«الدستور» تخترق عالم «المشاهرة».. 7 خطوات فوق رأس ذبيحة لـ«الحمل والرضاعة»
«الخِلفة»، لا تزال أحد أكبر الهواجس التي تهاجم رأس العروس بقوة خصوصا في الأشهر الأولى من الزواج، ومع تأخر الحمل وزيادة القيل والقال من الأهل والأقارب والأصدقاء، لا تترك العروس باباً إلا وطرقته، من عيادات الأطباء إلى معامل التحاليل مروراً حتى بالدجالين وانتهاء بما يُعرف بـ«المشاهرة».
«المشاهرة» لا تزال إحدى أقوى الخرافات التي يلجأ إليها البعض خصوصاً في المناطق الشعبية والريفية والفئات التي لم تحظ بقدر وافر من التعليم.
وتنتشر حول «المشاهرة»، العديد من الخرافات الهامشية ومنها عدم جواز خروج العروس من بيتها قبل أن ينتهي شهر عربي ويبدأ آخر بعد زواجها، وكذلك التي أنجبت، لا يجوز الدخول عليها بأي لحوم أو باذنجان، أو شخص حلق شعره للتو، وهي المعتقدات التي يرى فيها هؤلاء سبباً لعقر العروس وعدم نزول الحليب على المرضع، وهناك مثل يقول: «لا ترضعيه أمام عقيم ليهرب الحليب».
لقاء ممنوع
ومن المعتقدات السائدة أيضاً عدم التقاء عروسين تزوجتا في اليوم نفسه وذلك لأنهما «هيشاهروا بعض، وواحدة هتخلف والتانيه هتتكبس».
ومن المعتقدات السائدة كذلك في هذا الإطار، مرور المرأة التي تريد الإنجاب فوق رأس الذبيحة 7 خطوات أو السير في المقابر ليلاً أو النوم تحت قطار أو التدحرج من فوق مكان مرتفع أو زيارة الأولياء والطواف حول الأضرحة.
«الدستور» في زيارة لقِبلة «الراغبات في الإنجاب»
في مجزر البساتين بمحافظة القاهرة، تساعد «أم فارس» النساء في الخطو 7 خطوات فوق دماء الذبيحة وهي تُفكٍر في مرادها وأبرزها «الخِلفة».
تقول «أم فارس» لـ«الدستور»: «أنا شغّالة هنا ولما بنت بتيجي بجري عليها لكي ألبي لها رغبتها في الخطو 7 مرات على العجل، وبساعدها بإني أمسك إيديها».
وتضيف: «لا يعلم أحد إذا كانت هذه الأمور مجرّد خرافات، أم هي حقيقة يغفلها البعض، فهناك زيارات دائمة ومستمرة للنساء في كل وقت، ومن مختلف المحافظات واللائي عادة ما يأتين في اليوم الذي يلي انتهاء الدورة الشهرية».
يقول «عم أحمد» لـ«الدستور» وهو رجل في الخمسين من عمره، ويعمل في المجزر منذ صغره، إنه يرى فتيات ونساء يعتقدون كثيراً في هذه الأمور.
ويضيف: «الأمر كله في إيد ربنا بس إحنا بنريّح الناس عشان بيبقوا عشمانين وعايزين أي أمل، والغريب أنه فيه فتيات بتحمل فعلاً بعد شهر من تخطيها الذبيحة».
ماذا يقول العلم؟
«صُدفة ليس لها أي صلة من قريب أو بعيد بالحمل»، هكذا تحدث الدكتور علي عبدالراضي، استشاري التأهيل النفسي في جامعة عين شمس.
يقول «عبدالراضي» لـ«الدستور»: «المشاهرة موروث شعبي يتعلّق بالتأخر الحمل. وحتى في ظل التقدم العلمي تحدث مثل هذه الممارسات، وأبرزها السينما في فيلم (العمدة) الذي شهد تعرّض الفنانة سناء جميل لصدمة عند السكة الحديدية عشان تقدر تخلف، ومن هذه المواقف أيضاً السير في القبور ليلاً أو دخول غرفة عمليات عقب عملية جراحية أو دخول ثلاجة موتى أو التخطي على كائنات ميتة، جميعها معتقدات خرافية».
ومن حكايات النساء، تقول «أم فارس»: «بسمع حكاوي ياما، وفيه منهم بعد ما بيحصل حمل بيرجعوا هنا تاني ويدوروا عليّا عشان يراضوني لأنهم بيأملوا خير فيّا بمساعدتي في إني أمسك إيد البنت وأخليها تمر 7 خطوات برجليها اليمين من فوق رأس العجل».
وتروي أن شقيقتها منذ 20 عاماً تقريباً ذهبت إلى المذبح ومرت فوق رأس العجل المذبوح 7 مرات وبالفعل استطاعت أن تنجب.
وفي داخل المجزر، التقينا «محمد» وهو جزّار، يقول لـ«الدستور»: «كل امرأة تأتي إليّ للمرور فوق عجل أذبحه أسمح لها بذلك، ولو أن الأمر كله بيد الله وحده، لكني ألبي رغبتها بهدف الثواب».
ويفسّر: «الناس بتبقى عاملة زي الغرقان المتعلق بقشّاية فبنساعدهم».
