خبيرة طاقة بريطانية لـ"الدستور": ما تقوم به مصر من ترشيد للطاقة تفعله أكبر دول العالم
قالت سريا جايانتي خبيرة سياسة الطاقة في أوروبا الشرقية والمستشار الدولية السابق للطاقة في وزارة الكهرباء البريطانية إن ما يتم أخذه من إجراءات حالية في بريطانيا وكثير من الدول كان أمرا حتميا وسيزداد سوءا مع السنوات القادمة إذا لم يغير العالم من طريقة عيشه واستهلاكه للمواد الكربونية التي تؤثر بشكل كبير على المناخ والبيئة، مشيرة إلى أنه على العالم اتباع البنود التي تم التوقيع عليها في مؤتمرات المناخ السابقة والإسراع في التغيير الذي يحفظ العالم من التوجه إلى نهايته.
وأضافت في تصريح لـ"الدستور" أنها ليست خبيرة في البيئة والمناخ لكن ما تراه يحدث الآن في قطاع الطاقة والكهرباء يؤكد أن الأمر في غاية الخطورة، موضحا أن العالم قد بدأ بالفعل باتخاذ قرارات انقطاع التيار الكهربائي وهو ما يعني نهاية الحياة لبعض السكان وانعزالهم عن الواقع لمدة قد تصل إلى ساعتين يوميا.
وأكدت أن أزمة الطاقة التي تنكشف بشكل سريع في بريطانيا وفي دول أخرى أكثر سوءا خاصة أوروبا سيصبح من المستحيل تجاهل الموقف المتصاعد لارتفاع درجات الحرارة وسيزداد الأمر سوءا.
وأشارت خبيرة سياسة الطاقة إلى أن أزمة الطاقة أصبحت أزمة كبيرة جدا لكثير من الدول بسبب الحرب الروسية الأوكرانية حيث تجاوزت أسعار الغاز الطبيعي 3100 دولار لكل 1000 متر مكعب في منتصف أغسطس من العام الماضي، بزيادة قدرها 610٪ عن نفس الفترة من العام الأسبق بحسب سوق الصناديق الهولندية، مؤكدة أنه بهذا السعر لا تستطيع العديد من محطات الطاقة العمل لفترة طويلة. نتيجة لارتفاع تكلفة وقود المدخلات مما تسبب في ارتفاع أسعار الكهرباء المعيارية في أوروبا بنسبة 300٪ تقريبا في عام 2022، محطمة بذلك أرقاما قياسية فإن أسعار الطاقة أعلى بعشر مرات من متوسط الخمس سنوات السابقة وهو ما يدفع كثير من الدول لاتخاذ قرار الترشيد خاصة مع درجات الحرارة الشديدة التي تدفع الكثير لاستهلاك كهرباء أكثر بسبب التكييفات والمبردات وكثير من الأجهزة الكهربائية تبذل مجهودا أكبر للحفاظ على درجات التبريد الطبيعية مما يستهلك نسب أعلى من الكهرباء وبالتالي الغاز الطبيعي والطاقة.
وأوضحت أنه على الجميع أن يعي أن ليست فقط الأسر العادية من تكافح لدفع ثمن الطاقة والتدفئة والتبريد وغيرهم ولكن الحكومات أيضا تعاني من نقص وارتفاع في تكلفة الطاقة والغاز الطبيعي وقد خصصت الحكومات الأوروبية مبلغا يصل إلى 279 مليار دولار مؤخرا لمساعدة صغار المستهلكين وهو مبلغ لا يكفي وتتوقع مؤسسة العمل الخيرية الوطنية البريطانية للطاقة زيادة تصل من 4.5 مليون أسرة بريطانية إلى 8.5 مليون أسرة كاملة ستواجه فقر الطاقة هذا الشتاء وقد واجهته بالفعل في الصيف منذ بداية شهر يوليو نتيجة الفواتير المتراكمة وأيضا عدم قدرة الدولة على الكهرباء المستهلكة نتيجة المناخ.
