لصوص الأراضى والمساعدات.. «الدستور» تكشف مواقع إسرائيلية وهمية لسرقة تبرعات ضحايا غزة
بعد ساعات من اندلاع العدوان الإسرائيلى الوحشى على قطاع غزة فى أكتوبر الماضى، هبت الشعوب العربية والإسلامية والمتضامنون من جميع أنحاء العالم، لنصرة الضحايا المكلومين فى القطاع، عبر تنظيم حملات لتوفير المساعدات المختلفة لنجدتهم، وتقديم التبرعات العينية والنقدية لإنقاذ المشردين بفعل القصف الهمجى، أو المصابين المحتاجين إلى علاج.
وبينما سخّرت المنظمات الإغاثية والأهلية كل جهودها لتوفير المساعدات، وجدت منظمات وعصابات إجرامية حالة التضامن تلك فرصة للنهب والسرقة، فأطلقت حملات وكيانات وهمية لخداع الراغبين فى التبرع لأهل غزة، والحصول على أموالهم فى ربح إجرامى سريع.
وخلال الشهرين الماضيين، انتشرت إعلانات تلك الحملات والمنظمات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعى بكثافة كبيرة، تحت ستار من الشعارات المروجة والدعاية الزائفة، حول مساعدة ضحايا العدوان فى غزة، ثم ما لبث أن اكتشف عدد من المتبرعين أنهم وقعوا فريسة لعمليات إجرامية لنهب أموالهم.
«الدستور» بحثت فى ملابسات وحقيقة تلك الكيانات، وتتبعت أماكن ظهور بعضها، وكيف تخدع ضحاياها، واستطلعت آراء عدد من المعنيين بأمن المعلومات والمصادر الفلسطينية المطلعة على هذا الملف.
حرب إلكترونية موقع صهيونى يخدع المتبرعين بصور وفيديوهات للضحايا
أشهر كيانات جمع التبرعات، التى انتشرت إعلاناتها مؤخرًا على «السوشيال ميديا»، كان عبارة عن موقع يزعم تبعيته لحركة المقاومة الفلسطينية «حماس»، وهو الموقع الذى تبين فيما بعد أنه مزيف وينهب أموال المتبرعين.
لكن كيف خدع ذلك الموقع ضحاياه؟ الإجابة تكمن فى طريقة الدعاية والترويج، حيث بدأ الموقع إعلاناته بعد أحداث ٧ أكتوبر ومع بداية شهر نوفمبر الماضى، عبر نشر صور وفيديوهات لعملية «طوفان الأقصى»، لإيهام الزوار بأنه تابع للمقاومة.
وبدأ الموقع يطالب زواره بالتبرع لأهالى غزة لإنقاذهم من المحنة التى يعيشونها؛ جراء العدوان الإسرائيلى والقصف الوحشى الذى اندلع بعد عملية «طوفان الأقصى» مباشرة، داعمًا مطالبته بتقارير وتحليلات عن الأوضاع المأساوية فى القطاع. وبعد البحث والتحرى باستخدام أداة «Klaxon»، المتخصصة فى تتبع مواقع «الويب»، ومراحل تطورها، تبين أن هذا الموقع ليست له صلة بحركة حماس، وإنما هو موقع مزيف، أنشئ فى ديسمبر عام ١٩٩٩، وظل خاملًا حتى تم تفعيله مجددًا فى منتصف نوفمبر ٢٠٢٣.
وأظهرت بيانات الشفرة المصدرية أن الموقع مستضاف على خادم «Wix»، وهو خاص بشركة برمجيات إسرائيلية، ليتبين أنه مجرد أداة من أدوات الاحتلال لخداع وسرقة المتبرعين الراغبين فى مساعدة ضحايا غزة، واستخدامها فى تحقيق مصالح إسرائيلية، ضمن مخططات الحرب النفسية والإلكترونية التى يشنها الاحتلال ضد الشعب الفلسطينى.
بدورها اكتشفت حركة حماس الأمر، وأصدرت بيانًا لها على حسابها على تطبيق «تليجرام»، أكدت خلاله أنها لا تملك أى موقع إلكترونى فى الوقت الحالى، وأنها لا تستقبل أى تبرعات عبر الإنترنت، محذرة من التعامل مع أى مواقع تدعى أنها تنتمى إلى الحركة أو تمثلها، لأنها مواقع مشبوهة ومخادعة وهدفها التجسس.
باحث: تابعة للاحتلال.. ووصلتنى طلبات اكتشفت خدعتها
أكد الكاتب والباحث الفلسطينى يوسف الطويل، عضو الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وجود العديد من المواقع والمنصات الإلكترونية التى تجمع تبرعات مزيفة باسم فلسطين، وتستخدم هذه التبرعات فى عمليات مشبوهة، مشددًا على أن إحدى هذه المنصات تابعة لدولة الاحتلال.
