اعتراف إسرائيل بالفشل.. مقابل إطلاق رهائنها
كانت التوقعات التي صنعتها حكومتنا المُدمِرة، فيما يتعلق بأهداف الحرب، لا أساس لها وغير واقعية وغير قابلة للتحقيق منذ البداية.. قام نتنياهو بإخراجها بوجه شديد الإحمرار، وعيناه ترتجفان، ويدان تتحركان بوتيرة مسرحية.. يقول إيهود أولمرت، رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، في مقال نشره بصحيفة (هآرتس) العبرية، (إنه، بعد وقت قصير من امتصاص الصدمة الأولية في السابع من أكتوبر، بدا نتنياهو وكأنه رجل انقلب عالمه.. تم الإعلان عن أهداف الحرب لأسباب مُخزية.. بالطبع، كلنا نريد القضاء على حماس، ولا يوجد بيننا شخص ذكي لا يرغب في اختفائها، وحتى في لحظات الغضب والأزمات، يتخيل غزة ككومة من الأنقاض.. لو كان نتنياهو واعيًا تمامًا عندما أصدر هذا الالتزام المُتبجح لأول مرة، أو عندما كرره في كل مؤتمر من مؤتمراته الصحفية البشعة، لكان يجب أن يعرف أنه لا توجد إمكانية لتحقيقه.. للأسف، منذ البداية لم ينخرط نتنياهو في حرب من أجل مواطني إسرائيل، بل في حربه الخاصة.. حربه وعائلته الخاصة والشخصية والسياسية.. إن صياغة الهدف على أنه تدمير حماس، يمهد الطريق لإلقاء اللوم على جميع المستويات دون نتنياهو، لعدم تحقيقه).
وخلافًا لما قد يعتقده المرء من بعض التقارير الإعلامية، لا يوجد حتى الآن اقتراح ملموس على الطاولة، لصفقة أخرى لتحرير الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس.. حتى الآن، هناك مجرد أفكار طرحها الوسطاء القطريون والمصريون، بدعم أمريكي.. يقول الكاتب الإسرائيلي، عاموس هاريل، بنفس الصحيفة، إنه هناك فهم لما تطلبه قيادة حماس، التي تختبئ في أنفاقها تحت الأرض في قطاع غزة.. تم التوصل إلى أول صفقة رهائن، أطلقت سراح مائة وعشرة نساء وأطفال إسرائيليين بالإضافة إلى رعايا أجانب، أواخر نوفمبر الماضي، واعتبرت إسرائيل الاتفاق، الذي دفعت فيه حماس ثمنًا قليلًا نسبيًا ـ ثلاثة أسرى فلسطينيين مقابل كل إسرائيلي ـ نابعًا من ضغوط عسكرية شديدة على المنظمة، جعلتها تسعى إلى وقف إطلاق نار طويل.. ويبدو أن يحيى السنوار، زعيم حماس في غزة، كان لديه سبب آخر. لقد أصبح عشرات الرهائن من النساء والأطفال عبئًا عليه، ولأنه لم يشأ أن تبدو حماس، في نظر المجتمع الدولي، على قدم المساواة مع داعش. وبالطبع، لا يزال لديه الكثير من أوراق المساومة المتبقية حتى بعد إطلاق سراحهم.
ويبدو أن مطالب حماس في الجولة الحالية من المحادثات أعلى بما لا يقاس. وهذا ليس فقط لأنها تطالب بصيغة (الكل مقابل الكل)، إطلاق سراح جميع الرهائن مقابل جميع السجناء الفلسطينيين المحتجزين في إسرائيل، بما في ذلك القادة القدامى، وحتى البعض من قوة النخبة التابعة لحماس، الذين شاركوا في عملية السابع من أكتوبر، وتم أسرهم لاحقًا.. تسعى حماس أيضًا إلى الحصول على أمرين آخرين، مرتبطين ببعضهما البعض، وقف إطلاق نار طويل، والتزام بعدم تعرض قادتها للملاحقة من قبل إسرائيل.. هذه التزامات سيكون من الصعب إنفاذها بمرور الوقت.. ومع ذلك، فإن موافقة إسرائيل على مثل هذه الصفقة تعني نهاية الحرب في شكلها الحالي.. علاوة على ذلك، سيشكل ذلك اعترافًا من الحكومة والجيش بأنهما فشلا مرتين، في بداية الحرب، وفي تحقيق الأهداف الطموحة التي حدداها لنفسيهما بعد بدايتها، وهي هزيمة حماس وتفكيك قدراتها.