كما أكدت أن الأسوأ لم يأت بعد، موضحة أن أسعار الغاز ستصل إلى 7000 دولار لكل 1000 متر مكعب بحلول نهاية عام 2023. وإن أوروبا ليست جاهزة على الإطلاق لتحمل هذه التكلفة المرتفعة في الطقس الدافئ فما بالكم بالطقس الحار أو البارد حيث تستهلك معدات التبريد الكهرباء بشكل ضخم جدا والتي قد تتولد عن طريق الغاز الطبيعي أو الرياح أو الطاقة الشمسية أو الفحم أو الطاقة الحرارية الأرضية أو الكتلة الحيوية أو الطاقة النووية، بينما في الطقس البارد موسم التدفئة يعتمد الاستهلاك بشكل أساسي على الوقود الأحفوري وخاصة الغاز الطبيعي والنفط لأن معظم أنظمة التدفئة لا تزال تعمل بالوقود النفطي. مثل كل عام سيزداد الطلب على الغاز الطبيعي بشكل كبير مع حلول فصل الشتاء. ومع اعتماد أوروبا على الواردات الروسية لأكثر من 40٪ من احتياجاته من الغاز و46٪ للفحم و 27٪ للنفط ستغرق أوروبا في الحر الشديد وفي البرد القارس في الأعوام القادمة.
وأوضحت أنه مع ارتفاع نسب الاستهلاك قامت بريطانيا بخفض التحميل على الغاز الطبيعي وأيضا خطوط الأنابيب الأخرى في أوروبا، وتابعت أن العواقب الأوروبية في الفترة القادمة ستكون هائلة وقد تكون العواقب الاقتصادية العالمية مأساوية. وحسب صندوق النقد الدولي في منتصف يوليو الماضي بالنسبة للمجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك، فإن القطع الكامل للغاز الطبيعي سيؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل إلى 6٪. وسينخفض النمو الاقتصادي العالمي بنسبة 2.6٪ في عام 2023 و2٪ أخرى في عام 2024. وإنه على المستوى البشري لن يكون لدى بعض الناس تدفئة أو تبريد، وسيتعين على البعض الآخر الاختيار بين الدفء والعلاج أو البرد وبين الطعام.
وذكرت أنه في الشتاء الماضي بسبب أزمة الطاقة وانخفاض درجات الحرارة بشدة وصفت الصحف العالمية أوروبا بأنها تتعرض للإرهاب القطبي وهو ما تتعرض له الآن بسبب ارتفاع درجات الحرارة الهائلة التي وصلت إلى ما يقرب من 60 درجة مئوية ولا إمكانية لتوفير التبريد والكهرباء بسبب الكارثة الغازية في العالم وأيضا أزمة المناخ التي تلوح في الأفق.
وتابعت: لقد اتبعت بريطانيا جدولا زمنيا في ترشيد الاستهلاك حيث سيتم قطع الكهرباء عن عدد من المدن كل منطقة لمدة محددة وستستمر حتى أواخر الشهر الحالي وقد تستكمل حتى منتصف سبتمبر إذ ما استمرت درجات الحرارة في معدلاتها الحالية.
وقالت إنه من المرجح أن تكون نهاية هذا العام بالنسبة لأوروبا وبريطانيا حرب شتوية وصيفية خطوبتها الأشد لها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وأضافت أنه من المرجح أن تساعد الجهود المبذولة لتقليل الاستهلاك هذا الصيف في الحفاظ على نسب الطاقة التي تخسر بسببها الدولة المليارات من الجنيهات الإنجليزية واليورو الأوروبي وستقوم المفوضية الأوروبية بتنفيذ قرارات لخفض واردات الغاز الطبيعي المستهلك بمقدار 100 مليار متر مكعب بحلول نهاية عام 2023. وتهدف أوروبا بشكل عام إلى خفض استهلاك الغاز بنسبة 15٪ بحلول مارس 2024 لمواجهة أزمة المناخ والطاقة معا.
وطالبت المواطنين بالوقوف إلى جانب حكوماتهم في هذه الأزمة التي أشارت أنها خارج قدرة البشر وان الطبيعة هي المسيطر الأول فيها وان الحلول التي يجب اتخاذها للتقليل من الاحتراق المناخي يجب أن يعمل عليه الجميع بلا تخاذل.
وأكدت أن ما تقوم به الحكومة المصرية من تقليل وترشيد للطاقة هو شيء يتم في أكبر دول العالم وأغناها ويتم بالفعل في فرنسا وبريطانيا والصين وغيرها.