أسامة عبدالرءوف الشاذلى: محظوظ بالجمع بين الطب والأدب.. وأكتب الرواية كأننى أجرى عملية جراحية
مثل الكثير من الأطباء الذين نبغوا فى الكتابة، يأتى الدكتور أسامة عبدالرءوف الشاذلى ليكون حلقة جديدة فى هذه السلسلة، التى بدأها محمد حسين كامل صاحب «قرية ظالمة» وجاء من بعده محمد ناجى ومن بعده يوسف إدريس، ثم جاء «الشاذلى» بروايتين أثبت فيهما أن لديه قدرات غير عادية، سواء فى طرق البحث أو الكتابة أو الأسلوب اللغوى المتعدد والمتغير والمناسب لعوالمه.
ولأنه يعمل طبيبًا جراحًا للقدم والكاحل، فإنه يرى الحالة ويدقق ويفكر ويقرر، وحين ينتهى يفعل ذلك ببراعة، فكل غرزة هنا تغلق بإحكام، هكذا يفعل فى الرواية، فهى بالنسبة إليه، تشبه عملية جراحية يُحضر لها ويفكر فيها وينظر من رؤية شمولية للفترة التى سوف يكتب عنها، ويبدأ فى صناعة الشخصيات ويراقبها ثم يتلبس أرواحها ويكتب كما يرى..
أصدر «أوراق شمعون المصرى»، ومن بعدها «عهد دميانة» وكلتاهما تدور فى حقبة تاريخية مختلفة، الأولى تبحث فى تيه بنى إسرائيل والأخرى فى نهاية العصر الفاطمى.. «الدستور» التقت الدكتور أسامة عبد الرءوف الشاذلى، وكان هذا الحوار..
■ بداية.. ماذا تقول عن تعاونك مع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لتحويل «عهد دميانة» لعمل درامى؟
- أنا سعيد بالطبع بتعاونى مع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لتحويل روايتى «عهد دميانة» لمسلسل تليفزيونى، والرواية صدرت العام الماضى وهى تاريخية تتناول حقبة نهايات الدولة الفاطمية وحققت صدى بين القراء، ووصلت للطبعة الحادية عشرة وكلل هذا الانتشار بالتعاون مع «المتحدة»، لتحويلها لمسلسل تاريخى سيتم إنتاجه قريبًا، وأتمنى أن يراها المشاهد العام المقبل على شاشات التليفزيون.
■ كيف تقيم انتشار الأعمال الروائية التاريخية ورواجها بين القراء؟
- الرواية التاريخية لاقت انتشارًا كبيرًا هذا العام بالفعل، وهناك إصدارات كثيرة فى دور نشر متعددة وربما أفسر هذه الظاهرة أن الجمهور المتلقى يعايش الواقع فأصبحت الواقعية مشهودة وينظرها أمام عينيه، وهو يريد الخيال التاريخى؛ فضلًا عن أن معرفة التاريخ تمنحنا بعض الدروس، تعرفنا كيف كانت الأحداث قديمًا وإلام انتهت، ولأن التاريخ يعيد نفسه فأصبح التاريخ وسيلة تعليمية، ويجعلك تخمن إلى أين ستصل الأمور، فضلًا عن أنها تمثل إطارًا جذابًا جدًا لطرح الأحداث التاريخية.
لا يملك كل الأشخاص القراءة الجادة فى كتب التاريخ وهنا تمنحهم الروايات وسيلة لرى عطشهم تجاه هذا الأمر، وفى نفس الوقت يعايشون أحداثًا درامية تشجعهم على الإكمال وأعتقد أن هذا هو السبب الرئيسى.
حرفية الكتابة التاريخية تختلف، فهى تحتاج لجهد بحثى، وعلى الكاتب أن يلم بالحقبة التى يتحدث عنها، من مناحٍ عدة مثل الألفاظ والزى والكلام وكل شىء متعلق بهذه الحقبة فضلا عن أن الرواية التاريخية مختلفة فى سردها عن الرواية الاجتماعية والواقعية، الرواية التاريخية تحمل معنى أكبر ويجب أن تحمل قصة درامية مشوقة حتى لا يمل القارئ، ويشعر أنه يقرأ فى كتاب عادى.
