رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يا طلاب الثانوية.. هل أفادتكم التجربة شيئًا؟


   انتهت منذ ساعات امتحانات شهادة الثانوية العامة لهذا العام، تلك التجربة الصعبة بحكم قسوة الأيام التي عاشها كل من مر بها على مدار أيام و ليال طوال تبلغ السنة الكبيسة أو تكاد. تجربة عاشتها كل البيوت بلا استثناء. فحتى أولياء الأمور الذين كانت دراستهم فنية متوسطة أو لم يتموا تعليمهم فإنهم حتما قد عاشوا تلك التجربة مع أبنائهم وبناتهم.
 قسوة التجربة ليست في مجرد مال كثير تم إنفاقه ولا في جهد وفير بذل، أو ليال طوال سهرتها البيوت، أو أرق مستمر عاشه الأبناء وذووهم . قسوة تجربة الثانوية العامة التي قد تصل إلى حد المرارة، حين يجتهد الجميع ثم تكون النتيجة .. لا شيء . وهذا اللا شيء لا أعني به مجموعا ضعيفا ولا حتى رسوبا في مادة أو أكثر، فالأمر أكبر من هذا بكثير.
إنه الإحساس بالظلم أو القهر الذي قد يشعر به بعض الطلاب حين يشعرون بعدم تحقق العدالة بينهم وبين أقرانهم. ومرجع هذا الشعور هو ما قد يشوب العملية الامتحانية من غش أو تسريب أو عدم جدية. وللحق، فإن جهدا كبيرا تبذله وزارة التربية والتعليم ومعظم منسوبيها، اللهم إلا تلك الحالات التي تردد بأن لجانا ما في بعض المحافظات قد تسربت منها نسخة من ورقة الأسئلة فتمكن بعض ضعاف النفوس من الطلاب وأولياء الأمور وبمساعدة مدرسين غير شرفاء، قد تآمروا جميعا لتسهيل عملية تسريب ورقة الأسئلة وتواطأ بعضهم لحلها، ثم سهّل غيرهم مهمة توصيل الإجابات لبعض أو لكثير من الطلاب وربما اللجان.
 وإذا صح هذا الكلام فإن الهدف الأول من تلك العملية الامتحانية لم يتحقق. فهدف الامتحان – كما نعرف جميعا وكما يقول كتاب "القياس النفسي والتربوي" لمؤلفه أحمد محمد عبدالسلام  – هو " قياس مستوى تحصيل الطلاب العلمي ، وتحديد نقاط القوة ونقاط الضعف لديهم ، وتصنيف الطلاب في مجموعات بغرض قياس مستوى تقدمهم في المادة، فضلا على التنبؤ بأدائهم في المستقبل والكشف عن الفروق الفرديَّة بين الطلاب سواء المتفوقون منهم، أم العاديون أم بطيئو التعليم." وهنا يجدر السؤال: هل تحقق ظروف وأجواء الامتحانات حاليا كل أو بعض هذه الأهداف؟
وليس لمنصف أن ينكر كم انشغلت القيادة السياسية بفكرة تطوير التعليم منذ تولت المسئولية ، وإلى أي مدى وفّرت الدولة إمكانيات مادية ولوجستية وبشرية وفقا لتلك القناعة – على ضوء الموارد المالية المتاحة– إذ خاضت الحكومات المتعاقبة تجربة تطوير النظام التعليمي بكل جدية من خلال توفير التابلت للطلاب، وتعديل المناهج ، وتغيير نظام الامتحانات والتقويم . ولكن: هل كان كل هذا كفيلا بتحقيق تجربة تعليمية ناجحة وعادلة؟ الواقع أن نجاح كل هذا الجهد كان مرهونا بضمائر بعض العناصر البشرية القائمة على تنفيذ التجربة من الصفوف الثالثة والرابعة في المنظومة التعليمية، فهل كانوا جميعهم من الأمانة بحيث تضمن ممارستهم نجاح التجربة المقترن بتحقيق العدالة بين جميع الطلاب؟
  في رأيي أن محاكمات عادلة تصل عقوباتها إلى الحد الأقصى من الصرامة والقسوة لمن يثبت تقصيرهم أو تواطؤهم صارت أمرا واجبا من أجل استعادة المنظومة التعليمية لهيبتها وتهيئة الدفعات القادمة لعدالة تعليمية قائمة على مجازاة المقصر وإثابة المجتهد وتحقيق الحراك الاجتماعي بقدر ما يبذل الشاب من جهد، وليس بقدر ما تملك أسرته من مال أو ما يجيد هو من مهارات لصوصية في الغش والتدليس يغلفهما قدر كبير من التبجح والاستناد إلى علاقات ولي أمره الذي نشّأه على اغتصاب حق غيره في النجاح، بل في التفوق. أجل، فقد كانت أقصى طموحات الغشاش فيما مضى هي أن يجتاز الامتحان، لكنه اليوم صار يخوض المغامرة من أجل الحصول على أعلى المجاميع للالتحاق بإحدى كليات القمة!!
  ليبقى السؤال في النهاية موجها لطلاب الثانوية العامة من الأبرياء: هل أفادتكم التجربة شيئا؟ هل غيّرت من نظرتكم تجاه الناس والمجتمع ، بل وعدالة السماء؟ هل ستكونون بعد الثانوية في نفس مستوى البراءة الذي كنتم عليه قبلها؟ وكيف ينظر الأبرياء منكم إلى ما كان يحدّثه به أبواه من وجوب تقوى الله في السر والعلن وعدم السطو على حقوق الآخرين وأن المكافأة على قدر الجهد المبذول؟ بل كيف ستنظرون إلى آبائكم يوم ظهور النتيجة ومن سيعاتب من يومها؟
     هل سيلومكم والداكم على مجموع هزيل حصلتم عليه بسبب التزامكم بالمبادئ والأخلاق التي ربوكم عليها؟ أم ستعتبون عليهم ما غرسوه فيكم من مبادئ وقيم منعتكم من الاحتفال مع غيركم بمجاميع عالية اختطفوها من عرق زملاء لهم من المجتهدين ثم ذهبوا ليحتلوا أماكنهم في كليات القمة  وما دونها؟ هل ستلعنون فقر الآباء وقلة حيلتهم و تمسكهم بتعليمكم وفق هذا النظام التعليمي المتبع ، في حين ذهب أبناء عمكم و أخوالكم إلى شهادات موازية ليحصلوا على التقييم المأمول بأقل مجهود لكن بأموال باهظة و دولارات كثيرة ، أو أنهم سافروا إلى دول شقيقة فحصلوا على الشهادة بسهولة ثم عادوا ليعادلوها ويحتلوا أماكنكم في الجامعات الحكومية متمتعين بمبدأ المساواة في الحقوق بين جميع المواطنين؟ 
 أسئلة أراها شائكة، لا يمنع طرحها إلا مزيدا من التفكير في وسيلة امتحانية أخرى أكثر إحكاما وانضباطا لتقييم مستوى أداء الطلاب ووضعهم على أول طريق صناعة المستقبل – لأنفسهم ولبلدهم – بعدالة وشفافية وتنافسية ومساواة .