أما عن مَن تريد الإرضاع بطريقة طبيعية، فيكون ذلك من خلال إعطائها قطنة دم من نفس الحيوان المذبوح الذي مرّت عليه أخرى تريد الإنجاب، وتضع هذه القطنة في صدرها لمدة يوم كامل.
حكايات لا تنتهي بالمجزر
ولا تنتهي حكايات «المشاهرة» عند زيارة المجزر، فمن بين المعتقدات الشائعة كذلك السير في المقابر ليلاً والمرور أعلى بعض الأحجار التي يقال إن لها بركة لجلبها من السعودية وتغيير المنزل.
تقول مليحة مندور، وهي امرأة ثمانينية، لـ«الدستور»، إن «المشاهرة» من المعتقدات الأسياسية التي تؤمن بها نساء الصعيد.
وتضيف وهي عجوز من محافظة قنا: «المشاهرة بقت في دمنا من كتر ماحنا مؤمنين بيها وفيه طقوس بنعملها بتريح بالنا شوية من القلق وبعد إرادة ربنا بنشوف خير كتير».
وتشير إلى وسيلة أخرى تلجأ إليها بعض النساء جلباً للحمل ومعروفة باسم «الكحريتة» وفيها تزور المرأة مكاناً وسط الجبال يشترط أن يتضمن ضريحاً تزوه هذه المرأة ثم تغتسل ويلفها أهلها في ملاءة قبل أن تتدرج على الأرض.
ومن قنا إلى أسيوط، تقول كاملة محمود، وهي عجوز ثمانينية، إن معتقد المشاهرة وراثة لديهم منذ قديم الأزل، ومن ذلك عدم تعرّض العروس لرؤية شخص حالق ذقنه لمدة 40 يوماً حتى لا ينقطع حليبها.
وتضيف لـ«الدستور» أن وجود الباذنجان في غرفة المرأة التي أنجبت يحميها من التعرّض للمشاهرة إذا دخلت عليها امرأة بعذرها الشهري أو كانت حاملاً وأجهضت.
من الشام والحجاز إلى مصر
يقول الدكتور شريف شعبان، الباحث في الآثار المصرية، إنّ «المشاهرة» لم تكن معروفة بشكل كبير في مصر القديمة، لكنها وردت إلى مصر من الشام والحجاز مع العرب قبل الإسلام، ولكن دون معرفة تاريخ محدد لذلك.
ويضيف: «مع وجود علاقات تجارية وثقافية بين مصر والشام والجزيرة في العصور القديمة توارثت معتقد المشاهرة».
شاعر وباحث في التراث الشعبي: «المشاهرة» أساس لدى النساء.. والخرافة يمكن الإيمان بها
يقول مسعود شومان وهو شاعر وباحث في التراث الشعبي إنّ طقس «المشاهرة» واحد من عناصر المعتقد الشعبي المصري المنتشر خصوصاً في قرى الدلتا والصعيد، ولا يزال حاضرًا بقوة لدى الكثير من النساء.
ويضيف لـ«الدستور» أن طقس «المشاهرة» يتجلّى في نوعين أساسيين «بعد الزواج» و«ما بعد الإنجاب»، حيث يُخشى بعد الزواج من «كبس الفتاة»، أي عدم حملها، وامتناع الحليب لدى مَن أنجبت حديثًا.
ويشير إلى أن زيارة الأولياء ومقام «السبع بنات» من أشهر الطقوس التي تنتشر في القاهرة بشكل خاص من أجل انتزاع «المشاهرة» من المرأة، وكذلك التبخير بملح العاشوراء الذي يُصنع في العشر أيام الأولى من أول شهر بالعام الهجري.
ماذا تقول الكنيسة؟
يقول القس رفعت فكري سعيد، رئيس مجلس الحوار والعلاقات المسكونية بسنودس النيل الإنجيلي، إنّ هذه المعتقدات بعيدة كلياً عن العلم، وأبعد ما تكون عن المنهج العلمي في التفكير، ولذلك موضوع «المشاهرة» من الموروثات القديمة والعادات والتقاليد البالية التي من المفترض أن يكون قد عاف عليها الزمن.
ويضيف «سعيد» لـ«الدستور»: «العادات والتقاليد عادة ما تكون متمكنة جداً في المجتمعات اللي مافيهاش تفكير علمي وزمان مكانش فيه تعليم فكانت تربة خصبة للأفكار البالية».
ويتابع أن المؤسسات المدنية والخطاب الديني بالمسجد والكنيسة وقصور الثقافة يجب أن توعي الأشخاص اتجاه تلك الأفكار القديمة، والتوعية تجاه تلك الأفكار البالية.
وختم بأن الدين المسيحي يدعو لإعمال العقل، وأن السيد المسيح كان ثائرًا ووقف ضد العادات والتقاليد البالية في مجتمعه، لذلك مثل هذه العادات في الدين المسيحي مرفوضة وغير معترف بها دينيًا.
أما عن الرأي الطبي، فيقول الدكتور عمرو عباسي، استشاري النساء والتوليد والحقن المجهري بالمركز القومي للبحوث، إنه يتعرّض للعديد من الصدمات بسبب هذه الخرافات في ظل التقدم بالعلم والمواد الطبية، والأشعة والتحاليل، وكذلك وسائل الإخصاب المساعد.
ويتابع أن تلك الأمور يمكن أن تتسبب في انتشار أمراض. ويوضح أن الأمر بيد الله ويجب البعد عن تلك الأساليب غير العلمية.