بكل فخر «صنع فى مصر».. تفاصيل الخطة الشاملة لإحياء العصر الذهبى لصناعة الغزل والنسيج
بعد عقود من الإهمال والتراجع والخسائر المتزايدة، عاد الاهتمام بصناعة الغزل والنسيج، التى كانت إحدى أهم الصناعات الاستراتيجية المصرية لسنوات طويلة، فى إطار خطة تحديث شاملة، استهدفت إعادة إحياء تلك الصناعة، وبدأ تنفيذها منذ عام ٢٠١٦.
واشتملت الخطة على تطوير واسع لكل مفردات الصناعة، بدءًا من زيادة الرقعة المزروعة بالقطن طويل وقصير التيلة، مرورًا بدمج وتطوير محالج الأقطان التى لم تشهد تطويرًا منذ نحو قرن، مع تحديث المصانع بشكل كامل، واستحداث مصانع وخطوط إنتاج جديدة، ووصولًا إلى إطلاق علامات تجارية مصرية لغزو الأسواق العالمية.
واستهدفت الخطة تحويل الخسائر المطردة فى قطاع الغزل والنسيج، التى كانت تقدر بنحو ٣٣ مليار جنيه سنويًا، إلى أرباح تزيد على ٣ مليارات جنيه، مع العمل على خفض فاتورة الاستيراد من مدخلات الصناعة، وزيادة الصادرات من الملابس بشكل متزايد، بهدف إعادة المنتجات المصرية من المنسوجات والملابس إلى عرشها الذهبى، لتصبح «ماركة عالمية مسجلة» كما كانت لقرون طويلة.
بدأ تنفيذها منذ 2016 وتنتهى فى 2024 بتمويل 50 مليار جنيه
أكثر من ٣٣ مليار جنيه كانت خسائر صناعة الغزل والنسيج الحكومية فى مصر نتيجة إهمال التطوير خلال العهود السابقة، ومنذ عام ٢٠١٦ وضعت مصر خطة شاملة من أجل إحياء تلك الصناعة مجددًا، بعد دراسة من أحد المكاتب العالمية المتخصصة.
ونفذت الخطة، وفقًا للدكتور أحمد مصطفى، رئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج، إحدى شركات وزارة قطاع الأعمال العام، على مدار السنوات الماضية، فى عهد ٤ وزراء قطاع أعمال، إلى أن بدأت تجنى ثمارها حاليًا.
ووفقًا لرئيس «القابضة للغزل والنسيج»، فقد بدأ وضع خطة التطوير الشاملة فى عهد الوزير الراحل الدكتور أشرف الشرقاوى فى عام ٢٠١٦، ثم مرت بعهد الوزير الأسبق خالد بدوى، إلى أن دخلت حيز التنفيذ فى عهد الوزير السابق هشام توفيق فى عام ٢٠١٨، ووصلت إلى مرحلة جنى ثمار الإنجاز خلال عهد الوزير الحالى الدكتور محمود عصمت.
وتضمنت الخطة دمج شركات الغزل والنسيج، وكان عددها يبلغ ٣٢ شركة، اندمجت فى ٨ شركات صناعية وشركة لتداول وتجارة الأقطان، كما تضمنت دمج محالج الأقطان، التى بلغ عددها ٢٤ محلج قطن، لتصبح ٧ محالج فقط حاليًا.
وارتفع حجم تمويل صناعة الغزل والنسيج منذ عام ٢٠١٨، الذى كان يبلغ وقتها نحو ٢١ مليار جنيه، إلى ٣٠ مليار جنيه فى عام ٢٠٢٢، ثم ارتفع مجددًا إلى ٥٠ مليار جنيه، لمواكبة ما حدث من أزمات نتيجة التأثر بالأوضاع العالمية. واشتملت مصادر تمويل الخطة على بيع أجزاء من أراضى مصانع ومحالج الغزل والنسيج لهيئة المجتمعات العمرانية، بقيمة بلغت حوالى ١٠ مليارات جنيه، إلى جانب تمويل من بنك الاستثمار القومى بقيمة ١.٥ مليار جنيه، مع سداد مديونيات للبنك مقابل أراضٍ، بالإضافة إلى الحصول على قرض من مؤسسات التمويل الدولية بأكثر من ٥٠٠ مليون يورو، بضمان من وزارة المالية، على أن يتم سدادها عبر الصادرات، مع استهداف تصدير نحو ٧٠٪ من حجم الإنتاج.
