أرملة الشهيد أحمد حمدى لـ"الدستور": قبل رحيله ودّعنا كأنه يشعر بقرب النهاية
قالت تفيدة الأيوبى، أرملة الشهيد الراحل اللواء أحمد حمدى، إن زوجها الشهيد كان نعم الزوج والأب، وإنه فى بداية زواجهما، سافر فى بعثة إلى روسيا إلى كلية أركان الحرب لمدة ٤ سنوات، ولم تكن تراه سوى أيام معدودات كل ٦ أشهر، ثم أنهى الشهيد بعثته، وعاد إلى مصر.
وأضافت أنها لم تكن تتخيل أن هناك إنسانًا بالطيبة والحنان والاحتواء، مثلما رأت مع زوجها الشهيد، مشيرة إلى أن الشهيد كان يحترمها، ويقدرها للغاية، ويشجعها دائمًا، ويمجد كل أمر تفعله، فقد كان إنسانًا عظيمًا.
وتابعت: «مقر خدمة الشهيد كان فى مدينة الإسماعيلية، وذهبت معه إلى معسكر الجلاء وبقيت هناك لمدة ٤ سنوات اعتبرتها من أجمل أيام عمري، حتى بدأت حرب ١٩٦٧ وحينها كنت فى الفيلا بالمعسكر، وفوجئت بمكالمة هاتفية منه يخبرنى فيها باندلاع الحرب، ويطلب منى أن أصطحب أبناءنا، وأن أغادر المعسكر فى الحال، وبالفعل عدت إلى القاهرة عند أسرتى».
واستطردت: «كان فى حالة نفسية سيئة جدًا عقب النكسة، رغم أنه نفذ الكثير من المهمات البطولية خلال الحرب، وكان آخر ضابط انسحب، وقبل انسحابه فجّر جميع خطوط مياه سيناء حتى لا يستفيد منها العدو، إلا أنه رأى زملاءه فى حالة مزرية، فقد تم احتلالنا بالفعل.
وتابعت: «بعد أن عاد إلى القاهرة على الفور بدأ المشاركة مع باقى القادة فى تجهيز خطة الحرب، لأنه كان يشعر بحتمية وضرورة الثأر واستعادة الأراضى من العدو، ورد هيبتنا الكاملة وتحرير بلادنا، وفى هذه الأثناء، كان دائم الحضور على الجبهة، ولم نكن نراه إلا مرات نادرة ورغم أن الحياة كانت صعبة فى ظل غيابه، لكننا كنا ندعمه ونسانده».
وعن ذكرياتها أثناء حرب أكتوبر، قالت: «لم أكن أعرف موعد الحرب، لكن زوجى فى إحدى المرات، كان يجلس بجوارى، ويشاهد أحد خطابات الرئيس السادات على التليفزيون، وفجأة قال الشهيد وهو سعيد للغاية أيوه كده أيوه كده، وذهب مسرعًا لغرفة مكتبه، بمنتهى الحماس، وأنا لم أكن أعرف ما يعنيه ذلك، لكن يبدو أنه فهم من كلام الرئيس السادات أن الحرب اقتربت».
وأضافت: «موعد الحرب لم يكن معلومًا، لكنى شعرت بأن زوجى مقبل على شىء مهم للغاية لكنه يرفض الإفصاح عنه، لأنه ضم أولادنا فى حضنه وقبّلهم بقوة، وأصر على مرافقة ابننا عبدالحميد إلى المدرسة لأول مرة رغم أن أتوبيس المدرسة كان يقله يوميًا. وبعد أن عاد ابنى من المدرسة قال لى إن والده قبله، وقال له خلى بالك من ماما وإخواتك يا عبدالحميد».
وعبّرت عن إحساسها خلال هذه الفترة قائلة: «كل هذه الأمور كانت تعصر قلبى، لكن لم يكن بيدى شىء، وأذكر أنه فى آخر مكالمة بيننا قبل الحرب وكنا فى رمضان وقتها قال لى خلى بالك من نفسك، وانتبهى للأولاد، وبعد هذه المكالمة بعدة أيام اندلعت الحرب، وكانت بمثابة صدمة قوية بالنسبة لى، رغم أننى كنت أعرف أن هناك أمرًا ما سيحدث».
وتابعت: «مساء يوم ١٣ أكتوبر هاتفنى اللواء جلال سرى، رحمة الله عليه، وساعدنى على التواصل مع زوجى، وبالفعل باركت له على النصر، وتحدث إلى أبنائنا، وهنأوه بالنصر، وقد استشهد أثناء مشاركته جنوده فى إعادة إنشاء كوبرى لتمر عليه قوات فى مهمة ضرورية لدعم وتطوير الحرب، وخلال المهمة ظهرت مجموعة من البراطيم- وهو تعبير دارج يعنى الجزء الطافى فى البحر أو النهر، يُصنع من مواد خفيفة قابلة للطفو، يستخدم كمعدية متجهة بفعل تيار الماء إلى الجزء الذى تم إنشاؤه من الكوبرى- معرّضة هذا الجزء إلى الخطر، وبسرعة بديهة قفز الشهيد إلى ناقلة برمائية، كانت تقف على الشاطئ قرب الكوبرى، وقادها بنفسه، وسحب بها البراطيم بعيدًا عن منطقة العمل، ثم عاد إلى جنوده لاستكمال العمل رغم القصف الجوى المستمر، وقبل الانتهاء من إنشاء الكوبرى، أصيب بشظية، وهو واقف بين جنوده، وكانت هذه إصابته الوحيدة، وكان هو المصاب الوحيد بين الحاضرين واستشهد فى الحال».