■ فى «أوراق شمعون» كانت القصة عن الولد الذى ولد لأم مصرية ويحكى فى أوراقه ومذكراته عن تيه بنى إسرائيل، والحكى هنا بضمير الأنا وبرؤية شمعون المتحكم فى الأمر.. وفى «عهد دميانة» كان الراوى العليم هو المتسيد ومنح الرواية نطاقًا عرضيًا؛ ليكشف تفاصيل كثيرة عن آخر أيام الفاطميين، وكل هذا يؤكد أن أسامة عبدالرءوف الشاذلى يملك مشروعًا تاريخيًا مسبقًا.. ما هى حدود هذا المشروع؟
- بالضبط كما قلت، أنا بالفعل لدى مشروع روائى للكتابة وهو يحتوى على ٣ عناوين رئيسية، الأول هو السؤال عن فكرة الدين ووحدة الأديان والأصل الواحد للأديان وتفنيد وطرح قضايا حساسة أدت إلى الصراع ووضع اليد على جذورها، ومنها مشاكل الصراع العربى الإسرائيلى منذ قديم الازل، فكيف بدأ وكيف كانت هذه الشخصية اليهودية وكيف تكونت الشخصية اليهودية فى مهدها الأول، وما هى العوامل التى أثرت فيها وهذا كان واضحًا من خلال شمعون المصرى الذى رأى هذا الاختلاف بينه وبين بنى إسرائيل، وربما كان السبب فى هذا الاختلاف هو احتواؤه على جينات مصرية لأم مصرية، التى جعلته يرى الصورة أرحب من بنى إسرائيل المتذمرين والمتزمتين والمتعصبين طوال الوقت، وهنا يحاول الولد أن يسأل أسئلة خارج النطاق عن حكمة القدر ولماذا يقسوا الله علينا ولماذا حكم علينا بالتيه، الكثير من الأسئلة الفلسفية، أهمها فى رأيى كان السؤال عن ماهية الأرض المقدسة ومتى تتقدس الأرض، وما المقصود بالأرض المقدسة، وما حقيقة الوعد من الله لبنى إسرائيل، هل لأنها كما يقولون إنها وعد الله لهم بأن يحكموها ويعيشوا فيها بأمان وينشروا دينهم بين الناس، كل هذه القضايا طرحتها فى «شمعون».
أما «دميانة» فكان السؤال عن فكرة الهوية وهى كلمة مطاطة جدًا، فحين نسأل شخصًا ما، ما هى هويتك فسيتردد قليلًا وماذا الذى سيقوله، هل سيقول أنا مصرى أم أنا عربى أم أنا مسلم، هناك حيرة فى السؤال عن الهوية، وحين ندقق فى الانتماءات سنجد أننا ننتمى لعدد لا نهائى من الانتماءات، تجعل الإنسان شخصية متفردة غير قابلة للتكرار، كل منا يحتوى على انتماءات مختلفة ولكن العوامل المشتركة تجمعنا، مثل الأرض والدين والعروبة وهناك عوامل مشتركة صغيرة مثل تشجيع ناد معين وحب الصيف وبعض الأكلات مثلًا، ولكن أهم بوتقة تجمع جميع الانتماءات هى بوتقة البشرية، كوننا إنسانًا ونحيا على نفس الأرض، هذه الانتماءات مهما كانت لا نهائية لكن لها حد هو أننا بشر ونحيا كبشر وهذا هو العصب الذى يربطنا، أما باقى الأشياء فهى مكملة، وبغض النظر عن كل انتماءاتنا الأساسية فنحن بشر، أما فى السماء فننتمى لخالق الكون وكانت هذه فكرة يوسف بن صدقة، حين قال لدميانة «سأخبركم بما وصلت إليه ولم أدركه، وبما وصلت إليه وأدركته، أدركت جوهرى وإن جوهر الإنسان لا يحده وطن ولا دين ولا مذهب فحدوده كون يحيط به ومنتهاه لخالق أبدعه وأنشاه واختار له الأرض موطنًا فقبل الحدود كانت الأرض وقبل التقسيمات كان الإله الخالق، وقبل العائلات كلنا لآدم وكلنا بشر».
