زلزال مفاجئ.. كيف ترى إسرائيل الدرس المصرى فى حرب أكتوبر؟
قاذفات ثقيلة تضرب، وحائط دفاعى يشل العدو، وصواريخ سرية تدمر الدبابات، وقوات تعبر على طول خط المواجهة، بهذا نجح الجيش المصرى فى إملاء إرادته واسترداد سيناء، وتغيير الوقائع فى الشرق الأوسط، وإعادة رسم موازين القوة فيه إلى الأبد.
وفى الذكرى الخمسين للانتصار المصرى العظيم، تستعرض «الدستور» تفاصيل الرؤية الإسرائيلية لدروس حرب أكتوبر، أو حرب «يوم الغفران» كما تسمى فى إسرائيل، واعترافات قادتها العسكريين أنفسهم بالهزيمة والفشل الذريع فى إدارة القتال، والتقارير الإعلامية التى تناولت حقيقة الدرس المصرى، الذى غيّر المفاهيم الاستراتيجية الإسرائيلية، وكسر غرور قادتها، وعلمهم درسًا لا يُنسى ولا يمكن تجاوزه.
مصر حققت هدفها باستعادة سيناء وردع الاحتلال.. ولم تخطط لإلقاء الإسرائيليين فى البحر
فى الذكرى الخمسين لحرب أكتوبر ١٩٧٣ نشر موقع «كالكاليست» العبرى تقريرًا تناول خطة الهجوم المصرى على القوات الإسرائيلية فى سيناء، موضحًا بعض المفاهيم الخاطئة التى حاولت القيادة الإسرائيلية ترويجها عن تلك الحرب.
وقال الموقع فى تقريره: «دعونا نبدأ بفهم الحرب من الجانب المصرى، وخلافًا لما كان يتردد حينذاك لم يكن هدف مصر هو (إلقاؤنا فى البحر)؛ ولكن كان الهدف المصرى هو تحقيق شىء أكثر عقلانية بكثير، وهو استعادة سيناء، والسيطرة الكاملة على قناة السويس، وردع إسرائيل عن المزيد من الاحتلال».
وأضاف: «لتحقيق هذه الغاية، أراد المصريون الاستيلاء على شريط يبلغ طوله حوالى ١٠ كيلومترات على طول القناة، وملئه بالقوات وأنظمة الدفاع الجوى، والتسبب فى أضرار جسيمة للجيش الإسرائيلى فى سيناء، ومثل هذه الخطوة كان من شأنها أن تخلق وضعًا يكون فيه من الضرورى لإسرائيل ألا تحاول القتال، تجنبًا لمزيد من الخسائر، وبالنسبة لمصر ستكون نقطة انطلاق رائعة للمفاوضات مع الوساطة الدولية، وفى النهاية سوف تحصل على شبه جزيرة سيناء بأكملها، فبعد كل شىء كانت سيناء لهم».
وأوضح التقرير أن السؤال الرئيسى وقتها هو: «كيف يمكن للجيش المصرى استرداد مساحة كبيرة فى سيناء، فى حين أن الجيش الإسرائيلى يمتلك قوات جوية قوية ومتقدمة تتمركز فى قواعدها على بعد أمتار قليلة من الجبهة، وأيضًا قوات مدرعة كبيرة وقوية للغاية؟».
ولفت إلى أن الخطة المصرية كانت مفاجأة إسرائيل عبر شن هجوم جوى، من شأنه تحييد القواعد الجوية فى سيناء، وبطاريات الصواريخ وجميع الرادارات وأنظمة التحكم، مشيرًا إلى أنه، فى النهاية، وحتى طائرات الفانتوم الأكثر تقدمًا كانت تحتاج إلى قاعدة للإقلاع منها، والتحكم الأرضى لتوجيهها نحو الأهداف والتهديدات.
وتابع: «بعد ذلك، سينزل المصريون فى سيناء أكثر من ألف مقاتل صاعقة فى فرق صغيرة، باستخدام العشرات من مروحيات MI8، وستنتشر هذه القوات على محاور بصواريخ (ساجر) وشبكات التمويه، وستقوم بنصب الكمائن وتأخير وتشويش التعزيزات التى سترسلها إسرائيل إلى الجبهة».
وأكد الموقع العبرى أن المشهد السابق سيخلق وضعًا يستطيع فيه المصريون عبور قناة السويس، والسيطرة على المواقع على طول خط بارليف، وتحقيق الاستقرار فى القطاع الذى خططوا له، فيما يواجه الجيش الإسرائيلى صعوبة بالغة فى شن هجوم مضاد، لأن عندها ستتمتع القوات الجوية المصرية بتفوق جوى نسبى، ويمكنها مهاجمة أى شىء يتحرك فى سيناء.
