بطريرك الكاثوليك: ندعو الله فى هذا العيد أن يجرد العالم من الحرب
هنأ الأنبا إبراهيم إسحق، بطريرك الكنيسة الكاثوليكية الكاثوليك بعيدهم قائلاً: "أهنئ أبناءنا الأعزّاء القمامصة والقسوس الرهبان والراه أبناء الكنيسة القبطيّة الكاثوليكيّة في مصر وبلاد المهجر؛ النعمة والسلام في ربّنا يسوع المسيح، مولود بيت لحم."ستجدون طفلًا ملفوفًا مضجعًا في مذود".
وقال في رسالته الرعوية بقداس عيد الميلاد المجيد:نحتفل اليوم بعيد الميلاد المجيد، ميلاد ربّنا يسوع المسيح، كلمة الله الذي تجسّد وصار بشرًا وعاش بيننا. أتينا في هذا المساء المبارك لنجدّد إيماننا بالمحبّة ونرفع صلواتنا من أجل وقف الحرب والدمار وتخفيف آلام ضحاياها ونشر الأمل في بناء السلام".
وجاءت نص الرسالة: "عندما نتأمّل مشهد عيد الميلاد، نحن مدعوون للانطلاق في الرحلة روحيّة، منجذبين إلى تواضع ذاك الذي صار إنسانًا للقاء كلّ إنسان. ونكتشف أنّه يحبّنا لدرجة أنّه يتّحد بنا، حتى نتمكّن نحن أيضًا من الاتّحاد به."
وتابع خلالها قائلا:"أوّلًا: الغنيّ الذي افتقر
"وُلد لكم اليوم مخلّص في مدينة داود وهو المسيح الربّ، وإليكم هذه العلامة:ستجدون طفلًا ملفوفًا مضجعًا في مذود؛علامة حضور المخلّص هي علامة بسيطة جدًّا "طفل في مذود" يأتينا أعزل دون سلاح، يأتي إلينا بكلّ تواضع ووداعة. الله يفاجئنا بحضوره الرائع والمحبّ في وقت لا ننتظره فيه، وفي وجه لا نتوقعه ولا يمكن تخيّله، وفي مكان لا نجرؤ على دخوله. وُلد يسوع وسط الليل طفلا في مذود وحتى اليوم وكلّ يوم سيبقى عمانوئيل أيّ الله معنا. ووداعة المسيح هذه ليست ضعفًا ولا سلبيّة ولكنّها تجرّد حرّ."
أضاف:"في عيد الميلاد يدعونا الربّ أن نتمثّل به. وأسلوبه هو لا يُعلن عن ذاته بوسائل القوة البشريّة ولا غنى العالم وإنّما بالحضور والتخلّي. فإنّ مجد الله وعظمته يتجلّى في تنازله وتخلّيه. هذا هو أسلوب يسوع المسيح الذي به خلّص العالم، وهكذا يواصل الله خلاص العالم. فيسوع المسيح يتخلّى فيتجلّى في الأسرار، في الكلمة المقدّسة، في شركة المؤمنين ليأخذ ضعفاتنا وخطايانا مانحًا إيّانا حبّ الله ورحمته اللا متناهية"؛مشيرا إلى أن فقر المسيح هو أعظم من كلّ غنى عالمي. ولكنّ غنى الله هذا لا يمكن أبدًا أن يمرّ من خلال أشخاص مملوئين من ذواتهم، متكبّرين، وإنّما دومًا وفقط من خلال أشخاص عرفوا كيف يتجرّدون ويتخلّون بحريّة على المستوى الشخصيّ والجماعيّ، يحركهم روح المسيح."
وتابع: "نحن عـلى مـثال مـعلمنا، مدعوين أن نـقتدي بمن خـلّصنا آتـيًا إلينا وشـاركـنا حياتنا "أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له". أخذ طبيعتنا البشريّة ليرفعها ويشركنا في حياته الإلهيّة. يدعونا المسيح إلـي مـشاركـته والـتمثّل بـه فـي فـقره المُغْني، أن نشاركه روح البنوّة ونـصیر به ومعه أولاد الله؛مضيفا أن الفقير الذي يُغْني عنه يقول بولس الرسول مخاطبًا أهل كورنثوس:"أنتم تعلمون جود ربّنا يسوع المسيح، فقد افتقر لأجلكموهو الغنيّ لتغتنوا بفقره." (2 كور 8: 9)
وقال:"الله الغنى، افتقر من أجلنا لكي بفقره يغنينا. اقترب من خليقته، ويدعونا أن نكون مشابهين له. ما سبب هذا التخلّي؛هو الحبّ الإلهي الذي يرغب في التقرّب ولا يتردّد في أن يعطي ذاته ويبذلها من أجل أحبائه. والــمحبّة تــقوم فــي الــحضور ومــشاركــة الــمحبوب. فــالــحبّ الحقيقيّ یھــدم الأســوار والحواجز ویلغي المسافات ویبني الجسور."مضيفا أن الھـدف مـن ھـذا التخـلّي لـیس الـفقر فـي حـد ذاتـه. وإنّـما كـما یـقول بـولـس الرسول: "لكي تغتنوا أنتم بفقره". لیس الأمر تلاعبًا بالكلمات، ولكنّه منطق الله المحبّة، منطق العطاء والبذل؛ما ھو ھذا الفقر الذي یُغني؟ ھو حبّه لنا وقربه منّا. تمّ هذا كلّه في تجسّد كلمة الله. فالله قريب من البسطاء والصغار والضعاف لأنّهم قادرون أن يروه بعيون قلوبهم فيملأهم فرحًا ورجاء.
وقال بطريرك الكاثوليك إنّ بساطة المسيح ووداعته ليست ضعفًا ولا سلبيّة، ولا يقوم غناه في استخدام الأسلحة البشريّة. فقد قال المسيح لبطرس الرسول أن يعيد السيف إلى غمده. كم من مرّة نأخذ نحن هذا السيف بأيدينا! ربّما ليس بالمعنى المادي للكلمة، فلدينا العديد من الأسلحة التي نستخدمها للدفاع ضدّ الآخرين: الثروة، اللغة، السلطة، أفكارنا، مشاعرنا، وربّما أحيانًا صمتنا السلبيّ.
واختتم كلمته قائلاً:"دعونا نطلب من الله نعمة في هذا العيد أن يجرّدنا من أسلحتنا وأن يجعلنا قادرين على تركها ومستعدين للاستسلام لمحبّته. دعونا نصغي ونتأمّل فنغيّر ونجدّد مواقفنا".
في الختام نرفع صلاتنا من أجل وقف الحرب والدمار والآلام في كلّ مكان. ونوجّه النداء إلى كلّ من يحمل أمانة المسؤولية في العالم إلى التحرّك بعزم لإرساء أسس السلام والعدالة وحماية حياة الناس وحفظ كرامتهم.
نوجّه الشكر إلى كلّ من مدّ يده للتخفيف عن معاناة كلّ المهجرين واللاجئين. وإلى كلّ من ساهم في نشر وتعزيز قيم التسامح وقبول الآخر والاحترام المتبادل والتلاقي والتضامن في إطار من الوحدة والتنوّع لبناء أسس متينة لمجتمع مدنيّ يشرّف بلدنا ويخدم مواطنيه. تـتحوّل أمـانـة المسؤولية إلى رسـالـة تـعبّر عـن مشيئة الله لنا، وعـلینا تـفعیلھا بـفرح لتتحوّل إلى منبع خیر وسلام وازدهارها.