وقال: «وصلتنى طلبات من هذه المنصات للتبرع لها، لكننى لم أفعل لعدم ثقتى فيها»، لافتًا إلى أن ظهور مثل هذه المواقع فى هذا التوقيت هدفه استغلال حالة تعاطف الشعوب مع أهل فلسطين، من أجل الاستيلاء على أموالهم وتوجيهها إلى أهداف؛ إما شخصية أو تخدم سياسة الاحتلال.
ووجه نصيحته للجميع بالتبرع فقط للجهات الرسمية المعتمدة والموثوقة، مثل جمعيات الهلال الأحمر، وغيرها من الكيانات والجهات الرسمية المعتمدة.
محلل سياسى: تروِّج لنفسها عبر «السوشيال» وتجمع الأموال بـ«البيتكوين»
قال الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إن وقائع النصب واستغلال المواطنين لجمع التبرعات لأهالى غزة أمر فى غاية الخطورة.
وأضاف أنه يجب التوضيح أن هناك جهات رسمية متخصصة لجمع التبرعات للشعب الفلسطينى فى غزة، والمتمثلة فى جمعية الهلال الأحمر الفلسطينى بغزة، ويتم ذلك سواء بالذهاب للتبرع لها فى مقرها أو عن طريق التبرع عبر الإنترنت.
وشدد على ضرورة التنبيه لهذه القضية، لأن البعض سيستغل هذا الأمر، خاصة أن منصات التواصل الاجتماعى أصبحت خطيرة، والبعض يجمع تبرعات عينية، وآخرون يجمعون تبرعات بالبيتكوين «العملات الرقمية»، لذلك لا بد من توضيح الأمر لكل الشعوب التى تدعم الشعب الفلسطينى وتريد جمع التبرعات له.
وأشار إلى أن التبرعات المزيفة تأتى من مصادر متنوعة، منها أفراد أو جماعات يسعون للحصول على الأموال بطرق غير شرعية أو غير أخلاقية، ويستغلون الظروف الإنسانية الصعبة فى غزة والتعاطف الشعبى مع القضية، ويستخدمون وسائل التكنولوجيا والاتصال للتلاعب بالناس وخداعهم.
وشدد على أنه بقدر المستطاع لا بد من أن ينصب هذا التبرع لصالح الهلال الأحمر الفلسطينى، قائلًا: «من يريد من الأشقاء المصريين إرسال تبرعات للإخوة الفلسطينيين، فعليهم الترتيب مع جمعية الهلال الأحمر المصرى، وبدورها ستتواصل مع الجهات الفلسطينية».
خبير معلومات: تنتحل هوية وشعار جهات رسمية.. وتستغل تعاطف الشعوب
قال المهندس شاكر الجمل، خبير أمن المعلومات، إن هناك جمعيات تدعى أنها رسمية وموثقة، وإحداها جمعية إخوانية تجمع تبرعات وهمية.
وأضاف: «يجب على المواطنين قبل دفع أى تبرعات، أن يبحثوا جيدًا عن أصل هذه الجمعيات، من ناحية مدى موثوقيتها، وعليهم اللجوء للكيانات المعروفة مثل الهلال الأحمر، وصُناع الخير، ومصر الخير، وغيرها من المؤسسات الرسمية».
وبَيّن طرق النصب فى جمع التبرعات، قائلًا: «تتم بطرق مختلفة، منها إنشاء مواقع وهمية أو صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى، تدعى أنها تنتمى إلى جهات خيرية أو إنسانية معروفة، وتطلب من الناس التبرع عبر حسابات بنكية أو عملات رقمية، دون أن تقدم أى معلومات عن هويتها أو نشاطها أو شفافيتها، كما تستخدم أرقام هواتف أو بريدًا إلكترونيًا أو رسائل نصية أو واتس آب للاتصال بالناس، والتظاهر بأنها من جهات خيرية أو إنسانية موثوقة، وتحفزهم على التبرع، مستغلة تعاطفهم مع القضية الفلسطينية».
وأكمل: «هذه المنصات تستغل هوية أو شعار أو اسم جهة خيرية أو إنسانية حقيقية، وتقلدها فى طريقة العرض أو الكتابة أو التصميم، وتُنشئ حسابات مزيفة تحمل اسمها على مواقع التواصل الاجتماعى أو البريد الإلكترونى، وتتواصل مع الناس وتطلب التبرعات منهم بطرق مختلفة».
وشدد على أنه لا يجب على أى شخص التبرع بأى مال أو مساعدات لأى جمعية، إلا بعد التأكد من مصداقية هذه الجمعية، ويكون التأكد من مصداقيتها عن طريق أشخاص تعاملوا معها بالفعل، بجانب فحص الأخبار الإعلامية المتعلقة بهذه الجمعية، لأن المعرفة الإعلامية تعكس مدى المصداقية، على أن تكون الأخبار عن هذه الجمعيات، منشورة من جرائد معروفة وليست مغمورة أو «تحت بير السلم».
