أشرف مروان والكهول المتصارعة
«فن الحرب الأسمى هو إخضاع عدوك دون قتال» جملة يدركها جيدًا أصحاب الانتصارات الدبلوماسية، لكن حرب أكتوبر أسست مبدأ حصريًا، بأن «تخضع عدوك للقتال» و«تخضعه مرة أخرى بعد القتال» حيث نجحت مصر بتحرير أرضها بعملية متكاملة سياسيا وعسكريا، وتمكنت من إخراج المحتل من أي نقطة فيها. ولأن فصول الحكاية وأسرارها لم يحن الوقت أن تروى بعد.. شكرًا على حسن تعاونكم معنا، مقدمًا!
الصراع المتجدد بين جهاز المخابرات الإسرائيلي «الموساد» وشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي «أمان» بات أشرس الآن، ويدور في جزء منه حول "أشرف مروان"، وهل أبلغ إسرائيل بكل تفاصيل حرب أكتوبر؟ التي نحتفل بالذكرى الـ 50 لانتصارنا المجيد فيها بعد أقل من 30 يومًا.
كل عام، انتظر الجدل الإسرائيلي «المُنظم» حول أشرف مروان مع اقتراب ذكرى الحرب، فالمناورات العلنية بين أجهزة الاستخبارات تجعلك تتكشف خيوطًا لوقائع مثيرة، تتبعها ليغيب الضباب من حولها.
و"جدال" هذا العام بدأ من اسم الكتاب الجديد الذي طرحه الموساد "ذات يوم.. حين يكون الحديث مسموحًا"، والذي جاء بمثابة رسالة علنية من الموساد إلى آمان بأن حرب المعلومات بينهما لم تنتهِ، وأن القلم الذي تلقته إسرائيل في حرب أكتوبر بسبب "أمان".
تقول التقارير في إسرائيل إن الكتاب يأتي دفاعا عن الاتهامات التي يواجهها الموساد في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بالفشل في حرب أكتوبر، وما هو السبب في تأخر تلقي التحذير بالحرب، وهو الأمر الذي لم يجيب عنه الكتاب بشكل واضح أصلًا، في السنوات الأولى بعد الحرب (بعد أن كانت الاتهامات موجهة إلى الاستخبارات العسكرية منذ التحقيقات الإسرائيلية في أسباب الفشل في التصدي للحرب).
يكشف الكتاب، بحسب ما كشفته صحيفة "يديعوت أحرونوت" عنه، أن العلاقات بين رأسي جهازي المخابرات في إسرائيل لم تكن في وفاق بسبب دوائر تواصلهم داخل الحكومة، فـ"تسفي زميرا" رئيس الموساد كان أقرب في علاقته إلى جولدا مائير رئيس الوزراء آنذاك، بينما «إيلي زعيرا» كان أقرب إلى موشيه ديان وزير الجيش، إذًا كانت هناك إشكالية بينهما في الأساس.
لا أسعى هنا إلى التطرق لما تدعيه إسرائيل، أرى أن العبرة بالنتائج على الأرض أفضل، فالجيش المصري نجح في العبور وفي تحرير أرضه، والقيادة المصرية نجحت في عملية سياسية وتحكيم دولي دون أن تتنازل عن شبر واحد من الأرض، كل ذلك وأكثر متحقق الآن، فماذا لو كانت إسرائيل تعلم كل التفاصيل بالفعل ومنيت بكل هذه الهزيمة؟ هذا سيكون فشلا آخر يضاف إلى فشلها في الحرب.
نحن الآن أمام اكتشاف خديعة أخرى لإسرائيل.. فأي من أبطال عالم الاستخبارات ظل الجدل حوله لمدة 50 سنة؟ منهم حوالي 20 عامًا في العلن! تخيل أن الجهة التي تدعي أن أشرف مروان كان عميلا مزدوجًا ويتعاون معها واستفادت منه، هي وحدها التي تستميت كل عام في أن تردد ذلك أيضًا، وهي التي هزمت في الحرب.
نرى الآن كهولا تتصارع أجهزتها على هزيمة جرت منذ 50 عامًا، تريد أن تبرد ماء وجهها بأي وسيلة، وخيرها لديهم هو "أشرف مروان" صهر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ومدير المعلومات الخاص بالرئيس الراحل محمد أنور السادات. زمير صاحب الـ98 عامًا وزعيرا الذي يصغره بثلاثة أعوام، كل منهما يحاول التعلق بقشة "أشرف مروان" ليقول إنه البطل البريء بينما الآخر هو الذي يتحمل الكارثة، ليقول إن مروان كان متعاونا معهم وليس عميلا مزدوجا.
"أشرف مروان" لم يضلل إسرائيل (باعترافاتهم) قبل الحرب فقط، لكنه - إلى الآن - يتسبب في انقسام، بل فتنة واضحة، بين الموساد وأمان، أذرع إسرائيل المعلوماتية. مروان يمثل الخديعة المستمرة لتل أبيب، "وهم الصديق" الذي جعل رئيس الموساد لا يرى الحرب إلا والطيران المصري يفقدهم توازنهم ظهر يوم 6 أكتوبر 1973.