"حكاية وطن" دور الجمهورية الجديدة فى تطوير وبناء وتحديث المنظومة العسكرية
نجحت الدولة المصرية في تشكيل الرؤية المستقلة تجاه الخارج منذ أن تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي رئاسة الجمهورية، بالاعتماد على عددٍ من العوامل والمتغيرات التي ساهمت في وضع الأطر العامة والمنهجية التي يمكن أن تشكل مجمل التحركات الخارجية، وهي:
بناء سياسة خارجية تعتمد على تماسك الجبهة الداخلية
تذهب العديد من الأدبيات السياسية إلى أن السياسة الخارجية لدولة ما، تبدأ من الداخل، بمعنى أنه لكي تمارس الدولة سياسة خارجية فعالة ومؤثرة، يتعيّن عليها أولًا أن تصلح بيتها من الداخل، وقد كانت السياسة الخارجية للجمهورية الجديدة معبرة عن هذه المقاربة، إذ أن السياسة الخارجية المصرية في الحقبة الجديدة كانت تنطلق من بناء الداخل، إذ لعب المحدد الداخلي دورًا محوريًا في تفعيل دور مصر الخارجي، والذي ساهم في تبني سياسة خارجية تعتمد على تماسك الجبهة الداخلية، وذلك بناء على العلاقة الترابطية بين قوة الداخل وتماسكه وفاعلية التحركات الخارجية.
القرار السياسي الخارجي لا يتعارض مع المشاريع والجهود الداخلية
تتم عملية رسم السياسة الخارجية المصرية وفق مبدأ الاستقلالية واتخاذها ما يتحتم عليه خدمة المصلحة الوطنية، وبما لا يهدد مقدرات الأمن القومي للدولة، ودون الرضوخ لأي تهديدات أو ضغوطات خارجية من أي قوى إقليمية أو دولية. وفي هذا الإطار، عمدت مصر في تحركاتها الخارجية إلى تنويع مصادر اعتماديتها، فضلًا عن اتخاذها دوائر حركة متعددة ومتزامنة في نفس الوقت. أضف إلى ذلك أن القرار السياسي الخارجي لا يتعارض مع المشاريع والجهود الداخلية، بل يعمل الاثنان في ظل حالة من التنسيق والتزامن، وتحقيقًا لمكتسبات على الصعيدين الداخلي والخارجي.
تنويع مصادر السلاح والانفتاح على عدد من القوى
ارتكزت فلسفة الجمهورية الجديدة في استعادة مكانتها على امتلاك أدوات الردع وبناء وتحديث المنظومة العسكرية، انطلاقًا من قاعدة أن الجيش هو حائط الصد الأول في مواجهة التهديدات. انعكس هذا في تطوير مستوى ونوعية التسليح، بالإضافة إلى تنويع مصادر السلاح والانفتاح على عدد من القوى، وتحديث البنية العسكرية والعمل على رفع الكفاءة القتالية لأفراد القوات المسلحة عبر التوسع في عقد تدريبات ومناورات عسكرية في عدد من الساحات، وصولًا لدعم عملية توطين الصناعات الدفاعية والعسكرية.
العمل على وقف التدخلات الخارجية في شئون الدول
شهدت السنوات الأخيرة انتشار حالة من الفوضى الإقليمية وعدم الاستقرار، مما أدى إلى تراجع مفهوم الدولة الوطنية في الإقليم، وتنامي انتشار نمط "الدول الفاشلة"، في إشارة إلى تلك الدول التي لا تستطيع فيها السلطات فرض سيطرتها على كامل إقليمها، فضلًا عن تفكك بنيانها المؤسسي، وفي هذا الإطار انطلق التوجه المصري الخارجي في وسط هذه الحالة على دعم الدولة الوطنية، والعمل على وقف التدخلات الخارجية في شئون الدول، واحترام سيادة الدول، وإنهاء الصراعات المسلحة ومنع تجددها. وجاء تأثير تلك المنطلقات في الساحة الليبية ووقف حلقات الصراع عبر إعلان الخط الأحمر، والدفع في اتجاه الحل السياسي ودعم المرحلة الانتقالية التي تستهدف إجراء الانتخابات نهاية العام الجاري واستعادة ليبيا مؤسساتها، وهو ذات الموقف الذي تتبناه مصر تجاه مختلف الصراعات سواء في سوريا أو اليمن.
أهمية الآليات الدولية المعنية بمحاربة الإرهاب
باتت قضية مكافحة الإرهاب وفق مقاربة ورؤية شاملة ضمن أولويات السياسة الخارجية المصرية، وتميزت تلك الرؤية بعدم اختزال مفهوم المواجهة، وضرورة تنويع أدواتها على الصعيد العسكري، والفكري، والتنموي، والأيديولوجي، ناهيك عن تبني مصر مقاربة أوسع لا تقصر المواجهة على فصيل دون غيره أو ساحة دون أخرى، وقد عبرت مصر عن تلك الرؤية خلال خطاب السيسي في قمة الرياض 2017. من ناحية أخرى، ترأست مصر لجنة مكافحة الإرهاب بمجلس الأمن خلال عام 2016، فضلًا عن جهودها في تأسيس المركز الإقليمي لمكافحة الإرهاب لدول الساحل والصحراء 2018، وفي مايو 2023 تسلمت مصر الرئاسة المشتركة للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب مع الاتحاد الأوروبي لمدة عامين، وهو إحدى أهم الآليات الدولية المعنية بمحاربة الإرهاب.