فى رواية «عهد دميانة» كان هناك مشهد بينها وأمها «وسن» أثناء الخبيز وأوردت فيه مشهدًا يشبه خبيز الأمهات بشكله المعاصر، وفى مشهد آخر فى نهاية الرواية قلت إنهم يبحثون عن كنوز الفراعين تمامًا كما يحدث الآن أيضًا، هل تريد أن تثبت أن الهم الحالى متجذر منذ القدم؟
همومنا المادية والاجتماعية والجغرافية والشخصية متكررة والإنسان يعيد نفسه مهما تطور، وهو سجين سجنه الجينى الذى يجعله يتحرك فى حدود متكررة وأخطاؤه متكررة وهمومه متكررة ولا زال السؤال عن الهوية قائمًا، والصراع على السطلة قائمًا، ما زالت هناك تحزبات وتعصبات وحروب تهلك فيها الناس بسبب أصحاب المصالح وكلها أمور متكررة، هذه المشاكل متكررة منذ قديم الأزل.
■ فى «عهد دميانة» و«شمعون المصرى» هناك خط صوفى خفى بدأ منذ التصدير فى «دميانة».. ما هى حدود تدخلات «الشاذلى» الصوفية فى الرواية؟
- هذا صحيح، ولكنى لست تابعًا لطريقة صوفية معينة رغم أن اسمى «الشاذلى» ورغم أن زوجتى من الأشراف وهى تحمل وثيقة بذلك، ولكنى أرى فى الصوفية مدخلًا لحب الله، وهذا المدخل أنا أحبه، فأنا أرى أن الدين يقوم على أشياء أهمها هو الخوف والرجاء ولكن هناك بعض قصار العقول الذى يعظمون الخوف ويغلقون باب الرجاء، ميزة الصوفية وحب الله أنه يفتح باب الرجاء، والصوفية ليست فكرة دينية إسلامية فحسب ولكن سبقها فى المسيحية الرهبنة، وهى تقابل الصوفية وهى الانعزال والتفرغ لله سبحانه، ولكن الصوفية تختلف أن انعزالها أقل والرؤية والمحبة بين الناس والتعاون أكبر، قد اختلف عن الصوفية فى الشطحات والكرامات والتسامح لأنها تخرج الفكرة عن مضمونها وهى ممارسات خاطئة تخرج وتحدث فى أى مذهب، كل أصحاب المذاهب يبدأون بفكرة جيدة والتابعون يغيرون منها من أجل مصالح، فأنا أحب الأفكار الأساسية فى الصوفية المتمثلة فى حب الله وفتح باب الرجاء، وأن تحب الله مهم جدًا وأن تعبده لأنه يستحق أن يعبد، فيجب أن نحبه، هذه كانت المسحة الصوفية فى الشيخ عابد الذى أفهم شمعون كيف أننا يجب أن نعبد الله بصورة مغايرة، فقال له شمعون مثلًا: «ألا تخشى إلهك»، فقال له: «أخشاه خشية العبد أن يغضب سيده، وأخشاه خشية المحب أن يغضب حبيبه، وإن كانت العبودية بين عبد وسيد سيظل الخوف هو الرابط الوحيد فى العلاقة، ولكن إذا كانت العلاقة بين المحب وحبيبه فسيكون الحب هو الرابط».
■ تقنية الأوراق ليست جديدة فقد كتب بها جمال الغيطانى «أوراق شاب عاش منذ ألف عام» وكتب بها يوسف زيدان روايته «عزازيل» واستبدل الورق بالرقوق، فكيف ترى استخدامك لهذه التقنية فى «شمعون المصرى»؟
- التقنية هو السرد الخطى وهى شخصية واحدة ونسير فى زمن خطى متصل وتحكى بتتابع وتسلسل، وهذا الاختيار كان مناسبًا لاختيار شمعون راويًا للأحداث، وكان اختياره لأنه يتيح لى إبداء رأيى دون مآخذ، أنا أتعامل مع قصة شديدة الحساسية، قصة دينية وتاريخية تقدسها الديانات الثلاث وليس مستحبًا لى- وإن كان يجوز لى فى عالم الرواية- ولكنى كأسامة الشاذلى أتحرج أن أتناول الشخصيات الدينية بصيغة الراوى العليم، وأترك هذا الأمر لشخص آخر كأنما عايش الأحداث وهذا أقل جرحًا للقارئ وأقل عند الاسترسال فى الكتابة فلو قلت إن «موسى» قد دخل وربت على كتف زوجته فربما يكون محرجًا للقارئ الذى يرى أن سيدنا موسى شخصية مقدسة، وربما ينفصل عن الاسترسال، ولكن حين يقرأ على لسان راوى فسيتقبلها لدرجة أن بعض الناس ظنوا أن شمعون شخصية حقيقية.