واشتملت مراحل تنفيذ خطة التطوير الشاملة على تحديد المراكز الصناعية والتصديرية الكبرى، مثل غزل المحلة، وهى القلعة الصناعية الكبرى، التى تحتوى على عدد كبير من المصانع، وحصلت على نسبة ٤٠٪ من حجم استثمارات الخطة، وتقرر أن يكون بها أكبر مصنع للغزل والنسيج فى العالم، وهو مصنع «١»، ويستوعب أكثر من ١٨٠ ألف مردن غزل، إلى جانب مصنع غزل «٤»، بطاقة إنتاجية ١٥ طنًا يوميًا، بخلاف عدة مصانع أخرى.
«نيت» و«محلة» تغزوان العالم.. والقميص المصرى أبرز الصادرات
اشتملت الخطة الشاملة على تطوير مصنع دمياط للغزل والنسيج، الذى يحتوى على أول مصنع لإنتاج أقمشة الجينز فى مصر، ما يعمل على خفض فاتورة الاستيراد من أقمشة الجينز، بل والتصدير للخارج، واشتملت أيضًا على تطوير مصنع كفر الدوار.
وتضمنت خطة التصنيع إنتاج القميص المصرى من القطن الفاخر طويل التيلة، الذى يتمتع بسمعة طيبة فى الأسواق العالمية، تحت شعار «بكل فخر.. صنع فى مصر»، بخلاف الملابس الداخلية والمفروشات.
كما تم تأسيس شركة لتسويق المنتجات المصرية، وتم وضع علامتين تجاريتين لمنتجات الغزل والنسيج الجديدة، حملت إحداهما مسمى «محلة»؛ لتكون علامة على منتجات مصانع المحلة الكبرى، وحملت الأخرى اسم «نيت»؛ لتكون علامة على منتجات المصانع الأخرى.
ومن المقرر، وفقًا لخطة وزارة قطاع الأعمال العام، أن يتم الانتهاء من تطوير المصانع خلال العام المقبل ٢٠٢٤، بعد أن تم تشغيل أول مصنع مطور بالفعل، ويجرى حاليًا الانتهاء من إنشاء وتشغيل أكبر مصنع للغزل والنسيج فى العالم بالمحلة الكبرى، بالإضافة إلى مصنع الجينز بدمياط.
ووفقًا للخطة، فمن المستهدف تحقيق أرباح تبلغ ٣ مليارات جنيه خلال السنوات الخمس المقبلة، ما يسمح بسداد القروض التى تم الحصول عليها من مؤسسات التمويل الدولية لتنفيذ الخطة.
وفى إطار الخطة، يجرى العمل على تشجيع المزارعين لزيادة الرقعة الزراعية من القطن طويل التيلة، كما يتم العمل على تنظيم تداول تجارة القطن وإدراجه ضمن بورصة السلع.
ومن أجل عودة القطن المصرى للريادة عالميًا، تم بالفعل إنشاء ٧ محالج جديدة بتكنولوجيا حديثة، خاصة أن المحالج القديمة لم يتم تطويرها منذ أكثر من قرن، وبالتالى فإن التكنولوجيا الحديثة ستحقق ارتفاعًا فى جودة القطن المصرى المستخدم فى صناعات الغزل والنسيج، وسترفع أيضًا من جودة المنتجات المصدرة.
وفى إطار العمل على خفض فاتورة استيراد القطن قصير التيلة، الذى يتم استخدام غزله أيضًا فى صناعة الملابس المحلية، تم التوسع فى زراعة هذا النوع من الأقطان، لتوفيره للسوق والمصانع التى تحتاجه. وعن خطة التطوير الشاملة، قال الدكتور محمود عمصت، وزير قطاع الأعمال العام، إن تطوير مصانع الغزل والنسيج الحكومية كانت على رأس أولويات مهامه منذ تكليفه بالوزارة، موضحًا أن تنفيذ الخطة شهد العديد من التحديات وحظى بدعم واسع من القيادة السياسية.
