شخصيات روائية 3
ولاء كمال: بطل روايتي "كوش كو".. النوبي المهووس بالمعرفة
الشخصية الروائية، قد تتمرد على خالقها وتتأخد مصائرها بنفسها، وترسم دروبها بمفردها، ومنها المذعن من يرضخ لــ “ألاعيب السرد والحبكة” فتكون حياته خيوط عرائس ماريونيت يحركها المبدع كما يشاء.
وبين هذه الشخصيات ومبدعيها/ خالقيها، نقدم لكم في الـ “الدستور”، هذه السلسلة من الشخصيات الروائية، يتحدث عنها مبدعيها، كيف خلقوها، خلفيات هذه الشخصيات الاجتماعية والتاريخية، وهل الشكل الأخير الذي وصلت لنا بهذه هذه الشخصيات، هو نفسه الذي خلقه مبدعها في المبتدا، وغيرها في هذه الزاوية الأسبوعية.
وفي هذه الحلقة، يحدثنا الكاتب الروائي ولاء كمال، عن أحدث شخصياته الروائية، “كوش” في روايته الصادرة قبل أيام عن الدار المصرية اللبنانية، والمعنونة بـ "كوش كو"
ولاء كمال: بطل روايتي “كوش كو”... النوبي المهووس بالمعرفة
عن الشخصية الروائية في عالمه السردي يستهل ولاء كمال حديثه لـ “الدستور” بالقول: “دائمًا ما تظهر أمامي الشخصيات بشكل مباغت. بعضها يكون مراوغًا لا تتكشف ملامحه بسهولة إلا بعد فترة، وبعضها الآخر يظهر مكتملًا، مفعمًا بالحياة، فارضًا وجوده وصوته، وهكذا كان كوش كو، في السابق لم أكن أصدق ما يقوله الكتّاب عن أصوات شخصياتهم التي توسوس لهم، أو ظهوره الملّح في أحلامهم، وتحكمهم في مصائرهم، ظننته نوعًا من المبالغة الأدبية الخيالية".
يضيف “ولاء” عن الشخصية الروائية: “حين بدأت في روايتي الأولى (سكون) سرعان ما أدركت أن الأحلام هي ما كتبت تلك الرواية، رؤى الشخصيات وما تتعرض له من محن أو مآسي باغتني في كل وقت لدرجة الهوس والاعتلال النفسي. طوال سنوات الكتابة الأربعة لم تفارقني تلك الشخصيات الحية من لحم ودم لحظة، فرضت عليّ سورًا كثيفًا من الكآبة والانفصال. بعض الكتاب يميل إلى وضع ملف كامل للشخصية، بكل تاريخها وسماتها الجسدية والنفسية، ولكني في الحقيقة أميل إلى أسلوب مختلف تمامًا، وهو التلبس التام”.
ويوضح: “بالنسبة لي الكاتب مثل الممثل المحترف الذي يرسم ملامح شخصيةٍ ما ويتلبسها بالكامل حتى يستطيع تجسيدها على الشاشة أو خشبة المسرح، فيشعر بما تشعر به، يتقمص روحها، ينظر للأمور بمنظورها، ويتمتع بمختلف سماتها بل وأخلاقياتها. حين أتحول إلى هذه الشخصية بالكامل، فإني ساعتها فقط أستطيع أن أتكلم بلسانها وأوغل داخل أفكارها بأعمق وأدق وأصدق ما يمكنني به من إيغال. التحدي الذي يواجهه الكاتب هنا هو أنه لا يمر بتلك الحالة مع شخصية واحدة ولمدة زمنية محددة مثل الممثل، ولكنه يجب أن يتلبس جميع شخصيات روايته -الرئيسية منها على الأقل- وهو ما يعني استنزافًا نفسيًا هائلًا قد يمتد لفترات طويلة من الزمن. الانفصال التام عن الذاتية الآنية والتباعد عما أعيشه كشخص في حياتي اليومية بما فيها من تحديات، في حالة كوش كو تلبستني تلك الحالة لثلاث سنوات كاملة”.
ولفت “ولاء” في حديثه عن الشخصية الروائية إلى أن “في روايتي الأحدث (كوش كو) أتاني (كوش) بغتةً في حلمٍ بلحظةٍ ما بين النوم والاستيقاظ، كنا في وقت الجائحة ولم أكن قد غادرت المنزل لأيام، كنت في تلك الفترة قد أنهيت لتوي كتابة رواية (القداس الأخير)، وأمر بمرحلة التخلص من الحالة الشعورية شديدة التعقيد لراوي الرواية وزوجته السابقة. كان قد مر عام كامل وأنا أعيش علاقتهما شديدة التشابك، وفجأة وبلا أي مقدمات ظهر لي ذلك النوبي الجميل. رأيته في عالمٍ تاريخي بعيد أوائل القرن العشرين، يروح ويجيء ويفكر ويحلم ويندهش، هذا بالنسبة لي ليس بجديد، أزعم أنني في كل أسبوع تأتني أفكار رواياتٍ عظيمة وشخصياتٍ أسطورية الحضور، ولكني سرعان ما أنساها. فقط حين ظل كوش يلح عليّ يدعوني إلى دخول عالمه طالبًا مني سرد قصته، فقط حينها علمت أني سوف أقضي السنوات القادمة منغمسًا في عالمٍ بعيد كل البعد عن عالمي وزمني الذي أعيشه. عرفت أني أريد أن استثمر وقتي مهما طال في دراسة هذا العالم، والشعور به، ومعايشته، مطاردًا ذلك الحلم، ومانحًا ذلك الشخص صوتًا”.
وعن الشخصية الروائية، يستدرك “ولاء”: “هناك قاعدة تقول بأن تكتب عما تعرفه، وهو ما أنصح به الكتاب الجدد أو من يقبلون على عملهم الأول. ولكن مع الوقت، تصبح متعة لعبة الكتابة والخلق الحقيقية هي في حالة التلبس هذه، والتي تفتح الباب أمام تنوع كبير وإمكانات لا نهائية من الشخصيات الحقيقية والحية”.
يشدد صاحب رواية “القداس الأخير” على “إذا ما كانت هناك صفة واحدة يجب أن يتمتع بها الكتاب فأظن أنها القدرة على التعاطف. إذا ما تعاطف الكاتب مع جميع البشر من حوله، وتفهم دوافعهم، هواجسهم، عقدهم، والظروف التي شكلتهم، استطاع أن يضع نفسه مكانهم في كل رد فعل، حركة، إيماءة، أو طبقة صوت، وحينها فقط سيتمكن من التعبير عن كنه الروح البشرية بأصدق صورة”.
يختتم: “إذا ما ظل الكاتب يتمحور حول ذاته، يكتب عن هواجسه فقط، يستعرض قدراته، يسعى وراء مجده الشخصي، أو يكتفي بوصف عالمه، فإنه مع الوقت يصبح مكررًا، نمطيًا، منغلقًا، مغرورًا، وأنانيًا. الكاتب بالنسبة يضحي بوجوده ليتوارى خلف حكايته وشخصياته، يحبهم أكثر مما يحب نفسه. يذوب فيهم ليتحدث بلسانهم فيقول ما لا يستطيعون قوله، يخلق لهم عالمًا يطلقون فيه العنان لأفكارهم ومشاعرهم ورغباتهم وصراعاتهم وسعيهم للتحقق، ساعتها فقط ستجد هذه الشخصيات صداها داخل نفوس ملايين القراء من كافة أنحاء العالم، فتصمد أمام الزمن وتقاوم النسيان، وتحقق الخلود المقدس الذي تستحقه كل روحٍ صادقة”.