■ تركت فى نهاية الرواية الشخوص والخرائط وأسماء الأماكن.. هل تريد أن تقول للقارئ هذه حدود تدخلاتك فى التاريخ؟
- نعم.. أنا لا أريد أن أدخل فى معارك فكرية مع القارئ، أنا أريد أن أصل إليه بأفكار واضحة دون أى لبس أو صراعات، ولهذا تقبلها القارئ رغم أن الرواية حساسة بسبب جرأة أفكارها واحتوائها على أفكار قوية تتعلق بالأرض المقدسة وأصل الأديان، والحديث عن اليهود يحمل حساسية، لكن تقبلوها بقبول حسن وعرفوا أن الفكر المقدم ليس هدفه «الفرقعة».
■ هناك أطباء كتبوا فى الرواية مثل الدكتور يوسف إدريس والدكتور إبراهيم ناجى والدكتور محمد كامل حسين، وغيرهم.. والبعض شبه كتابة الطبيب بأنها عملية جراحية بها الكثير من التفاصيل الدقيقة والتفكير القوى قبل الإقدام، وفكرة من أين أبدأ حتى إن كل غرزة فى العملية تشبه خطًا فى الحبكة.. كيف ترى هذا؟
- نعم أنا معك تمامًا، الطب والأدب يجتمعان فى كثير من الكتاب كما قلت، وأجد تشابهًا بينى وبين الدكتور محمد كامل حسين، فقد كان أستاذًا لجراحة العظام أيضًا مثلى تمامًا، وهو صاحب العمل البديع «قرية ظالمة» التى تتحدث عن المسيح وتستند لوقائع دينية، وهو قدوة فى هذا المجال.
الطب يحتوى على عوامل مشتركة بينه وبين الأدب أهمها أن الطب هو علم يعتمد على القراءة، والكتابة أيضًا، فلا يوجد كاتب غير قارئ ولا يمكن أن يكون هناك طبيب ناجح بغير قراءة، فشخصية الطبيب مستعدة للقراءة بطبيعتها، وإن الطب مهنة تواصل والطبيب الجيد هو الذى يتواصل جيدًا مع مرضاه، بغض النظر عن علمه، فقد يكون هناك طبيب عالم ولا يعرف مهارة التواصل بشكل جيد، فلا يشعر المريض بالراحة وكما يقولون نصف العلاج فى المقابلة والحديث والراحة مع الطبيب، والكتابة هى مهنة تواصل أيضًا، والكاتب الجيد هو الذى يتواصل جيدًا مع القارئ، والكاتب الجيد لا يتقعر على القارئ ولا يتعالى عليه بكتاباته، ولا يتعالى بمفرداته ولغته، الكاتب الجيد هو الذى يستطيع إيصال فكرته بصورة واضحة دون تقعر وغموض وغرائبية واستعراض لمهارات الكتابة، وإذا وصلت الأفكار بصورة واضحة يكون كاتبًا جيدًا.
أنا جراح وتخصصى فى مجال التشوهات، وهناك فن فى هذا الأمر، وهى من العوامل المشتركة أيضًا، إذًا فالرواية عملية جراحية كما قلت.
■ فى «أوراق شمعون المصرى» استندت لبعض التفاصيل التوراتية وكان هذا سببًا فى جعل اللغة تتشكل لتناسب هذا العالم على عكس «عهد دميانة» التى كانت فيها اللغة أكثر رقة وشاعرية، كيف يستخدم أسامة الشاذلى اللغة فى أعماله؟
- اللغة شىء مهم وحصيلة الكاتب اللغوية هى رأس ماله، ولا توجد رواية جيدة دون لغة، اللغة وعاء العمل الروائى وإن كان الوعاء هشًا أصبح العمل هشًا، اللغة يجب أن تكون جيدة وتحتوى على محسنات ومرادفات ومفردات كثيرة مهمة لأننا أمام نص أدبى ونحن لا نكتب تقارير، اللغة رأس مال الكاتب التى يجب أن يهتم بها عن طريق قراءاته وتنويع مفرداته، وكل هذا يرفع من مستوى اللغة، واللغة المستخدمة يجب أن تناسب العمل فحين أتحدث عن قصة دينية وردت فى القرآن والتوراة وأتناولها بلغة سطحية معاصرة أو لغة غير ملائمة لهذا العصر أو كما وردت فى القرآن فسيشعر القارئ بالركاكة، وهناك فيلم المهاجر مثلًا وهو من أفضل الأفلام، ولكن من أكثر عيوب الفيلم لغته، لغة ركيكة عامية لا تتناسب مع الصورة الذهنية عن قصة يوسف فى القرآن الكريم، مراعاة اللغة شىء مهم.
