الثالث من يوليو
فى مثل هذا اليوم، الثالث من يوليو، منذ عشر سنوات، صدر بيان القيادة العامة لقواتنا المسلحة، الذى بدأت به مرحلة انتقالية، استغرقت أقل من سنة، جرى خلالها التحضير للانتخابات الرئاسية، التى أوصل بها المصريون الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى الحكم، ليبدأ تأسيس الجمهورية الثانية، بعد أن استجاب، حين كان وزيرًا للدفاع وقائدًا عامًا للجيش، لمطالبهم، تكليفاتهم أو أوامرهم، واسترد لهم، وبهم، دولتهم، أو الجمهورية الأولى، التى كانت جماعة الإخوان الإرهابية قد اختطفتها، بمساعدة، أو لحساب، قوى دولية وإقليمية.
كان عشرات الملايين قد خرجوا فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، ليس للمطالبة فقط بإسقاط، أو كنس، الجماعة الإرهابية، بل لتحقيق الأهداف الستة نفسها، التى قامت من أجلها ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، والتى لا نبالغ لو قلنا إن معظمها لم يتحقق، إلا خلال السنوات التسع الماضية، مصحوبًا بنهضة اقتصادية، وعملية إصلاح شاملة، مخططة ومدروسة. وكما عملت «دولة ٢٣ يوليو» على توحيد الجهود العربية وحشد الطاقات لصالح حركات التحرر، أجهضت «دولة ٣٠ يونيو» مخططات عديدة، كادت تلتهم دول العالم العربى، وأثبتت للأمة، من الخليج إلى المحيط، أن قوتها فى توحدها، وأن القوى الدولية والإقليمية المتربصة بها ستفتك بالشارد منها.
انتزاع السلطة من المستعمر وإنهاء وجوده العسكرى على التراب الوطنى، وانتشال الاقتصاد من تحت سيطرته، وحملة التمصير، والإصلاح الزراعى، و.... و.... وغيرها من منجزات «دولة ٢٣ يوليو»، لم تحُلْ دون وقوع مصر فى أزمة مالية حرجة سنة ١٩٦٥، ثم طرحت نكسة ٥ يونيو ١٩٦٧ عشرات الأسئلة الصعبة حول البناء السياسى الذى قامت عليه تلك الدولة، ولم ينجح بيان ٣٠ مارس ١٩٦٨، فى الإجابة عنها. ثم رحل الرئيس جمال عبدالناصر دون أن يكون لدينا بناء سياسى واضح، كذلك الذى ترجمت به فرنسا، مثلًا، أهداف وقيم ثورتها، وتأسست عليه جمهوريتها الأولى، وانتقلت بتطويره إلى الجمهورية الثانية ثم الثالثة، وصولًا إلى الخامسة، وقد تنتقل قريبًا إلى الجمهورية السادسة، التى يتقدم فيها الاقتصاد على الأيديولوجيا.
ما فعلته «دولة ٣٠ يونيو»، كان مختلفًا. إذ تجاوزت تحديات سياسية، عسكرية، أمنية واقتصادية، شديدة الصعوبة، وقامت، وما زالت تقوم، بتنفيذ رؤية استراتيجية شاملة لبناء دولة قوية متقدمة وحديثة، فى إطار برنامج وطنى للإصلاح الاقتصادى والاجتماعى العميق والشامل، يقوم على تعزيز قيم العلم الحديث ومناهجه. ويمكننا أن نقول إجمالًا إنها شقت طريقها إلى التنمية الحقيقية، مدعومة باصطفاف ودعم شعبها، للاستمرار فى العمل والتطوير والبناء، بعد أن تخلصت من الاستعمار فى ثوبه الجديد، وقضت على سيطرة رأس المال على الحكم، وحققت العدالة الاجتماعية نسبيًا، وجعلت جيشها الوطنى واحدًا من أقوى جيوش العالم.
مع الطفرات، التى تحققت فى القطاعات المختلفة، تم توسيع مظلة الحماية الاجتماعية، وزاد عدد الأسر الفقيرة المستفيدة من الدعم النقدى غير المشروط، كما زاد المستفيدون من التأمينات الاجتماعية ومن خدمات بنك ناصر الاجتماعى. ومع ما يزيد على ٤٥٠٠ قرية و٣٦ ألف كفر، يسكنها أكثر من نصف المصريين، أحيا الرئيس السيسى، منذ سنتين، الذكرى الثامنة لثورة ٣٠ يونيو، بإطلاق أضخم مشروع تنموى تعرفه البلاد لتطوير الريف المصرى: مشروع «حياة كريمة»، بعد أن أحدثت المبادرة الرئاسية، التى حملت الاسم نفسه نقلة نوعية واستثنائية فى غالبية القرى، وقامت بتعويضها عما عانته نتيجة إهمالها فى العهود السابقة.
.. أخيرًا، وكما لعلك تعرف، أوْلَت «دولة ٣٠ يونيو» اهتمامًا خاصًا بإنشاء التجمعات العمرانية الجديدة، لتخفيف ازدحام المدن القديمة، ومواجهة الزيادة السكانية المُطّردة، وقامت بالعديد من التوسعات فى التجمعات القائمة. وحين أقيم المؤتمر الاقتصادى، بمدينة شرم الشيخ، منتصف مارس ٢٠١٥، أعلن الرئيس عن اعتزامه إنشاء مدينة إدارية جديدة. وبعد ست سنوات، وخلال الندوة التثقيفية، التى عقدتها قواتنا المسلحة فى ٩ مارس ٢٠٢١، تعهد الرئيس بأن يتزامن افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة مع إعلان الجمهورية الثانية. وبين المارسين، ثم خلال السنتين الماضيتين، صارت لدينا، بالفعل، عاصمة جديدة، بأحدث المعايير الدولية للمدن الذكية، ومعها أكثر من ٤٠ مدينة، تليق بجمهوريتنا الجديدة.