وتساءل التقرير: «ماذا كانت ستفعل القوات الإسرائيلية أمام كل هؤلاء الجنود؟ هل سيقصفون كل ظل مشبوه فى سيناء ورمالها؟»، وأضاف: «كان هناك شرط واحد فقط لنجاح تلك الخطة، وهو أن يتم تنفيذ الضربة الجوية بنسبة ١٠٠٪، وبشكل يفاجئ إسرائيل»، مؤكدًا أن هذا هو ما حدث فعلًا.
ونوه موقع «كالكاليست» بأن الحرب تشهد عادة ارتكاب أخطاء وحدوث مشكلات، مشيرة إلى أن الجيش المصرى كان يصحح أخطاءه ويحل مشكلاته بسرعة بالغة ساعدت فى تغيير مسار المعركة.
وذكر أنه من بين تلك المشكلات، أن المصريين أدركوا أن صواريخ «كروز» تواجه صعوبة فى الإطلاق من ارتفاعات منخفضة، وتفقد تصويبها بسبب الإشارات المرتدة من الأرض، لذا قرر الجيش المصرى التحول إلى إطلاقها من ارتفاعات عالية.
وأضاف: «تلقت إسرائيل من المصريين ضربة قاتلة، مزقت شبكات الاتصالات فى كل جنوب سيناء، ورغم ذلك عادت الطائرات المصرية جميعها تقريبًا بسلام، بل تمكنت من إصابة معظم الأهداف بدقة نادرة، وأبلغت الطواقم بتدمير ٩٠٪ من أهدافها».
القوات الجوية المصرية والسورية استعدت للمعركة بتحديد المهام وزيادة الطيارين وبناء ملاجئ الطائرات
أوضح تقرير لموقع «ماكو»، العبرى، أن مصر وسوريا كانتا تمتلكان قوات جوية مجهزة بأفضل الطائرات السوفيتية فى تلك الأيام، وكانت نظريتهما القتالية تتوافق مع المبدأ الروسى، الذى كان يعنى أن الطيار لم يكن لديه أى حرية تقريبًا فى العمل فى الجو، بل تمت إدارة الطلعات الجوية من خلال نظام القيادة والسيطرة.
وأوضح موقع «ماكو» أنه كان هناك عيب كبير فيما يتعلق بنظرية تشغيل القوات الجوية الإسرائيلية، التى على أساسها كان الطيار الإسرائيلى يتمتع بمزيد من حرية العمل.
وقال التقرير: «استعدت القوات الجوية المصرية والسورية بقوة لحرب أكتوبر ١٩٧٣، وركزت على تدريب عدد كبير من الطيارين، وشراء الطائرات والمعدات، بالإضافة إلى إنشاء مطارات جديدة وزيادة عدد مدارج الطائرات فى القواعد القائمة، كل هذا إلى جانب إنشاء مجموعة هائلة من مضادات الطائرات، مستفيدة من درس ٥ يونيو، و(حرب الأيام الستة)، التى دمر فيها سلاح الجو الإسرائيلى مئات الطائرات المصرية على الأرض».
وأوضح أن الجيشين المصرى والسورى قاما ببناء ملاجئ للطائرات، وفى عام ١٩٧٣ كان هناك ما يكفى من الملاجئ لحماية جميع طائرات القوات الجوية المصرية والسورية، لافتًا إلى أن مصر وحدها استثمرت فى هذا المجال ميزانية تبلغ حوالى ١٠٠ مليون جنيه مصرى، وهو مبلغ ضخم جدًا بحساب تلك الأيام.
واستطرد: «لنتذكر أنه فى حرب الأيام الستة لم يكن هناك تقريبًا مثل هذه الدفاعات المضادة للطائرات، وكانت الطائرات المصرية متوقفة وهى مكشوفة على الأرض، ما ساعد فى تدميرها من الجو».
وأشار موقع «ماكو» إلى أنه كان من ضمن الانتقادات الموجهة إلى إسرائيل فى حرب أكتوبر أنه لم يعد ممكنًا تدمير القوات الجوية المصرية مرة أخرى على الأرض.
ونوه إلى أنه عشية حرب أكتوبر، أو «يوم الغفران»، كان لدى القوات الجوية المصرية، حسب تقرير معلوماتى أصدرته القوات الجوية بعد الحرب، ١٧٠ طائرة اعتراضية، جميعها من طراز «ميج ٢١»، بما فى ذلك سرب جاء من كوريا الشمالية، بالإضافة إلى ٢٥٣ طائرة هجومية، فيما كان لدى القوات الجوية السورية ٣٤٩ طائرة، منها ١٧٨ طائرة اعتراضية من طراز «ميج ٢١» و١١٤ طائرة هجومية، من طرازات «ميج ١٧» و«سوخوى ٧» و«سوخوى ٢٠».
وتابع: «إضافة إلى ذلك، عمل السوريون على زيادة عدد طياريهم، وكانت كل دورة من دورات الطيران حتى حرب الأيام الستة تنتهى بـ٣٠ إلى ٤٠ خريجًا، لكنها بعد ذلك أصبحت تنتهى بأكثر من ١٠٠ خريج، مع تقصير مدة الدورة من ٣ سنوات إلى سنتين».
