير مفهوم القوة، ثم يناقش الفصل السادس الدرونز كحالة تطبيقية على توظيف الذكاء الاصطناعي في الحروب، من حيث أنواعها وتطبيقاتها واستخداماتها العسكرية وآلية تعاملها مع نظم الدفاع الجوي وكذلك الحدود والقيود المفروضة عليها، في حين يتناول الفصل السابع التداعيات التكنو-اجتماعية لنظم الذكاء الاصطناعي وأثرها على القيم والأفكار والتوجهات الإنسانية على المستوى الدولي.
ويتطرق الفصل الثامن للحديث موقع دول الشرق الأوسط من الثورة الصناعية الرابعة ونظم الذكاء الاصطناعي ودرجة الاستعداد لها وإمكانية الاستفادة منها، في حين ينتهي هذا الكتاب بخاتمة تحاول استشراف مستقبل البشرية في ظل التحول نحو الثورة الصناعية الخامسة.