فى «دميانة» كان لا بد للغة أن تواكب العصر الفاطمى، فبعد أن اختفت اللغة القبطية وظهرت العامية وراحت تتشكل، وأصبح المصريون أمام لغة معبرة عربية وهى اللهجة العربية الفاطمية وهى اللهجة التى نتحدث بها الآن، هذه اللغة يجب أن تلائم العصر بمفرداته بطريقتهم بالخلط بين القبطية والعربية والمصرية القديمة، يجب أن تكون اللغة ملائمة لسياق الأحداث من ناحية الشاعرية وعذوبة الألفاظ وكل هذه الألفاظ.
■ فى «عهد دميانة» كان هناك موال وقصائد شعرية تناسب الحالة، وكان واضحًا أن هذا شعر أسامة الشاذلى.. فكيف ترى الشعر؟ وما مدى أهمية قراءة الكاتب له؟
- الشعر مهم جدًا ولا يوجد من يهتم بالأدب لا يقرأ الشعر، وأعتقد أن الغالبية العظمى من الكتاب الذين يهتمون بالأدب يقرأون الشعر وهو شىء ممتع ويلامس الشعور جدًا، وفى عهد دميانة ألفت الشعر بالفعل والحقيقة أن هذا حدث لأول مرة، أنا لا أكتبه ولكنى أستمتع به وكتبت موالًا، وكتبت قصيدة شعرية عمودية، وكتبت أغنية شعبية، وكتبت الزجل.
ومن ضمن ما كتبت على لسان شخصية «يوستينا» فى رواية «عهد دميانة»..
يا سيدى اعذر فى الهوى قلبي
فما حيلتى بين الهجر والذنب
أحلال من تعاف النفس معشره
وحرام من ينير بوصله دربى
فإن كان ترك الذنب مكرمة
فكرمك حل الإثم عن ذنبى
■ كان واضحًا أن كل رواية هى عبارة عن خطة يضعها أسامة الشاذلى.. كيف تحضر للرواية منذ كونها فكرة؟
أنا دائمًا يشغلنى سؤال ويكون المدخل الذى أحاول أن أجيب عنه فى الرواية، شغلنى سؤال ماهية الدين فى «شمعون» وماهية الهوية فى «دميانة»، وفى العمل المقبل ماهية الحضارة والعلاقة بين العلم والحضارة، وهذا السؤال الثالث فى الرواية الثالثة، ثم أجرى منهجية للرواية من خلال «التايم لاين» الذى سأعمل عليه والفترة الزمنية وتتابع الأحداث من الناحية التاريخية، ثم الشخصيات التى سأرسمها ثم أصيغ المشاهد أو الحبكة كما لو أننى أكتب معالجة مختصرة ثم أبدأ فى العمل، بالطبع الالتزام بهذه الأمور يكون مختلفًا فى نهاية الرواية لأن سياق الأحداث يجعلك تغير كثيرًا، فقد تختلف النهاية وتتابع الأحداث ولكن مهم أن تضع خطتك وبعدها تطلق العنان لمشاعرك ولأفكارك وأنت تكتب.
■ حين ينتهى القارئ من أعمالك يجد أن هناك همًا شخصيًا وهمًا عامًا وهو هم الإنسانية نفسها، وما يرد على ألسنة الشخوص من أننا أبناء عالم واحد يجمعنا مشترك الإنسانية نفسها وبالتالى فما الداعى للحروب والخصومات وغيرها؟
- بالتأكيد طبعًا، الأرض هى الوطن والإنسان هو الأخ فى أى مكان بغض النظر عن دينه وعرقه وهذا الهم أنا محمل به وأنا محمل بالهم العام وأسئلة شمعون هى أسئلتى وأبحث لها عن إجابة وقراءاتى واحتكاكى بالناس، ومنهم أبى رحمة الله عليه، لهم الفضل فى الوصول لبعض الإجابات التى كانت تشغل عقلى وعقول كل المراهقين فى ذلك الوقت، هذه الأسئلة ثم قياسها على الهم العام الذى نعيش فيه، والهم الذى يشغلنى هو عيش البشر دون تشاحن لأن الإنسانية هى الرابط بيننا.