وأكد أن المهمة الرئيسية لتلك القوات كانت مساعدة القوات البرية فى مناطق القتال، وتنفيذ ضربات فى العمق، والمساعدة فى إنزال قوات الصاعقة والمظلات بالمروحيات، التى تشكل تهديدًا مستمرًا للجيش الإسرائيلى، مع حماية سماء البلاد ومطاراتها.
وأردف: «مقابل ذلك، كان لدى سلاح الجو الإسرائيلى ٣٩١ طائرة مقاتلة، بما فى ذلك ١٠٩ طائرات (فانتوم) متعددة المهام، و١٨١ طائرة سكاى هوك (إيجل)، وعشرات الطائرات الاعتراضية من طراز (شاخ) أو (نيشر)، بالإضافة إلى سرب من الطائرات الهجومية».
وأشار الموقع العبرى إلى أنه فى إطار الاستعدادات للحرب، نفذ سلاح الجو الإسرائيلى، بين سبتمبر وأكتوبر ١٩٧٣، ٢٢ عملية تصوير جوى، بعضها فى عمق الأراضى المصرية، كما تم إجراء العديد من التدريبات وشراء أنظمة القنابل والأسلحة، مثل «Luptos» لطائرات «فانتوم» و«Crystal» لطائرات «سكاى هوك»، كما تم شراء صواريخ «أجروف» لمهاجمة بطاريات الصواريخ، والقنابل العنقودية «CBU»، وغيرها.
واعترف موقع «ماكو»، بشكل واضح، بالفشل الإسرائيلى فى الحرب، وقال: «من الواضح للجميع أن سلاح الجو الإسرائيلى فشل، خاصة فى الأيام الأولى من الحرب، فى مساعدة القوات البرية، وهذا على الرغم من الجهود العديدة، فحوالى ما يقرب من ٥٠٪ من الطلعات الجوية التى قامت بها القوات الجوية فى الحرب، ومعظم الطيارين الذين قتلوا، كانت بغرض مساعدة القوات البرية».
وفسر الموقع أسباب الفشل الإسرائيلى بعدة أسباب، منها: المنظومة المصرية المضادة للطائرات، وضعف التنسيق بين القوات الجوية والقوات البرية الإسرائيلية، وانهيار الافتراضات الأساسية التى بنى عليها الجيش الإسرائيلى خطته.
واتفق مع تلك التفسيرات تقرير موقع «كالكاليست»، الذى أكد أن النتيجة جاءت بهذا الشكل بسبب سلسلة من محاولات الاحتواء الصعبة والمريرة، التى خسر فيها الطرفان أعدادًا كبيرة من المقاتلين، مع امتداد القتال إلى الجانب الآخر من القناة، ما أدى إلى مزيد من الخسائر، بل هدد بجر الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى إلى الحرب، وفى نهاية المعارك استعادت مصر سيناء وقناة السويس.
وأشار «كالكاليست»، فى ختام تقريره، إلى أن المراقبين يؤكدون أن حرب أكتوبر، أو حرب «يوم الغفران» غيّرت النظام العالمى بأكمله، وفى أعقابها تفاقمت أزمة النفط العالمية، وتغيرت المفاهيم الاستراتيجية والعقائد القتالية فى إسرائيل، والأهم من ذلك أن إسرائيل تلقت درسًا فى التواضع، فتعلمت القيادة فيها أن تكون حذرة من التصورات التى تقول «سيكون الأمر على ما يرام»، كما أنها جعلت القادة فى تل أبيب يتذكرون الحكمة التى تقول: «لا تبدأ بالاحتفال قبل أن تمسك الكأس بين يديك».
رئيس الأركان الإسرائيلى الحالى يطالب بالتعلم من الأخطاء
فى كلمته أمام مجلس الدولة، بمناسبة الذكرى الخمسين لحرب أكتوبر أو حرب «يوم الغفران»، قال رئيس الأركان الإسرائيلى هرتسى هاليفى، إن كل من عاش فى إسرائيل يوم ٦ أكتوبر عام ١٩٧٣ يتذكر أين كان عندما كسرت أصوات الأبواق صمت فجر «يوم الغفران»، وكيف خرق هدير الطائرات الحربية السورية والمصرية صمت السماء الهادئة فى هضبة الجولان، وفى سيناء، وكيف عبرت القوات المصرية مياه القناة أمام أعين الجنود الإسرائيليين المتحصنين فى الحصون.
وأوضح «هاليفى» أن سلام يوم عيد الغفران تحول إلى صخب لجنود الاحتياط الذين يستمعون إلى نداءات التجنيد فى محطات الإذاعة، مشيرًا إلى أن الجيش الإسرائيلى يخصص الذكرى الخمسين من الحرب للتذكر والتعلم، والاعتراف بخطايا الماضى، والفحص النقدى للحاضر فى ضوء تلك الأخطاء.