وأكدت زوجة البطل أنها لم تعرف نبأ استشهاده إلا بعد ١٠ أيام، وتحديدًا صباح أول أيام عيد الفطر، عندما زارتها أسرتها على غير المعتاد، لأنها اعتادت أن تذهب إليهم، وليس العكس فشعرت أن أمرًا جللًا حدث، وحينها أخبروها باستشهاد البطل وهو الخبر الذى قالت عنه «لا أستطيع وصف كيف كان وقع الخبر علىّ وكم آلمنى»، موضحة أن أسرتها كانت تعرف بنبأ استشهاد زوجها قبل أن يخبروها بيومين لكنهم لم يخبروها.
واستطردت قائلة إن اللواء أحمد حمدى استشهد فى الحرب تاركًا لها ثلاثة أبناء الأولى أمنية ١٢ عامًا، وقتها، والثانى عبدالحميد ٩ سنوات، والثالثة نجلاء ٤ سنوات، موضحة أن نجلاء الصغرى ولا تتذكر هذه الأيام جيدًا، لكن أمنية وعبدالحميد يتذكران والدهما جيدًا، وكيف كان يعاملهما معاملة راقية.
وقالت: «كان دائمًا ما يسرد لهم قصص بطولات الحرب، ويزرع فى قلوبهم الوطنية وحب الوطن وهو ما تعلمته منه، وسعيت جاهدة للحفاظ عليه، والحمد لله تخرجت أمنية فى كلية الصيدلة بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف، وتخرج عبدالحميد فى الأكاديمية العربية للنقل البحرى، كما تخرجت نجلاء فى كلية الألسن بدرجة جيد جدًا».
أما عن ذكرياتها أثناء الحرب، فأوضحت أن الحرب لم تأخذ وقتًا طويلًا، وكل ما كان يشغل بالها حينها هو الوصول لأخبار عن اللواء أحمد حمدى، فذكرياتها خلال هذه الفترة مؤلمة للغاية ولا تستطيع الحديث عنها قائلة «حمدًا لله، فقد نصر الله البطل بنصر أكتوبر والشهادة معًا وهو أهم شىء له ولى.
وتابعت: «جرى تكريم اسم الشهيد بعد ذلك عدة تكريمات، حيث كان أول تكريم له هو تخريج دفعة من طلبة الكلية الحربية باسمه، ومنحه سيف الشرف، كما اختاره الرئيس السادات ليكون من ضمن الأبطال الذين جرى تخليد ذكراهم للأجيال المقبلة وأطلق اسمه على نفق شهير هو نفق الشهيد أحمد حمدى، كما قرر الرئيس السيسى تسمية الفرع الثانى للنفق باسمه أيضًا، إضافة إلى أن نقابة المهندسين قررت جعل يوم المهندس يوافق يوم استشهاد البطل، فضلًا عن أنه حصل على نجمة سيناء من الطبقة الأولى».
وأشادت زوجة البطل بدوره فى الحرب المجيدة قائلة: «كان سببًا رئيسيًا فى نصر أكتوبر ١٩٧٣ لأنه من أنشأ وصمم ونفذ المعابر الرئيسية التى عبرت منها القوات إلى الضفة الأخرى من القناة، فقد كان قائد لواء المهندسين المخصص لتنفيذ الأعمال الهندسية بالجيش الثانى الميدانى وتم تحت إشرافه تصنيع وحدات لواء الكبارى واستكمال معدات وبراطيم العبور وكان له الدور الرئيسى فى تطوير الكبارى الروسية الصنع لتلائم ظروف قناة السويس، وطوّر تركيب الكبارى ليصبح تركيبها فى ٦ ساعات بدلًا من ٧٤ ساعة، إضافة إلى أنه صمّم وصنع كوبرى علويًا يتم تركيبه على أسس ومواسير حديدية يتم سحبها وتركيبها لاستخدامها فى حالة فشل قوات الصاعقة فى غلق فتحات النابلم فى القناة».
وأوضحت أن الشهيد كان يحمل رتبة أركان حرب عميد مهندس وقت الحرب، لكنه كُرِم بعد ذلك بترقيته إلى رتبة لواء، لأنه كان على درجة ترقية، مستطردة: «رغم ذلك، أرى أنه يستحق رتبة فريق لأنه تمت ترقيته لرتبة لواء وهو فى الحرب من الفريق سعد الدين الشاذلى، لكنه استشهد وعندما حدثت الثغرة جرى وقف جميع الترقيات الاستثنائية رغم عدم حضور البطل لها، حيث استشهد قبل الثغرة».