ويختلف بعض كبار المسئولين الحكوميين والعسكريين حول أن إسرائيل ليس لديها خيار، لأن هذه الأهداف تتعارض مع هدف إطلاق سراح جميع الرهائن، وهذا الهدف هو الوحيد الذي يمكن تحقيقه حقًا في الوقت الحالي.. من وجهة نظرهم، فإن الفشل الذريع للدولة في السابع من أكتوبر، الذي ترك العائلات في المستوطنات المجاورة لغزة ورواد الحفلات في مهرجان (نوفا) عرضة للقتل والأسر، يلزمنا أخلاقيًا بإطلاق سراحهم، حتى على حساب الاعتراف بالفشل، وهو ما يعني عمليًا قبول انتصار حماس في الحرب.. وبالنسبة لحماس، لم يعد الهدف تهدئة مؤقتة، بل البدء في طريق ينتهي بوقف إطلاق النار، الذي يضمن بقاء حكمها ويحمي كبار مسئوليها من الملاحقة.
سيجد رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، صعوبة بالغة في قبول مثل هذه الصفقة.. أولًا، لأنه إلى جانب الاعتراف بالفشل في الحرب، فإنه هذا سينطوي على تنازل غير مسبوق فيما يتعلق بتحرير الرهائن الفلسطينيين في سجون إسرائيل.. ثانيًا، لأنه من شبه المؤكد أن هذا سيؤدي إلى انهيار ائتلافه الحاكم، بسبب رحيل شريكيه المتطرفين، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وأحزابهما.. في الوقت الحالي، يتجنب نتنياهو اتخاذ قرار ويلعب على الوقت.. من ناحية، كل يوم أو يومين ينثر وعودًا فارغة حول استمرار الحرب حتى النصر.. ومن ناحية أخرى، يرسل إجابات غامضة إلى حماس عبر الوسطاء، مما يخلق مظهرًا للمفاوضات دون إحراز تقدم حقيقي نحو التوصل إلى اتفاق.
في الأسبوع الماضي، حققت عائلات الرهائن شيئًا مهما لذويهم.. اتفاق، من خلال الوساطة القطرية، لإرسال الأدوية التي يحتاجونها، على الرغم من عدم وجود أي معلومات حتى الآن حول كيفية معرفة أن هذا قد تم بالفعل.. سارع نتنياهو إلى الإعلان أنه (أمر) مدير الموساد، ديفيد برنياع، بالتوصل إلى الصفقة.. لكن من الناحية العملية، لا يبدو أن هذا يفعل أي شيء لدفع عودة الرهائن إلى ديارهم.. وخلال الأيام القليلة الماضية، تم إحياء الحملة العامة لإطلاق سراح الرهائن، سواء في إسرائيل أو في الخارج. ويبدو أن هذا ينبع من إدراك أن الرهائن ليس لديهم وقت، خصوصًا وقد أعلن الجيش الإسرائيلي بالفعل عن مقتل عشرين من أصل 136 من هؤلاء الرهائن، استنادًا إلى معلومات استخباراتية وأحيانًا أدلة جنائية.. وتوضح الأوصاف التي أدلى بها الرهائن المفرج عنهم، أنه بالنظر إلى الوقت الذي انقضى، والظروف الصعبة التي يُحتجز فيها الرهائن المتبقون وقتل آسريهم، فإن حياتهم معرضة لخطر داهم.
