30 يونيو وعربة كراسى المقطم
فوجئ مكتب الإرشاد بأنهار المصريين تتدفق في الميادين الكبرى، تهدر برحيل عاجل لـ"المرشد". كانوا يعرفون جيدًا أن القرار ليس في يد الدكتور محمد مرسي. الحاكم القوي لا يتخذ أوصياء ولا شركاء، لكن ما كان يجري في قصر رئيس الجمهورية لم يمت بصلة لأصول حكم دولة متعددة الأديان والطوائف.
ما كان المصريون ليهتفوا برحيل "المرشد"، لو أن الدكتور محمد مرسي أدّى مهام وظيفته كما ينص عليها الدستور. لو أنه حقاً خلع عباءة الجماعة. لو أنّه أصدر أمرًا للحرس على بوابة قصره بعدم دخول السيارة التي تنقل كراسي أعضاء مكتب الإرشاد من المقطم إلى مكتبه الجديد في الاتحادية.
راهنوا كما راهن مبارك من قبلهم على أن المصريين "لن يثوروا فهذا شعب طيّب خانع لا هم له سوى أن يأكل ويشرب ويعيش في سلام". هو بالفعل كذلك شعب طيّب ومسالم، لكنه يجيّد غربلة الغث من السمين، ولا ينظر تحت أقدامه أبدًا، وقبل أن يفكِّر في يومه يفكِّر في أيام أولاده. وإذا خرج إلى الشارع لا يعود إلا وقد ظفر بصيده.
يقول الله عز وجل في كتابه: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون". ويأمرنا رسولنا الكريم بـ«المشورة". ظن الإخوان أنهم وحدهم "أهل الذكر والمشورة" ومن سواهم إما أعداء لا يريدون نجاحاً لمشروع "النهضة" وإما من العوام وهؤلاء يُساقون فقط، لا رأي لهم ولا استشارة. ومَن حصر الفهم على نفسه هلَكَ.
استأثر الإخوان بالحكم فاستحقوا عقاباً شديداً. تعذّر على الجماعة أخونة الناس والشوارع والميادين. وشحنت القيادات ذوي اللحى، الناس ضد مَن أوهموهم أنهم لا يرضون بحكم الله ولا شريعته. والبسطاء في مصر ملايين تخدعهم مظاهر التدين وطيب الكلام المعطّر بذكر الله ولو كان في حقيقته لخدمة الشيطان.
وهنا يُحسب لـ"30 يونيو" أنها حرمت المتربصين من رؤية البلاد غارقة في الدم المصري. ومنعت اقتتالاً أهلياً وشيكاً. وحمت البلاد من ربابنة كانوا يقودون سفينتها بأقصى سرعة إلى قلب القرون الوسطى ومحاكم التفتيش.
