الأسطورة الجديدة.. كولر ماذا قدم الداهية السويسرى لإعادة الدورى إلى «القلعة الحمراء»؟
- تمتع بمرونة كبيرة وبدّل استراتيجيته بما يناسب إمكانات الفريق
- لعب دورًا كبيرًا فى تجهيز وتهيئة اللاعبين نفسيًا للمواجهات الكبرى
فى رحلة البحث عن استعادة اللقب الغائب لعامين، وتحقيق الدورى رقم ٤٣ فى تاريخ الأهلى، كان السويسرى مارسيل كولر، المدير الفنى لـ«المارد الأحمر»، هو البطل والرجل الأول الذى استحق كل الإشادة والتقدير على واحد من أفضل مواسم الفريق فى العشرية الأخيرة، خاصة أنه جمع بين البطولة المحلية ودورى أبطال إفريقيا.
فجَّر طاقات كهربا بتوظيفه كمهاجم وحوَّل تاو إلى «صانع الألعاب الأول»
كان مهمًا لمجلس إدارة الأهلى أن يتمكن خليفة بيتسو موسيمانى، الجنوب إفريقى الذى أعاد «نادى القرن» إلى منصات التتويج الإفريقية، من الانتصار لرؤيته وتغليبه على «موسيمانى» وما أشاعه من أفكار آمن بها قطاع كبير من جمهور الأهلى ورددها.
فبعد رحيله عن «القلعة الحمراء»، لم يتوانَ المدرب الجنوب إفريقى فى تفخيم دوره، والحديث الدائم عن أنه الرجل الذى لولاه ما عاد الأهلى للظفر بالألقاب القارية، التى غاب عن شمسها لسنوات حتى وصوله، محاولًا تبرير خسارته لبطولة الدورى موسمين متتاليين بأنه عوضها بحصده لقبين قاريين متتاليين.
لم يكن ذلك عرفًا فى الأهلى يومًا، فخسارة الدورى فى حد ذاتها هى المدلول الأوضح على وجود شروخ فى الفريق، وهذه البطولة تحديدًا هى المعيار الأساسى والحد الأدنى الذى يمكن القبول به، فإذا نجح الفريق فى تحقيق اللقب القارى معه، فهنا البحث عن الكمال، وإن خسره فلا بد من أزمة كبيرة يجب تداركها.
حاول «بيتسو» ترويج أفكار غير ذلك، فكان التتويج باللقب بعد رحيله مباشرة ترسيخًا لفلسفة الأهلى وانتصارًا لمؤسسيته، وتعبيرًا واضحًا عن طموحات وحجم النادى الكبير، الذى لا يقبل أبدًا بأن تكون بطولة دورى الأبطال عوضًا عن اللقب الأساسى، فعاد ليجمع بينهما، بأرقام قياسية وأداء استثنائى يعيد المدرب الجنوب إفريقى إلى منطقته وحيزه كـ«مدرب طوارئ» نجح فى تطويع ظروف عابرة، وكان مناسبًا لمرحلة ما، لكنه افتقد لامتلاك هوية وفلسفة لعب ثابتة، ولم يفلح فيما فلح فيه خليفته مارسيل كولر.
فماذا فعل المدرب السويسرى ليستعيد الأهلى بروزه ومكانته؟
كان أهم تحدٍ بالنسبة لـ«كولر»، والذى نجح فيه بامتياز، هو إعادة اكتشاف الأفراد فى الفريق واستخراج أفضل ما لديهم، فرأينا صورًا ونسخًا جديدة من نفس العناصر التى كان يمتلكها «موسيمانى»، وقدمها فى الشكل الأمثل، والذى دومًا ما تمناه وانتظره الجمهور من أولئك اللاعبين.
كان «كهربا» لاعبًا مهملًا مع «بيتسو»، بل وكان رحيله وشيكًا، ووضع إدارة الأهلى فى حرج كبير، بعدما كان ضمه عبر «كوبرى برتغالى» قادمًا من الزمالك، فى صفقة ذات طابع جماهيرى صاحبتها ضجة كبيرة، لكن المدرب السويسرى «لمعه» وأعاد توظيفه من جديد.
