الإسكندر الأكبر يرحب بكم.. "الدستور" تزور المتحف اليونانى الرومانى بعد عودته للحياة
حدث سياحى وأثرى كبير عاشته الإسكندرية بعد إعادة الحياة للمتحف اليونانى الرومانى، عقب تطويره، بعد إغلاق دام لـ ١٨عامًا، ويعد الصرح الأثرى الفريد أكبر متحف متخصص فى الآثار اليونانية الرومانية فى حوض البحر المتوسط بأكمله، منذ افتتاحه قبل أكثر من قرن وربع من الزمان.
يضم المتحف أكثر من ٦ آلاف قطعة أثرية، تغطى مساحة واسعة من تاريخ مصر القديمة، وتبرز دور مدينة الإسكندرية فى المزج الفكرى والفنى بين الحضارة المصرية والحضارات اليونانية والرومانية، والتطور الفنى والدينى فى المرحلة البطلمية والقبطية والبيزنطية.
أنشأه عالم آثار إيطالى وافتتحه الخديو عباس حلمى
تعود فكرة إنشاء المتحف اليونانى الرومانى لعام ١٨٩١، عندما فكر عالم الآثار الإيطالى جوزيبى بويت فى تخصيص مكان يحتوى على الاكتشافات الأثرية التى تم الكشف عنها بالإسكندرية، بما يحافظ على تاريخها الثقافى، خاصة بعد أن تم إيداع تلك المكتشفات بمتحف بولاق بالقاهرة، وتم إنشاء المتحف فى مبنى صغير بشارع فؤاد، وافتتاحه فى ١٧ أكتوبر ١٨٩٢ فى حضور الخديو عباس حلمى الثانى، وفتح أبوابه للجمهور فى ١ نوفمبر ١٨٩٢، وكان المتحف اليونانى الرومانى تابعًا لمصلحة الآثار بتمويل من بلدية الإسكندرية لسنوات طويلة.
فى عام ١٨٩٤، قرر «بويت» أن يبحث عن مقر جديد أكبر، وعهد لاثنين من المهندسين المعماريين بتصميم المتحف اليونانى الرومانى، وهما المهندس الألمانى ديرتيش والمهندس الهولندى ليون ستينون، وتم بناء المتحف على طراز المبانى اليونانية، وافتتاحه فى مقره الحالى ٢٦ سبتمبر عام ١٨٩٥، بحضور الخديو عباس حلمى الثانى مرة أخرى، وكان يضم ١٠ قاعات.
وفى عام ١٩٨٣، تم تسجيل المتحف فى عِداد الآثار الإسلامية والقبطية بمنطقة آثار الإسكندرية والساحل الشمالى، بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم ٨٢٢ لسنة ١٩٨٣.
وفى عام ٢٠٠٥، تم إغلاق المتحف بهدف البدء فى مشروع ترميمه وتوسعته، وبالفعل تم البدء فيه عام ٢٠٠٩، إلا أن العمل توقف عام ٢٠١١ لعدم توافر الاعتمادات المالية.
واستؤنف العمل بالمشروع عام ٢٠١٨، وخضع لخطة متكاملة لإعادة التطوير وتحديث قاعات العرض المتحفى، وتم الانتهاء منه بالكامل، وافتتاحه على مساحة ٥٢٠٠ متر مربع.
وتضمن مشروع تطوير المتحف أعمال دهانات الحوائط من الخارج والداخل، وتدعيم الحوائط القديمة للمتحف بهيكل حديدى، وترميم واجهة المتحف الكلاسيكية، فضلًا عن تطوير منظومتى الإضاءة والمراقبة، بالإضافة إلى تزويده بقاعة يطلق عليها اسم «egypsotica» ويعرض بها مجموعة من المستنسخات الجبسية، التى كان يعرض بعضها بالمتحف القديم، بالإضافة إلى قسم تعليمى وأرشيف متحفى، والمكتبة التاريخية، ومخازن، ومركز للترميم.
كما تضمن المشروع رفع كفاءة الخدمات المقدمة للزائرين، بما يعمل على تحسين التجربة السياحية وجعلها أكثر جاذبية، وتم تزويد المتحف بكافيتريات وبيت للهدايا، كما تمت إتاحة المتحف لاستقبال السائحين من ذوى الهمم، وتم تخصيص دورات للمياه ومصاعد لهم.
قاعات لتماثيل الإسكندر وملوك البطالمة
أوضحت د. «ولاء» أن المعروضات تبدأ من القرن الخامس قبل الميلاد، وتستمر حتى القرن السادس الميلادى، لافتة إلى أنها تتناول أيضًا علاقة الإسكندر الأكبر بالمجتمع المصرى، من خلال رءوس تماثيل الإسكندر النادرة، التى لا يوجد مثيل لها بهذه الأحجام والأشكال فى العالم، بجانب بعض القطع التى تمثل عبادة الإسكندر الأكبر التى انتشرت بعد وفاته، وتماثيل جميع الملوك البطالمة، التى تمزج بين طبيعة التماثيل المصرية والتماثيل البطلمية أو اليونانية، حين أصبح الملك يصور بشكل مصرى ويونانى معًا.
