على خلفية "في الشعر الجاهلي".. طه حسين يستأصل الزائدة الدودية
يعد كتاب عميد الأدب العربي طه حسين، ــ والذي يتزامن هذا الشهر مع الذكري الخمسين على رحيله ــ “في الشعر الجاهلي”، من أشهر الكتب في قائمة الكتب التي أثارت عواصف مازالت آثارها جدلية حتي يومنا هذا.
مرض طه حسين إثر معركة في الشعر الجاهلي
قدم الدكتور طه حسين إلي جهات التحقيق المصرية، في العام 1926، علي خلفية نشره لكتابه المثير للجدل “في الشعر الجاهلي”، وقد حقق معه حينها النائب العام “محمد نور”، والذي تعكس مذكرته حول التهمة التي وجهت إليه، مدي ثقافته ــ محمد نور ــ واستنارته، وكيف رأي أن هذه القضية ليست جناية، بل تحتاج إلي البحث العلمي.
على أن معركة كتاب “في الشعر الجاهلي”، وما تبعها من معارك واتهامات بالتكفير من أطياف شتي في المجتمع المصري، والتي وجهت إلي طه حسين، خلفت آثارها النفسية والجسدية علي عميد الأدب العربي الدكتور طه، والتي روتها زوجته “سوزان طه حسين”، في مذكراتها عن حياتهما سويا، والمنشورة تحت عنوان “معك”، وترجمها إلي اللغة العربية، المترجم العراقي بدر الدين عرودكي.
طه حسين يصاب بالتهاب الزائدة الدودية
تقول سوزان طه حسين: الهزات التي سببها كتاب “في الشعر الجاهلي”، قد أساءت وضعنا من جديد. فالضجة التي اقترنت بهذا الكتاب وثورة الجهل والتعصب التي أعقبت صدوره نعرفها جميعا.
وتستدرك “سوزان”: أما ما لا نعرفه فهو ما كانته هذه المحنة في نظر زوجي طه حسين، الذي كانت رزانته الثابتة تمنعه من الشكوي. لقد بدأ كتابة هذا الكتاب ــ في الشعر الجاهلي ــ في يناير 1926، وأنجزه في مارس من العام نفسه. كان يعمل به في النهار ويحلم به في الليل، مدفوعا بحماسة بلغت به درجة أنه شرع فور إنجازه بتأليف كتاب عن الديمقراطية، لكن ما حدث له أرهقه. ولم يكن يفهم هذه الأحكام البليدة، وهذا التحيز الأخرق، وهذا الحقد الحاسد، وهذا الرياء، وتلك البراعة التي نجحوا بها في تحريض أناس طيبين ضد إنسان شريف، وفي جره إلي المحكمة بعد أن صادروا كتابه، والحملات القاسية في الصحافة، والشتائم، والتهديد، بالموت الذي كان وراء إقامة حراسة علي مدخل بيتنا أمام الحديقة خلال عدة أشهر.
وتضيف: كل هذه الأحداث كانت تذهله وتستثير ضميره العلمي وتؤلمه كثيرا، وقد قلق فعلا علي الطفلين ــ مؤنس وأمينة ولدا طه حسين ــ عندما أرادوا أن يحرموه من مورد رزقه (ولم تكن تلك هي المرة الوحيدة) ومع ذلك بعدة شهور، لم يكن إلا شجاعا رابط الجأش.
علي باشا إبراهيم يجري العملية
اضطر “طه” لإجراء عملية، لم يكن إجراؤها خطيرا في الأساس، لكنها كانت علي كل حال عملية الزائدة الدودية التي التهبت وهددت بالخطر. وحل لي كل شئ طبيب عظيم هو الصديق العزيز “علي باشا إبراهيم” (أول عميد لكلية طب القصر العيني ومؤسسها). ببساطة لم تكن تفارقه.
وتذكر زوجة طه حسين “سوزان”، أزمة صحية خطيرة أخري تعرض لها: كدت أموت عندما فقدت الأمل في الحصول علي طفل ثالث كنا ننتظره بفرح. إلا أن ذعر “طه” المقلق هو الذي كان رهيبا. ولقد بقيت أمدا طويلا لا أستطيع التفكير دون خوف في الوجه المذعور، في هذا الإنسان الأعزل ــ طه حسين ــ الذي وجد نفسه فجأة علي حافة ليل جديد، والذي كان يهرع إلي الهاتف مترنحا مصطدما بالأثاث، وعرفت فيما بعد أنه قد أغمي عليه مرتين. وكان من حسن الحظ أنه لم يكن وحيدا في تلك اللحظة، فقد كانت تصحبه طيبة الدكتور نجيب محفوظ المرهفة والتي تعالج كل شئ بإدراك.