حين ألغت السفارة الأمريكية احتفالها بيوم الاستقلال
الرابع من يوليو هو «يوم الاستقلال» الأمريكى، Independence Day، الذى ألغت السفارة الأمريكية بالقاهرة احتفالها به، فى مثل هذا اليوم منذ ١٠ سنوات، بعد أن أعلنت فى اليوم السابق عن ترحيل الموظفين غير الأساسيين بالسفارة، التى كانت قد أغلقت أبوابها، منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وظلت شبه معطلة، إلى أن قررت إدارة الرئيس الأسبق، باراك أوباما، سحب السفيرة، آن باترسون، من مصر، فى ٣٠ أغسطس التالى.
كان الرابع من يوليو، أيضًا، اسمًا لأحد أكبر حركات تجنيد طلبة الجامعات، للمشاركة فى حرب فيتنام. وللسخرية من هذه الحركة، ومن يوم الاستقلال، اختار رون كوفيك «مولود فى الرابع من يوليو» عنوانًا لروايته، أو سيرته الذاتية، التى تناول فيها تجربته فى حرب فيتنام، وأكد أن هذه الحرب، التى فقد فيها شرفه وأطرافه، لم تكن عادلة أو أخلاقية. وبالعنوان نفسه، تحولت الرواية إلى فيلم سينمائى، سنة ١٩٨٩، أخرجه أوليفر ستون، الذى شارك، أيضًا، فى حرب فيتنام، ولعب بطولته توم كروز، واستحق عنه أول ترشيح لجائزة أوسكار أفضل ممثل، من بين ثمانية ترشيحات فاز الفيلم باثنين منها: أفضل إخراج وأفضل مونتاج.
فى ٤ يوليو من عام ١٧٧٦، وافق «الكونجرس القارى الثانى» على الوثيقة الرسمية النهائية لإعلان استقلال، أو انفصال، ثلاث عشرة مستعمرة، عن بريطانيا صارت نواة للولايات المتحدة الأمريكية، وصار هذا اليوم معروفًا باسم «يوم الاستقلال». والطريف، أن جورج واشنطن حين قرأ هذا الإعلان على جنوده فى نيويورك، بعد خمسة أيام من صدوره، قاموا بتحطيم تمثال الملك البريطانى جورج الثالث، الذى كان مصنوعًا من الرصاص، وأذابوه ليصنعوا منه طلقات لمدافعهم. إذ كان ذلك الملك البريطانى قد أصدر «إعلان العصيان» فى ٢٣ أغسطس ١٧٧٥، ووقتها، قام «الكونجرس القارى» بتعيين جورج واشنطن قائدًا عامًا لـ«الجيش القارى»، ليقود ذلك «العصيان»، بوصف البريطانيين، أو «الحرب الثورية» وفقًا للأمريكيين والفرنسيين.
بلا حكومة أو جيش أو نظام مالى أو بنوك أو حتى إدارات أو خبرات عسكرية أو إدارية، خاض الأمريكيون هذه الحرب، المعروفة أيضًا باسم «حرب الاستقلال»، التى كادوا يخسرونها لولا مساعدة الفرنسيين. أما «الكونجرس القارى» فكان عبارة عن اجتماع عقده مندوبو اثنتى عشرة مستعمرة، فى ١٠ مايو ١٧٧٥، للتنسيق فيما بينهم بشأن أعمال المقاومة وعقد المعاهدات والاتفاقيات. وبحكم الأمر الواقع، صار هذا الاجتماع، أشبه بحكومة وطنية، وحين واجه صعوبات فى تمويل أعمال المقاومة، قام بطباعة كمية هائلة من الأوراق المالية، تسببت فى رفع معدل التضخم للدرجة التى جعلت تلك الأوراق بلا قيمة، ومن وقتها ظهر المثل، الذى يستخدمه الأمريكيون إلى الآن، للتعبير عن أى شىء بلا قيمة: لا يساوى عملة قارية!
المهم، هو أن المستعمرات الثلاث عشرة، خاضت الحرب ضد بريطانيا، كما أشرنا، بمساعدة فرنسا، التى تحوّل دعمها السرى، تدريجيًا، إلى دعم عسكرى مُعلن، وتكبدت ديونًا هائلة، إلى أن انتهت الحرب رسميًا، فى ١٣ سبتمبر١٧٨٣، بتوقيع «معاهدة باريس» التى اعترف فيها البريطانيون باستقلال تلك المستعمرات. وفى ٢٥ نوفمبر التالى، غادر آخر جندى بريطانى مدينة نيويورك، و... و... وفى ٣٠ أبريل ١٧٨٩، صار جورج واشنطن، قائد «الجيش القارى»، أول رؤساء الدولة الناشئة. ومن سخريات القدر، أن توماس جيفرسون، كاتب إعلان الاستقلال، وجون آدامز، الذى شاركه التوقيع عليه، صارا رئيسين للولايات المتحدة، وتوفيا، معًا، فى الرابع من يوليو سنة ١٨٢٦، أى فى الذكرى الخمسين ليوم الاستقلال!
.. وأخيرًا، شاءت إرادة الله، والمصريين، أن يسبق «يوم الاستقلال» الأمريكى، بيوم واحد، بعد ٢٣٧ سنة، صدور بيان قواتنا المسلحة، أو إعلان الاستقلال المصرى، الذى استرد البلاد من جماعة إرهابية كانت قد اختطفتها، بمساعدة، أو لحساب، قوى دولية وإقليمية، من بينها الولايات المتحدة، التى تظاهر المصريون، فى محيط مقر سفارتها بالقاهرة، قبل وبعد ٤ يوليو ٢٠١٣، مطالبين بطرد سفيرتها، رافعين صور «الفريق أول» عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع، وقتها، القائد العام لقواتنا المسلحة، والرئيس الراحل جمال عبدالناصر.