وذكرت أن المعروضات تتضمن أيضًا تماثيل «التناجرا»، التى تصور المرأة السكندرية وهى بالأردية اليونانية وتسريحات الشعر المميزة فى تلك الحقبة الزمنية، فضلًا عن تناول المنزل الرومانى وشكل الحمام الرومانى.
وبينت مديرة المتحف اليونانى الرومانى أن الدور الأول من المتحف يتناول المعروضات بشكل موضوعى، ويتناول عدة موضوعات، منها: النيل، والتجارة، والصناعات فى الإسكندرية، مثل الزجاج والبرونز والذهب والحلى والمقتنيات الذهبية، بجانب جناح خاص منفصل عن العملات على مر العصور اليونانية والرومانية، وطريقة سك العملة فى مصر، ويتضمن أبرز العملات فى هذه المرحلة، وهى عملة «النوب نفر»، التى لا توجد سوى فى المتحف اليونانى الرومانى والمتحف المصرى بالتحرير.
وأردفت: «المعروضات تتضمن أيضًا الفن السكندرى والوجوه المصرية القديمة فى العصرين اليونانى والرومانى، فضلًا عن فاترينة كاملة عن (البوباسطيون)، وهو عبارة عن معبد تم إهداؤه إلى المعبودة (باستت)، المسئولة عن تسهيل عملية الولادة عند المرأة».
واستطردت: «بين الدورين الأرضى والأول توجد قاعات الميزانين، وهى عبارة عن ٤ قاعات تتضمن قاعة للدارسين، وقاعة التسجيل والتوثيق فى المتحف والأرشيف، وقاعة المستنسخات الجبسية، وقاعة التربية المتحفية، التى تنقسم بين الأفراد العادية وذوى الهمم، كما يضم المتحف مكتبة بها ١٢ ألف كتاب نادر، وتحتوى على أقدم كتاب يرجع لعام ١٥٢٥، بالإضافة إلى قاعة للكتب النادرة التى لا يوجد مثيل لها بالعالم، كما يضم المتحف ضمن مكوناته مخازن الآثار ومعامل ترميم الآثار العضوية وغير العضوية».
وأكدت أن المتحف اليونانى الرومانى بالإسكندرية يعد أحد أهم وأقوى المتاحف المنافسة للمتاحف العالمية، موضحة أنه عاد أخيرًا ليفتح أبوابه لاستقبال الجمهور من السكندريين وجميع المصريين والأجانب لرؤية الصرح العظيم.
6 آلاف قطعة أثرية و12 ألف كتاب نادر
قالت الدكتورة ولاء مصطفى، مدير المتحف اليونانى الرومانى بالإسكندرية، إن المتحف يحتوى الآن على ٦٠٠٠ قطعة أثرية، يتم عرضها فى ٤٤ فاترينة، وتتنوع الموضوعات داخل قاعات العرض المتحفى، لتغطية مساحات تاريخية من تاريخ مصر القديمة بوجه عام، والإسكندرية بوجه خاص، وذلك من خلال العرض الدائم لسيناريو المتحف، وإعادة العرض المتحفى، وطرح أقسام جديدة وحديثة للخدمة بما يجذب زوار المتحف المصريين وغير المصريين؛ مع إبراز المزج الفكرى والفنى بين الحضارات المصرية القديمة واليونانية والرومانية والمرحلتين القبطية والبيزنطية.
وأوضحت أن المتحف يتضمن المبنى الإدارى، ومبنى المتحف، الذى تمت توسعته ليشمل الحديقة المتحفية، والطابق الأرضى الذى يضم ٢٧ قاعة عرض، بالإضافة إلى الطابق الأول على مساحة كبيرة، وبينهما دور الميزانين، الذى يضم ٤ قاعات لخدمة الزائرين.
وأشارت إلى أن الهدف الأساسى عند ترميم وتطوير المتحف كان الحفاظ على روحه الأثرية، وبالتالى فإن واجهة المتحف لم تختلف منذ إغلاقه؛ للحرص والحفاظ على الحجر الأصلى للبناء.
وأضافت أن العرض بالدور الأرضى يتم بشكل تسلسلى تاريخى، ويصور علاقة مصر بالعالم الخارجى قبل قدوم الإسكندر الأكبر وبناء الإسكندرية، مرورًا بعصر الإسكندر والملوك والملكات البطالمة، ثم بعد ذلك الحياة اليومية اليونانية والرومانية للأباطرة الذين حكموا مصر فى الحقبة التى كانت فيها الإسكندرية عاصمة مصر، ويلى ذلك عرض العقائد الدينية فى المجتمع المصرى خلال العصرين اليونانى والرومانى، وذلك فى أكثر من قاعة.
وتابعت: «المعروضات تتناول أيضًا المعبودات المصرية والمعبودات اليونانية والرومانية، ثم الفلاسفة والتعليم، والفكر فى الإسكندرية، التى كانت مركزًا إشعاعيًا علميًا عالميًا، فى تلك الفترة، لوجود مكتبة الإسكندرية، ثم يلى ذلك عرض لمرحلة الحياة بعد الموت، إذ تعرض القاعات طريقة دفن الموتى عبر العصور اليونانية والرومانية، وبعض التوابيت المهمة جدًا فى تاريخ الإسكندرية، ثم الفن البيزنطى أو العصر الرومانى المتأخر، ثم العصر القبطى».