وأوضح أن تنمية الصناعات المحلية، وعلى رأسها صناعة الغزل والنسيج، حظيت باهتمام واسع من الدولة، إلى أن تم التغلب على جميع التحديات التى تواجه الصناعات الاستراتيجية المهمة، مشيرًا إلى أن أول مصنع مطور بالمحلة الكبرى أصبح جاهزًا للافتتاح الرئاسى.
«اتحاد الصناعات»: تحول استراتيجى نحو التصدير.. والتزام حكومى بتحسين الإنتاج
قال المهندس محمد المرشدى، رئيس غرفة الصناعات النسجية باتحاد الصناعات المصرية، إن صناعة الغزل والنسيج المصرية تعد واحدة من أقدم الصناعات التى عرفتها البشرية، لأنها كانت صناعة مهمة فى عصور الحضارة المصرية القديمة.
وأوضح أنه بمرور الوقت شهدت هذه الصناعة تحديات عديدة فى مصر، مما أدى إلى تراجع دورها، وتراجع قدراتها الإنتاجية والتنافسية، مضيفًا أن مصر شهدت فى السنوات الأخيرة نجاحًا ملحوظًا فى تطوير مصانع الغزل والنسيج الحكومية، ما يسمح بعودة صناعة الغزل والنسيج إلى عرشها الذهبى.
وأوضح أن التحديث وتحسين البنية التحتية للصناعة، هما من أهم العوامل الرئيسية التى أسهمت فى نجاح مصر فى تطوير مصانع الغزل والنسيج الحكومية، لافتًا إلى أنه تم الاستثمار فى تحديث المعدات والآلات القديمة، وتطوير التقنيات والعمليات الإنتاجية، مما أدى إلى زيادة القدرات الإنتاجية وتحسين جودة المنتجات، بالإضافة إلى أنه تم توفير التدريب والتطوير المهنى للعاملين فى تلك المصانع؛ لتعزيز مهاراتهم وزيادة كفاءتهم.
وأشار إلى أن السياسات الحكومية لعبت دورًا مهمًا فى تطوير صناعة الغزل والنسيج فى مصر، بعد أن قامت الحكومة بتبنى سياسات وبرامج داعمة، تهدف إلى تعزيز الصناعة وتوفير بيئة ملائمة للاستثمار فى هذا القطاع، مع تقديم مجموعة من الحوافز والامتيازات للشركات العاملة فيه، تضمنت تخفيض الضرائب والرسوم، ومنح تسهيلات للتمويل، بالإضافة إلى توفير الدعم الفنى والاستشارى، وتسهيلات الوصول إلى السوق.
وأضاف: «شهدت صناعة الغزل والنسيج فى مصر تحولًا استراتيجيًا نحو التصدير، بعد أن تم التركيز على زيادة حصة التصدير وتوسيع الأسواق الخارجية، ووفرت الحكومة الدعم اللازم للشركات، من أجل الترويج لمنتجاتها فى الأسواق العالمية، والمشاركة فى المعارض والمؤتمرات الدولية، كما تم تطوير استراتيجيات التسويق والتصدير، وتعزيز العلاقات التجارية مع الشركاء الدوليين، مما أدى إلى زيادة حجم الصادرات وارتفاع الإيرادات».
وتابع: «لاستدامة نجاح صناعة الغزل والنسيج فى مصر يجب أن تستمر الحكومة والقطاع الخاص فى التعاون والاستثمار فى تحسين البنية التحتية، وتشجيع الابتكار والتصدير، وتوفير التدريب والتطوير المهنى، ويجب أيضًا تعزيز التعاون بين الجامعات والمصانع، وتشجيع روح الابتكار والريادة فى هذا القطاع».
فيما قال المهندس إبراهيم المناسترلى، عضو مجلس إدارة شركة دمياط للغزل والنسيج، إحدى شركات وزارة قطاع الأعمال العام، إن تحقيق استدامة النجاح والتطور فى صناعة الغزل والنسيج فى مصر يحتاج إلى وجود استراتيجيات طويلة الأجل، تستهدف تطوير التكنولوجيا وتعزيز الابتكار فى مجالات، مثل الألياف الذكية والمواد المستدامة، بالإضافة إلى الاهتمام بتطوير سلسلة التوريد واللوجستيات، لتحسين كفاءة الإنتاج وتقليل التكاليف.