وحذر من الانسياق وراء هذه الجمعيات المزيفة التى تستخدم أساليب نفسية، واستغلال تعاطف الناس مع الظروف الحالية التى تعيشها غزة، مؤكدًا أنه يعرف شخصيًا بعض الأفراد الذين وقعوا ضحايا لهذا الاحتيال.
خبير إلكترونى ينصح: يجب التحقق من نشاط الجهة الخيرية وموثوقية وسيلة وحساب الدفع
قدم الخبير الإلكترونى محمد حسين، بعض الخطوات والنصائح التى يجب اتباعها للتحقق من مدى موثوقية تلك المنصات، موصيًا بالتحقق من هوية ومصداقية وشفافية الجهة التى ترغب فى التبرع لها، والبحث عن معلومات عن تاريخها ونشاطها وتقاريرها وصورها وشهاداتها وشركائها وجوائزها وتقييماتها، والتأكد من أن الجهة التى ترغب فى التبرع لها مسجلة ومرخصة، ومعتمدة من قبل السلطات المحلية أو الدولية المختصة، وأنها تتبع معايير ومبادئ وقواعد العمل الإنسانى والخيرى.
وواصل: «يجب أيضًا التحقق من طريقة ووسيلة وحساب التبرع، والتأكد من أنها آمنة وموثوقة ومناسبة، وأنها تحمل اسم وشعار ورمز الجهة التى ترغب فى التبرع لها، وأنها لا تطلب منك معلومات شخصية أو مالية زائدة أو غير ضرورية».
وشدد على ضرورة التحقق من مصير ووجهة واستخدام التبرع، والتأكد من أنه يصل إلى المستفيدين المستحقين فى فلسطين، وأنه يفى بالغرض والهدف الذى تبرعت له، وأنه يتم توزيعه وإدارته بشكل فعال وكفء ومسئول، بجانب طلب الحصول على إيصال أو شهادة أو تقرير أو صورة تثبت تبرعك وتقديره وتأثيره، ومتابعة وتقييم وتقديم الملاحظات على أداء الجهة التى تبرعت لها، والتواصل معها فى حال وجود أى استفسار أو شكوى أو اقتراح.
وزير الاتصالات الفلسطينى السابق: الظاهرة تتسبب فى تقويض الدعم الدولى لإعادة الإعمار ومساعدة المنكوبين
أكد الدكتور مشهور أبودقة، وزير الاتصالات الفلسطينى السابق، أن هناك جماعات أو تنظيمات متطرفة أو إرهابية تحاول تمويل نشاطاتها العنيفة أو السياسية أو العسكرية، عبر جمع التبرعات باسم غزة أو فلسطين، وتستخدم وسائط مختلفة لنشر دعواتها وشعاراتها وتبريراتها، وتستهدف فئات معينة من الناس بناءً على انتماءاتهم أو معتقداتهم أو مواقفهم.
وأضاف: «هناك أيضًا دول أو حكومات أو أجهزة استخبارات تريد التأثير على الوضع السياسى أو الأمنى أو الاقتصادى فى المنطقة، وتستغل النزاع الفلسطينى- الإسرائيلى لتحقيق مصالحها أو أجندتها، وتستخدم وكلاء أو وسطاء أو منظمات وهمية لجمع التبرعات وتوجيهها لأهدافها، وتستخدم التبرعات لشراء الأسلحة أو الذخيرة أو المتفجرات أو العتاد العسكرى، أو لتمويل عملياتها العنيفة أو لهجماتها الإرهابية، وتحاول التأثير على الرأى العام أو القرارات السياسية أو العلاقات الدولية بشأن القضية الفلسطينية».
ونوه إلى أن التبرعات المزيفة تذهب إلى وجهات مختلفة، منها حسابات بنكية أو محافظ رقمية تخص المحتالين، ويتم استخدامها لأغراض شخصية أو تجارية أو غيرها، دون أن تصل إلى أهل غزة أو تفيدهم بأى شىء، وذلك يسبب آثارًا سلبية على مستويات مختلفة، منها تضييع أو تبديد أو تحويل الأموال التى كان يمكن استخدامها لإغاثة أو إعمار أو تنمية غزة أو فلسطين، وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين الفلسطينيين الذين يعانون الحصار والحرب والفقر والبطالة والمرض والتهميش.
وذكر أن هذه الجريمة تتسبب أيضًا فى تقويض الجهود الإنسانية والخيرية الحقيقية التى تبذلها الجهات الموثوقة والمعتمدة، والتى تتبع معايير ومبادئ وقواعد العمل الإنسانى، وتحافظ على الشفافية والمساءلة والمسئولية فى جمع وإدارة وتوزيع التبرعات، قائلًا: «قضية فلسطين دائمًا ما تكون وسيلة سهلة لفخ التبرعات المزيفة».