ما رآه «كولر» فى كهربا أنه «مُنهى هجمات» جيد، وذكى جدًا فى اختيار أماكن خطرة بالقرب من المرمى، مع ضعف بدنى وتراجع فى المجهود، وهذا ما دفعه للتفكير فى ضرب عصفورين بحجر واحد، عبر تحويله إلى مهاجم صريح، لحل أزمة المهاجم من جهة، وتجنب قصوره الدفاعى فى مركز الجناح من جهة أخرى.
وظف مدرب الأهلى «كهربا» فى مركز المهاجم الصريح، وجعله قريبًا من المرمى، وعفاه من العودة للخلف مثلما كان يحدث معه فى مركز الجناح، وهنا وفر مخزونه البدنى بشكل كبير للثلث الأخير، فمنحه التركيز الكامل فى التحرك والإنهاء، لـ«يـنفجر تهديفيًا» ويصبح أكثر فاعلية من الجميع، ويجد فيه الفريق ضالته. الأمر ذاته فعله مع بيرسى تاو، الجناح الجنوب إفريقى، الذى عانى كثيرًا، وكان قريبًا من الرحيل أيضًا، فأوجد له مارسيل كولر الطريقة المثلى لتفجير قدراته وإعادة توظيفها بما يخدم «التكتيك» والمنظومة الجديدة.
مشاكل «تاو» قريبة من «كهربا» بعض الشىء، مع وجود اختلافات جوهرية فى الأدوار والمهام. كلاهما جناح فى الأساس، لكن «كهربا» يتميز بالإنهاء، بينما يتميز «تاو» بالصناعة وتطوير الأداء الهجومى، وكلاهما يعانيان الضعف البدنى فى الجمع بين الأدوار الهجومية والدفاعية معًا.
لذا وكما فعل مع «كهربا»، جعل «كولر» وجود «تاو» مقتصرًا على الثلث الأخير من الملعب، فبدّل طريقة اللعب إلى «٤/٣/٣»، ليكون أحد محاور الوسط، وبالتحديد أليو ديانج، نائبًا عن «تاو» فى الشكل الدفاعى، مع الميل كثيرًا للتحول إلى «٤/٤/٢» عند فقد الكرة، ليبقى «تاو» مهاجمًا جوار «كهربا»، ولا يلزمه بعودة كاملة إلى الخط الخلفى، مقللًا أدواره الدفاعية لتكون فى المقدمة وعبر الضغط فقط، وإن عاد يكون فى مرات قليلة وأمام خصوم بعينهم وليس الجميع.
هنا منح «كولر» اللاعب الجنوب إفريقى مساحة ليُخرج طاقته كاملة فى الثلث الأخير من الملعب، خاصة مع منحه الثقة الكاملة فى حيازة الكرة والتحكم باللعب، والتحول إلى صانع الألعاب الأول للفريق، مع تعليمات بالمراوغة والمبادرة فى الانطلاق، فانفجر «تاو» فى هذه المساحة التى برع فيها، وبات صانع الألعاب الأفضل داخل القارة طوال الموسم.
طوَّر أداء الشحات وعبدالقادر بـ«الاقتراب من منطقة الجزاء».. وأعاد اكتشاف حمدى فتحى
إلى جانب «تاو»، كان أثر مارسيل كولر على الجناحين الآخرين: حسين الشحات وأحمد عبدالقادر، واضحًا أيضًا، والأخير بالتحديد كان تطوره ملموسًا فى الأسابيع القليلة الأخيرة، فبعد معاناة قلة التهديف وغياب الثقة، بدأ فى توظيفه بشكل جديد.
المدرب السويسرى اعتمد فى تطوير كلا الجناحين على فكرة محورية، وهى تركهما الخط واللعب فى أنصاف المساحات بالقرب من منطقة الجزاء، مع التدرب كثيرًا على الإنهاء، وهنا أجادا بشكل كبير، وبدلًا من مشاركتهما فى عملية البناء والخروج بالكرة، منحهما فرصة أكبر للبقاء بالقرب من مناطق الخصم والمساحات الخطرة، ما مكنهما من التهديف والظهور بشكل فعال للغاية.
حمدى فتحى أيضًا كان أحد أهم جنود «ملحمة كولر» هذا الموسم، وقدمه فى صورة جديدة مغايرة تمامًا للاعب الوسط التقليدى، الذى يغطى المساحات العرضية ويفسد هجوم الخصم.