يبدو أن هذا هو سبب التغيير في الرأي العام، الذي كشفت عنه عدة استطلاعات خلال الأسبوع الماضي.. هذه الاستطلاعات ترجح أن مؤيدي الصفقة، حتى على حساب (الكل مقابل الكل)، يفوق عدد المعارضين قليلًا.. ويبدو من غير المرجح أن يغير ذلك رأي نتنياهو.. لكن المعضلة ستصل قريبًا إلى عتبة شريكيه المؤقتين في الحكومة وحكومة الحرب، الوزيرين بيني جانتس وجادي آيزنكوت.. ويحسب لكليهما ـ أكثر بكثير من نتنياهو، الذي ضلل الجمهور مرة أخرى حول هذه القضية في مؤتمره الصحفي ليلة السبت الماضي ـ أنهما على اتصال منتظم مع عائلات الرهائن، ولا يخشون الانتقادات الموجهة إليهم. لكن هذا لن يكون كافيًا.. وفي وقت قريب، وربما حتى في الأسابيع القليلة المقبلة، قد يتعين على الاثنين أن يقررا ما إذا كانا سيسحبان حزب الوحدة الوطنية من الائتلاف، على الرغم من الخطر الواضح، المتمثل في أن هذا من شأنه أن يزيد من تأثير اليمين المتطرف على قرارات الحكومة.. هذه مخاطرة، لكن على جانتس وآيزنكوت أن يسألا نفسيهما، ما إذا كانت استراتيجيتهما في التمسك بنتنياهو قد استنفدت نفسها، وما إذا كانت لا تسمح له بالبقاء، على الرغم من حقيقة أنه لا يعزز حقًا أهداف الحرب.
الإدارة الأمريكية مُحقة.. الحرب في غزة، إلى حد كبير، عالقة.. ويمكن العثور على دليل على ذلك في البيانات الصحفية اليومية التي تُلخص أحداث وحوادث اليوم السابق، التي يرسلها الناطق باسم جيش الدفاع الإسرائيلي إلى جميع الصحف.. وتنطوي معظم هذه الحوادث على غارات جوية تقتل مقاتلين، بعد أن رصدتهم القوات البرية. ويتراوح عدد هؤلاء الذين يقتلون عموما بين عشرة وعشرين مقاتلًا في اليوم. ويتضمن الموجز أيضًا تقارير عن الأنفاق والأسلحة المُدمرة واكتشاف مرافق إنتاج أسلحة حماس.. هذا، إلى حد ما، هو ما يحققه القتال الآن. ومن الصعب النظر إلى هذا على أنه انتصار.. لأن التقدم على جميع الجبهات في وسط وجنوب غزة بطيء، ولا يتوقع أن يغير وجه الحرب في أي وقت قريب، ناهيك عن سحب ثلاث فرق من هذه المناطق.
■■ وبعد..
فإن إسرائيل تمتنع، في الوقت الراهن، حتى عن اتخاذ قرار بشأن عملية في رفح، على الرغم من خوفها من أنه من دون التعامل مع الأنفاق هناك، ستجد حماس أنه من السهل إعادة الاتصال بإمداداتها من الأسلحة وإعادة بناء قدراتها العسكرية، تحسبًا لرد الفعل المصري من أية عمليات تجري على الحدود مع مصر، وتحذير الدولة المصرية الدائم، بضرورة إمتناع إسرائيل عن الإقدام على هذه الخطوة.. والحالة على الحدود الشمالية لإسرائيل لم تعد مشجعة.. ومع أن الجيش الإسرائيلي يدعي أنه يحقق نجاحات تكتيكية ضد حزب الله، فإنه لم يطرأ أي تغيير على الوضع الاستراتيجي على طول الحدود، ولا يوجد حل دبلوماسي يلوح في الأفق، يسمح لسكان شمال إسرائيل بالعودة إلى منازلهم.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.