كارلوس ألبرتو «١ - ٢»
الحياة بسيطة كفرح شعبى، ومعقدة كموت مفاجئ، والحياة خليج لا نهائى من النعم والشرور وليس لنا خيار سوى أن نسبح فيه، لنجعل السباحة اختيارنا لنضفى على الضرورة روحًا من الإرادة والحرية ومتعة المغامرة.
اقترب الرجل الأجنبى ببدلته البنية ونظارته الشمسية البنية أيضًا التى لا يخلعها أبدًا حتى فى الليل، وقف أمامى مباشرة وسألنى: هل أنت يتيم الأب؟ قلت: نعم، قال: لقد رأيته يتحسس رأسك منذ لحظات، قلت: ربما لأنى استدعيته اليوم، هل تسخر منى؟ قالها وهو يجلس بمواجهتى، قلت لا بالطبع فأنا دائمًا ما أستدعيه، قال: هل تجاوزت الثلاثين؟ قلت: هأنذا على مشارفها، قال: لقد التقيت ساحرتى بباريس وكلفتنى أن أنقذك قبل أن تموت فى الثلاثين، ضحكت: ولماذا أنا بالذات؟ قال: تلك مشيئتها وأضاف: ما هو تاريخ ميلادك؟ قلت يوافق الثانى عشر من ديسمبر فقاطعنى: لا إنما هو الحادى عشر قلت: ربما أنت أدرى، كان يرتدى عقدًا يتشكل من خرزتين إحداهما زرقاء والأخرى بدرجة الأحمر القانى وكانت ثمة أشباح تدور أمام عينى من أثر تفاعل اللونين فطلبت إليه فى أدب أن يخفيها لكنه رفض، وسرعان ما عاد وخلعها من رقبته وأخذ يلفها حول إصبعه فمددت يدى لأمسكها لكنه أبعدها عن يدى صارخًا: ليس قبل أن أأذن لك فثمة خطورة من لمسها دون إذن، لقد حصلت عليها من قبيلة الأوبو بجنوب إفريقيا ووحدها قادرة على أن تمدنى بطاقة وعمر، اسمى كارلوس ألبرتو، برازيلى من أصول هندية، مؤلف موسيقى ولدىّ أعمال كثيرة مع أشهر الفرق العالمية وبعض المطربين، أسكن بالزمالك وأقوم بالعزف بأحد مطاعمها، ثم ناولنى العقد، رحت أمارس لعبتى المفضلة مع الأشياء الانسيابية حيث أتركها ترتاح على كفى ومن ثم أحصى الفراغات التى خلفتها، فى كل مرة كان العدد يستقر عند الحادى عشر، قبل أن أصارحه بذلك كررت المحاولة مرات ومرات فلم أستطع أن أخفى المعلومة عنه، قلت: هل تدرى أننى فى كل مرة أحصى الفراغات كانت تساوى أحد عشر! قال: أعرف فتاريخ ميلادك هو الحادى عشر وليس غيره وأضاف: على كل حال ليست هذه المرة الأولى التى ألتقيك، قلت: كيف؟ قال: ذات شتاء كنت تمشى أسفل سور القلعة وكانت أمطارًا غزيرة فاحتميت مثلى بمبنى قديم هناك، كان معنا بعض شباب أظنهم من اليابان وأذكر أن دار حوار بينكم حول مشكلات التعليم هنا وهناك هل تذكرت؟ قلت: نعم وكانت شكواهم الوحيدة تتلخص فى قسوة أساتذتهم وحين سألونى عن مشكلاتنا هنا قلت لهم: يحتاجكم وقت طويل لذلك، قال: وكان هناك شيخ لحيته بيضاء تمامًا وثيابه أيضًا، قلت: قارئ الكف، قال: نعم أنا كنت هذا الشيخ، دار بى مقعدى فظننت أن زلزالًا ضرب المدينة فربت على رأسى مهدئًا: لا عليك فسوف تجتاز محنتك، قلت: أى محنة؟ ستسقط ذات مساء من التعب ويصيبك مرض لكن أحدًا من هؤلاء لن يهتم لأمرك فلا تعتمد عليهم ولا تتفانى فى إخلاصك لهم، لدىّ بيت كبير ومريح يمكننى اقتسامه معك دون شرط ويمكننا أيضًا أن ننجز بعض الأعمال الغنائية إن شئت، كما أن بيننا صديقًا مشتركًا هو شوكت لمعى، لم تمنعنى دهشتى من الحقائق التى ساقها من أن أظن السوء به، وعزمت على التخلص منه، شكرت دعوته وانصرفت تاركًا المكان بمن فيه.