محمود دياب.. قصة القاضى الذى ترك منصة القضاء لأجل خشبة المسرح
رغم وصوله لأرفع منصب قضائي- مستشار بمجلس قضايا الدولة- إلا أن محمود دياب المولود في مثل هذا اليوم من العام 1932، ترك منصة القضاء لأجل خشبة المسرح.
ويعد محمود دياب- بحسب الناقد والمؤرخ الأدبي مصطفي بيومي- في طليعة الصف الأول من كتاب المسرح المصري، فهو من أبدع "الزوبعة" و"ليالي الحصاد" و"الهلافيت" و"باب الفتوح" و"أهل الكهف 74" وغيرها من الروائع، فضلًا عن روايتين من علامات الرواية المصرية: "الظلال في الجانب الآخر" و"طفل في الحي العربي".
مثل زرقاء اليمامة يتقن "دياب" القراءة المبكرة للتحولات الاجتماعية والسياسية قبل وقوعها، وسرعان ما يترجم وعيه النظري الثاقب إلى مسرحيات متقنة البناء، سلسة اللغة، عميقة الفكر، ذات شخصيات متماسكة، هكذا يكتب "رسول من قرية تميرة للاستفهام عن مسألة الحرب والسلام" بعد أسابيع قليلة من توقيع اتفاقية فض الاشتباك، ثم يقدم رائعته "أهل الكهف 74" كأنه يعايش ويرى ما سوف يكون.
رحلة محمود دياب من منصة القضاء إلى دنيا الأدب والفن
يذكر الناقد الراحل دكتور حسن عطية، عن الكاتب المسرحي محمود دياب: "عندما نزح محمود دياب من الإسماعيلية مسقط رأسه إلي القاهرة، قوبل بحفاوة جماهيرية ونقدية ملحوظة، ربما لأن "دياب" صار في الطريق التقليدي لكتابة مسرحية تتحدث عن التفاوت الطبقي بين الناس "اللي فوق واللي تحت" على طريقة نعمان عاشور مسرحيًا وصلاح أبوسيف سينمائيًا، ومن هم أقل منهما موهبة وحرفة ممن ساروا على دروب ثورة يوليو في الانحياز فنيًا وأدبيًا للفقراء وإدانة الأثرياء، ومتخذًا موقفًا أيديولوجيًا حادًا تجاه الطبقة الأرستقراطية".
كتب محمود دياب أول أعماله المسرحية عام 1951 بعنوان "البيانو"، ولحقها بمسرحية "الضيوف" وإن تأخر في تقديمهما حتى عام 1968، وهو المؤمن بالعروبة التي ازدهرت في ستينيات القرن المنصرم، ورأى فيها أهم أبعاد الشخصية المصرية، فلم يتعلق بالبعد البحر متوسطي كثيرًا ولم ينشغل بالبعد الفرعوني، وظل يفتش في التربة المصرية وحكايات شعبها عن هذا البعد اللغوي والمعرفي الذي صبغ هذه الشخصية بصبغة خاصة، وراح بإبداعه الراقي يأمل أن يرتفع بوعيها لمصاف العدل والتقدم، مما فتح أبواب الإبداع أمام موهبته الفريدة، فكتب القصة القصيرة والرواية والمسرحية القصيرة والطويلة، وأعد القصص السينمائية وشارك في كتابة السيناريو والحوار لقصصه وقصص غيره.
محمود دياب والتعبير عن الروح المصرية
ويلفت حسن عطية في كتابه "محمود دياب.. مسرح التحولات"، إلى أن محمود دياب كان الشغل الشاغل في مسيرته الإبداعية هو التعبير عن الروح المصرية، فصاغ في الستينيات أعمالًا روائية ومسرحية قدمت على مسارح الدولة، وشغلت الجمهور والحركة النقدية كثيرًا، وتنقلت موضوعاتها بين أجواء المدينة وقضايا طبقتها المتوسطة وأجواء الريف وهموم أهله البسطاء، مقدمًا نفسه بنص "المعجزة" الذي لفت نظر بعض النقاد إليه بعد فوزه بجائزة مؤسسة المسرح والموسيقي عام 1962، وفيها طرح لقضية التأميم للمصانع الخاصة، وأحقية العاملين فيها لها، دعمًا لعملية التأميم التي قامت بها الدولة للمصانع بداية من عام 1961 وتمليكها لعمالها.
وتتصل أفكاره بنفس ما طرحه في مسرحيته الطويلة التالية "البيت القديم" التي فازت بدورها بجائزة مجمع اللغة العربية عام 1963، وقد أخرجها علي الغندور لفرقة المسرح الحديث وقدمت على مسرح الهوسابير في منتصف عام 1964.
وفي سياق بحثه عن سمات الشخصية المصرية وفنون الفرجة عندها، التقت أفكار محمود دياب بأفكار يوسف إدريس التي أعلنها نهاية عام 1963 بمقالاته الداعية إلى البحث عن مسرح مصري عربي، وبمسرحيته الفريدة "الفرافير"، وكذلك دعوة توفيق الحكيم المنادي بالكشف عن قالبنا المسرحي، وكذلك دعوات دكتور علي الراعي للعودة لجذور الفرجة الشعبية، مما حفز محمود دياب لكتابة أقرب النصوص المحققة لهذه الدعوات، فكتب "ليالي الحصاد"، التي أخرجها دكتور أحمد عبدالحليم لفرقة المسرح الحديث عام 1967، وبعث فيها ألاعيب التقليد الساخر من الصبية للكبار في حفلات السمر الريفية المصرية، مع الاستفادة من تقنية التمثيل داخل التمثيل الغربية، لامسًا في نصه الفوارق الاجتماعية بين البسطاء والأعيان.