السيد ياسين.. من خطيب الجمعة إلى أحد أبرز مفكرى مصر
تحل اليوم الذكرى الـ 92 لميلاد الكاتب الصحفي والمفكر الأكاديمي الدكتور السيد ياسين، حيث ولد فى 30 أكتوبر عام 1931، بمحافظة الإسكندرية، وتخرج فى كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية، ثم حصل على درجة الماجستير من جامعة القاهرة فى علم الاجتماع والعلوم السياسية.
"الدستور" يسرد في السطور التالية رحلة التكوين الأولى للسيد ياسين.
تشير سيرة التكوين الأولى للكاتب والمفكر السيد ياسين إلى أنه وُلد في المكس بمدينة الإسكندرية بإحدى القلاع العسكرية، ذلك أن والده كان أحد ضباط حرس السواحل.
وقال السيد ياسين في مقال له بمجلة الهلال: نحن ثمانية إخوة خمسة ذكور وثلاث إناث.
وتابع: "قرأت بغير خطة واضحة لسنوات ما وقع تحت يدي من كتب كان يقرؤها أشقائي، وأذكر حين ظهرت أخبار اليوم لأول مرة، تعاركت أنا وشقيقتي الكبرى ثريا مع الأخ فؤاد حول قراءة العدد الأول، وكان قد اشتراه من مصروفه، وقرر- ما دام أننا سنقرؤها بانتظام- أن نشترك من مصروفنا في دفع ثمن النسخة! ويبدو أننا كنا مفلسين هذا اليوم، ولكنه رضخ لإلحاحنا أخيرًا وتعاطف وسمح لنا بالقراءة بعد أن انتهى من قراءة العدد الأول".
مكتبة السيد ياسين من العقاد لجبران
ويلفت السيد ياسين إلى أن هذه الفترة قرأ كل إنتاج الفكر المصري الحديث، قرأت العقاد، وطه حسين، وأحمد أمين، والرافعي، وسلامة موسى، وشغفت شغفًا خاصًا بجبران خليل جبران وقرأت كل مؤلفاته شعرًا ونثرًا بلا استثناء، حتى كتابه الشهير "النبي" الذي لم يكن قد ترجم إلى العربية قرأته في لغته الإنجليزية الأصلية، وأثر جبران خليل جبران تأثيرًا بالغًا على أسلوبي، ما زلت أحسه حتى اليوم فقد كان رائدًا في تخليص النثر العربي من المحسنات اللفظية، بالإضافة إلى ابتداعه أسلوبًا يتميز بالصفاء اللغوي، والإبداع في الصياغة المنطلقة، وساعدني على تشبعي بأسلوب جبران، إننى اقتنيت من مكتبة "إخوان الصفا وخلان الوفاء" بالعطارين لصاحبها الحاج إبراهيم نسخة نادرة من الطبعة الأصلية لكتاب جبران الشهير "دمعة وابتسامة" مطبوعة في نيويورك عام 1914.
نقطة التحول في حياة السيد ياسين
يشير السيد ياسين إلى أن الفترة التي امتدت من 1946 حتى عام 1952 تاريخ دخوله للجامعة "كلية الحقوق" كانت بمثابة نقطة التحول في حياته.
ويشير إلى أن هذه الفترة غيرت تمامًا من ملامح شخصيته فكانت عام 1950، في هذا العام استطاع أحد زملائي بالمدرسة الثانوية أن يضمني إلى الإخوان المسلمين. وسرعان ما أصبحت أخًا نشطًا ولذلك رُشحت لكي أكون دارسًا في «مدرسة الدعاة» بشعبة محرم بك والعطارين، وكان المشرف على المدرسة شيخًا أزهريًا ضريرًا يعمل مدرسًا في المعهد الديني بالإسكندرية وهو المرحوم الشيخ مصطفى الشارقة.
كنا ندرس في هذه المدرسة القرآن والحديث والفقه والمذاهب السياسية المعاصرة، وطالعنا كتابات «أبوالحسن الندوى والمودودي وطبعًا سيد قطب والشيخ محمد الغزالي، وقامت صداقة بين الشيخ الشارقة وبيني أثرت في حياتي تأثيرًا بالغًا كان الشيخ معجبًا بطه حسين ويهفو إلى تقليده وأعنى الجمع بين الدراسة الأزهرية والدراسة الحديثة فالتحق بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية بقسم اللغة العربية، واختارني الشيخ مع مجموعة من الأصدقاء من بينهم محمد عصمت عبداللطيف الذي كان شقيقًا لزوجة أخي فؤاد وأصبح الآن أستاذًا بكلية طب الأزهر، ومحمود الشاذلي الذي أصبح مهندسًا بعد ذلك، وعمل في المحلة الكبرى والسد العالي ثم هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
ولفت السيد ياسين إلى أنه أصبح قارئًا مستديمًا للشيخ الشارقة، وبدون تخطيط أصبح طالبًا من منازلهم بقسم اللغة العربية بآداب الإسكندرية لأنه قرأ معه ودرس كل مقرراته، وكانت كلية الآداب زاخرة بمجموعة من الأساتذة الموهوبين، كان يدرس له الشعر الإنجليزي مصطفى بدوي، الذي هاجر إلى أكسفورد بعد ذلك، "وقابلته هناك بعد عشرين عامًا حين دعيت لإلقاء محاضرة عن التاريخ السياسي المصري بدعوة من روجر أوين وكانت سعادتي غامرة لأنه حضر واستمع للمحاضرة وشارك في النقاش".
مدرسة الدعاة
كانت هذه المرحلة في حياة السيد ياسين محرضة له لدخول مدرسة الدعاة ليصبح خطيبًا إسلاميًا معتمدًا، مارس الخطابة باقتدار في مساجد الإسكندرية حسب تكليفات الجماعة "المحظورة" وكان تقليدهم لتنمية القدرة على الارتجال المدروس، وأضاف هذا التدريب المبكر لشخصية السيد ياسين، فمن فتى خجول منطو إلى شخص يخطب في الجماهير ويؤمهم.
فرنسا.. من دراسة القانون لدراسة علم الاجتماع
ويذهب السيد ياسين في سرد سيرة التكوين لواحدة من أبرز المراحل في حياته، والتي كانت بمثابة النقلة الكبرى، فبعد تخرجه في كلية الحقوق سافر إلى باريس لاستكمال دراسته وإعداد رسالة الدكتوراه في القانون.
وبعد عام من دراسة القانون المدني الفرنسي على حسب أنه اختار دراسة علم الاجتماع الأدبي الذي كان لا يزال ناشئًا في هذا الوقت عام 1964 وكذلك علم الاجتماع السياسي، وكان في تلك الفترة يراسل أستاذه مصطفى سويف الذي بدوره شجعه على كتابة سلسلة دراسات عن التحليل الاجتماعي للأدب، نشرت عبر مجلة الكاتب، التي أصبحت فيما بعد كتابًا تحت عنوان "التحليل الاجتماعي للأدب".