تدشين إعلان القاهرة من خلال القمة الثلاثية
شهدت الجمهورية الجديدة استحداث دوائر جديدة لسياستها الخارجية تمثلت بشكل أساسي في الدائرة المتوسطية، فالتحالف الثلاثي بين مصر وقبرص واليونان وتدشين إعلان القاهرة من خلال القمة الثلاثية الأولى جاء بعد أشهر من التغير الذي طرأ على السلطة تحديدًا في نوفمبر 2014. وعليه، تعتبر تحركات مصر في المتوسط وقيادتها للتفاعلات في المنطقة عبر استضافتها منتدى غاز شرق المتوسط، وتحول مصر لمركز إقليمي للطاقة، وضبط الصيغ التعاونية بين القوى الفاعلة في المنطقة؛ أحد تجليات التغير في نمط السياسة الخارجية، كذلك نجحت السياسة الخارجية المصرية في إطار الجمهورية الجديدة في النشاط في دائرة مهمة بالنسبة لمصر في السنوات المقبلة، وهي الدائرة الآسيوية وخصوصًا جنوب آسيا ومنطقة القوقاز ووسط آسيا، وهو ما تجسد في الزيارات الرئاسية التي قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى هذه الدول، فضلًا عن المباحثات المكثفة بين مسئولي الجانبين على مدار السنوات الماضية، وترتبط أهمية هذه الدائرة الجديدة للسياسة الخارجية المصرية بكثافة التحالفات الاستراتيجية والأمنية الدولية القائمة والناشئة في تلك المنطقة، ما يجعل من الأهمية بمكان أن يكون لمصر دور في خضم هذه المعادلات الدولية الجديدة، كذلك فإن تعزيز الحضور في هذه المنطقة يخدم بشكل عام الأهداف التنموية للدولة المصرية، في ضوء ما تتمتع به من موارد وإمكانات استراتيجية.
رئاسة للاتحاد الإفريقي عام 2019
يُنظر لعودة الروابط المصرية الإفريقية لما كانت عليه في الماضي باعتبارها أحد التحولات الكبرى التي أحدثتها السياسة الخارجية المصرية خلال السنوات الماضية. ففي أعقاب ثورة 30 يونيو تم تجميد عضوية مصر في الاتحاد الإفريقي، لكن مصر نجحت في العودة ورئاسة الاتحاد الإفريقي عام 2019 بعد فترات من الغياب وتراجع الدور، ما منح الفرصة لعدد من القوى الإقليمية والدولية لملء الفراغ نتيجة هذا التراجع. بعبارة أوضح، ساهمت الجمهورية الجديدة في إعادة بناء العلاقات المصرية الإفريقية انطلاقًا من فرضية أن التواجد الفاعل في القارة يضمن لمصر الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية، فضلًا عن خلق علاقات قائمة على تحقيق أبعاد التنمية الشاملة وفقًا لأجندة إفريقيا 2063، والتي ساهمت مصر في صياغة بنودها.
وقد اعتمدت الجمهورية الجديدة في مسعاها لإعادة بناء علاقاتها بالدائرة الإفريقية على عدد من الأدوات الرئيسية، في القلب منها الجولات والمباحثات الرئاسية، حتى أن الرئيس عبدالفتاح السيسي وفي أعقاب توليه المسئولية في 2014، أجرى سبع زيارات لدول إفريقية، وهي الزيارات التي جاءت بعد انقطاع لسنوات، وفي السياق ذاته كان هناك بعض الزيارات اللافتة والنوعية التي أجراها الرئيس إلى بعض الدول الإفريقية، كزيارته إلى كينيا عام 2017، والتي كانت الأولى لرئيس مصري منذ 33 عامًا، وتلك التي أجراها إلى جيبوتي في مايو 2021، والتي كانت الأولى على الإطلاق لرئيس مصري، كما شهدت مصر خلال السنوات الأخيرة توسعًا لافتًا على مستوى توقيع اتفاقيات التعاون العسكري والدفاعي مع دول مثل: السودان، وأوغندا، وبوروندي وكينيا.
العلاقات العربية- العربية في السنوات الأخيرة
عانت الدول العربية في السنوات الأخيرة من العديد من الأزمات التي أضرت بشكل عام بالعمل العربي المشترك، سواءً تلك الأزمات البنيوية التي كانت موجودة في بعض الدول، والتي سُميت بـ"دول الأزمات"، أو الأزمات البينية التي ضربت العلاقات العربية- العربية في السنوات الأخيرة، وفي خضم ذلك سعت مصر إلى التأكيد على جملة من الثوابت المهمة، والتي أدت إلى حلحلة هذه الإشكالات بشكل كبير، ومنها التأكيد على الموقف الثابت على مستوى دعم الدولة الوطنية، ورفض تدخلات الأطراف الإقليمية والدولية التي تعزز حالة عدم الاستقرار في المنطقة، ودعم وتأييد والانخراط في أي جهود تضمن تعزيز العمل العربي المشترك، ومنها على سبيل المثال: دعوة الرئيس خلال القمة العربية (مارس 2015) بشأن تدشين قوة عربية مشتركة لمجابهة التحديات، وإطلاق آلية التعاون الثلاثي بين مصر والأردن والعراق، ودعم مسار المصالحة العربية الخليجية مع قطر من خلال المشاركة في قمة العلا في يناير 2021 وما تبعها من إجراءات ومسارات على المستوى الثنائي أو الجماعي.