«فتحى» ليس لاعبًا مراوغًا، ولا ذلك المبتكر فى وسط الملعب، لكن «كولر» رأى فيه ما لم يره أحد، فاكتشف فطرته التهديفية ووعيه العالى فى الانطلاق والتمركز بأماكن خطرة من المرمى.
لذا كلفه بأدوار جديدة فى التقدم والتحول إلى مهاجم ثانٍ داخل مناطق الخصم، ليؤدى دورًا مشابهًا لدور إلكاى جوندجان مع مانشستر سيتى فى إنجلترا، فسجل العديد من الأهداف، وكان مفتاحًا مهمًا فى انتصارات كثيرة.
كما كان لدوره فى تجهيز اللاعبين نفسيًا وتهيئتهم للمواجهات الكبرى أثر ملحوظ، وبدا ذلك بوضوح شديد حينما تألق اللاعب الشاب مصطفى شوبير فى نهائى دورى أبطال إفريقيا أمام الوداد، بينما كان يشك الجميع فى قدرة الولد الصغير على تعويض غياب محمد الشناوى، فظهر بشخصية قوية وثقة كبيرة، أكدتا أن هناك عملًا رائعًا فى تأهيله معنويًا لمباراة بهذه الصعوبة وتلك التعقيدات. حينما عاد الأهلى من المونديال بهزيمتين ثقيلتين، وتعرض لهزيمة كبيرة من صن داونز قاريًا، أظهر المدرب السويسرى مرونة كبيرة، وبدّل من استراتيجيته بما يناسب ملكات الفريق وقدرات لاعبيه، فلم يمِل إلى المغامرة الهجومية، وعاد إلى فكرة التوازن.
صحيح أنه جاء محملًا بأفكار ثورية ورغبة فى اللعب بشكل أكثر عصرية وحداثة، لكنه اصطدم مع مشكلات كبيرة فى إمكانات اللاعبين، وتراجع عدد كبير من النجوم، وعلى رأسهم أهم لاعبين فى الفريق خلال السنوات الأخيرة: محمد مجدى «أفشة» ومحمد شريف، لكن مرونته فى التحول وتبديل الشكل إلى آخر أكثر اتزانًا وتحفظًا كان برهانًا على المرونة وحضور الذهن والقدرة على إيجاد مخارج للأزمات.
«كولر» جاء فى ظروف صعبة ولم يمتلك الأدوات الأفضل، وحينما طلب الدعم لم يصله سوى مروان عطية فحسب من تلك الأهداف التى أرادها وعلى رأسها مهاجم صريح، وتسلم فريقًا يعانى مشاكل كثيرة وفقدانًا للثقة لدى أبرز نجومه، فكانت جهوده كبيرة فى إعادة بث الثقة واكتشاف اللاعبين وإحياء حالة الشغف بداخلهم.
وبالحديث عن مروان عطية، فإن «كولر» نجح فى استخدامه بطريقة مثالية غطى بها إصابات عمرو السولية، التى عانى بسببها الأهلى قبل وصول «مروان» من الاتحاد السكندرى، فلم يشعر أى شخص بأن «السولية» كان مصابًا فى أهم مراحل الموسم.
ومع وجود «مروان»، حوّل «كولر» حمدى فتحى إلى أدوار أكثر هجومًا، وكذلك استخدمه فى إعادة تحفيز المالى أليو ديانج، عبر توظيف الأخير بأدوار جديدة، كان من شأنها الدفاع نيابة عن بيرسى تاو، وإحداث عملية التوازن فى الوسط والخط الخلفى، وهنا تحقق له ما أراد واستفاد من كل أدواته.
إلى اللحظة، لم يتمكن المدرب السويسرى من الحصول على أهدافه التعاقدية، ولم يجد اللاعبين المثاليين لأفكاره، لكنه حقق نجاحًا يفوق ١٠٠٪، فى انطلاقة تاريخية تُبشر بأنه مع تدعيمات قوية فى الوسط والهجوم بالتحديد، سيكون الشكل أكثر حدة وشراسة على الجميع، وقدرته على الاستمرارية فى السيطرة واحتكار الألقاب كبيرة للغاية، بل معه ومن خلاله سيطمع الأهلاوية فيما أكبر من البرونز فى مونديال الأندية.