■ قلت كثيرًا إنك كنت تحب الآثار.. هل كانت الرواية هنا معادلًا موضوعيًا لما لم تتمكن من تحقيقه وهو دخول كلية الآثار؟
- أنا أحب التاريخ جدًا وحينما نجحت فى الثانوية قلت لوالدى: «سأدخل كلية الآثار» فقال لى: «إن الآثار هواية رائعة، ولكن اختر الطب»، ولأننى كنت متفوقًا فى العلوم العلمية فاخترت الطب دون أى ضغوط من الأسرة، حقيقى أن الأمر عطلنى عن ممارسة هوايتى فى المجال الأدبى، وتسبب فى ظهورى متأخرًا، ولكنى أحب الطب وأحب تخصصى فى جراحة العظام وأحب تخصصى داخل جراحة العظام فى القدم والكاحل وأعتقد أن مهنة الطب لا تعادلها مهنة وأنا محظوظ أننى جمعت بين الطب والأدب، وإن كان همى هو الإنسان فالطب معالجة للجسد والأدب معالجة للروح، ومن هنا بالفعل كان الجنوح لكتابة الرواية رغبة قديمة جدًا.
■ كتبت كثيرًا لكنك لم تنشر ما كتبته فى حينه.. لماذا؟
- هذه نقطة مهمة، الكتابة مسئولية ويجب على الكاتب أن يقرر حينما يطرح أفكاره أنه يجب أن يكون لديه ما يقوله، النشر ليس للفضفضة أو كتابة أحاسيس شخصية وإنما يكون جادًا ويثير الفكر والعاطفة، وليس دردشة أو ملء ورق بالكلمات.
أنا بدأت الكتابة منذ فترة طويلة وهناك مجموعات قصصية وروايات ولكننى اعتبرها تمارين للكتابة وحتى إذا طبعها لا أوزعها إلا لمعارفى يقرأونها ويقولون رأيهم.
على سبيل المثال أول رواية كتبتها كانت «ست الملك والحاكم بأمر بالله»، طبعتها فى مطبعة خاصة، ووزعت ٤٠٠ نسخة لأصدقائى، إلى أن جاءت «أوراق شمعون المصرى» فرأيتها تستحق النشر بصورة جيدة.
والكثير تم نشره وكانت هناك مجموعة قصصية فى ٢٠١١، وكان هناك كتاب فى ٢٠١٠، وكل شىء بأوان بالتأكيد.
■ منذ ثلاث سنوات خرجت «أوراق شمعون»، والعام الماضى خرجت «عهد دميانة».. هل هذا السياق يشير إلى أنه ليس هناك عمل أدبى هذا العام؟
- هذا صحيح، سأطرح روايتى الجديدة العام المقبل.
■ ماذا عن معرض الكتاب وكيف تراه وما الذى تتمناه له ككاتب؟
- معرض الكتاب تطور بشكل ملحوظ جدًا فى السنوات الأخيرة، يجب أن أعترف أن المكان الجديد أتاح فرصة أكبر لأن يكون بصورة لائقة رغم انه أضيق قليلًا، ورغم بعد المسافة ورغم عدم وجود جراج لركن السيارات بسهولة، ولكنه أتاح فرصة أن الكتب تعرض بصورة جيدة وأنا سعيد به جدًا، وإن الإصدارات فى تزايد وتنوع ورغم الأزمة الاقتصادية، هناك العديد من الإصدارات وهناك حركة ترجمة، وهناك اهتمام بالكتب التاريخية والتراجم والسير، ودور النشر تتزايد وتتنافس وهذا مهم جدًا للحركة الثقافية، وما أتمناه هو عودة الندوات بصورة أكثر جودة لأن معظم الندوات منفصلة بعض الشىء عن الوسط الثقافى، وأعتقد أنها تحتاج بعضًا من الانفتاح فى الأفكار، وألا تكون محددة فى أمور بسيطة.