بايدن لم يغلق جوانتانامو!
خلال حملته الانتخابية، تعهّد الرئيس الأمريكى جو بايدن بإغلاق معتقل جوانتانامو العسكرى، لكنه لم يتخذ، إلى الآن، أى خطوات جدية لتنفيذ هذا التعهد. والإثنين الماضى، انتقدت فيونوالا نى أولاين، مقررة الأمم المتحدة الخاصة، المعاملة «القاسية وغير الإنسانية والمهينة» للسجناء المتبقين فى هذا المعتقل سيئ السمعة، وقالت إنها لاحظت، خلال زيارتها لهم، بعد عقدين من الاحتجاز، أن معاناتهم لا تزال مستمرة، واستنكرت ما يتعرضون له من ممارسات تعسفية غير متوافقة مع حقوق الإنسان.
الرئيس بايدن يكرر، إذن، سيناريو الرئيس الأسبق باراك أوباما، الذى كان قد وعد، هو الآخر، خلال حملته الانتخابية، بإغلاق هذا المعتقل فى اليوم الثانى لتوليه الحكم، ثم ظل يدرس ويتشاور ويراجع ويماطل، حتى انتهت ولايته الثانية، دون أن يغلقه، أو يحاكم مَن فيه. ومن الطرائف، أيضًا، أن البرلمان الأوروبى طالب زعماء الدول الأعضاء، فى يناير ٢٠٠٦، أى منذ أكثر من ١٧ سنة، بأن يحثوا الولايات المتحدة على إغلاق ذلك المعتقل، أو معاملة نزلائه وفق القوانين والأعراف الدولية، فى واحدة من المرات النادرة، وربما الوحيدة، التى جرؤ فيها ذلك المجلس على الاقتراب من الانتهاكات الأمريكية لحقوق الإنسان.
نزلاء «جوانتانامو» تم احتجازهم، دون اتهام أو محاكمة، على خلفية تفجير برجى مركز التجارة العالمى، فى ١١ سبتمبر ٢٠٠١، وفى سجون سرية، خارج الولايات المتحدة، قبل أن يتم نقلهم، بمساعدة دول أوروبية، إلى ذلك المعتقل، انتظارًا لمحاكمتهم، أمام محكمة عسكرية، كان من المفترض أن تبدأ فى يناير ٢٠٢١، غير أن ذلك لم يحدث، إلى الآن. ولوكالة «رويترز»، قالت إميلى هورن، المتحدثة باسم مجلس الأمن القومى، فى ١٢ فبراير التالى إن المجلس يجرى عملية تقييم للوضع، الذى «ورثته إدارة بايدن عن الإدارة السابقة»، ووقتها نقلت الوكالة، عن مصدرين مطلعين أن المشاركين فى المناقشات الداخلية يدرسون صيغة إجراء تنفيذى يوقعه الرئيس فى الأسابيع أو الأشهر المقبلة. ورأت الوكالة أن ذلك «يُعد إشارة على جهد جديد لإزالة ما يصفه المدافعون عن حقوق الإنسان بأنه وصمة عار تلتصق بصورة الولايات المتحدة».
يقع معتقل جوانتانامو العسكرى فى قاعدة أمريكية بأقصى جنوب شرق كوبا، وجرى إيداع المتهمين، أو غير المتهمين، فيه بزعم أن وجوده خارج حدود الولايات المتحدة يتيح لها انتهاك حقوق الإنسان. وهناك، بالفعل، وثائق وتحقيقات أجراها مجلس الشيوخ الأمريكى، كشفت، فى تقرير طويل، يقع فى ٦٧٠٠ صفحة، عن تعرض المعتقلين للتعذيب، سواء فى «جوانتانامو» أو فى سجون سرية على أراضى دول أوروبية، غير أن تلك الوثائق، وهذه التحقيقات، تم وضعها تحت أحذية الإدارات الأمريكية المتعاقبة، الديمقراطية والجمهورية!.
ما قد يثير الدهشة، أو السخرية، هو أن البرلمان الأوروبى احتاج ثلاث سنوات لكى يوافق على بيان يقر بأن دول الاتحاد الأوروبى تتحمل بعض المسئولية عن نقل المعتقلين إلى «جوانتانامو» وعن معاملتهم السيئة هناك. ثم احتاج لثلاث سنوات أخرى، حتى يتبنى قرارًا، فى سبتمبر ٢٠١٢، يدعو دول الاتحاد إلى الكشف عن أى معلومات متعلقة بالسجون السرية. كما لم يمارس أى نوع من الضغط على مجلس الشيوخ الأمريكى لنشر التقرير، الذى لا يزال سريًا، أو للكشف عن الدول، التى شاركت فى برامج الاستجواب تحت التعذيب، أو سمحت بإقامة سجون سرية على أراضيها، والتى لم نجد أسماءها فى الملخص، الذى تم السماح بنشره!.
.. وتبقى الإشارة إلى أن عالم النفس الأمريكى جيمس إلمر ميتشل، James Elmer Mitchell، الذى قام بتصميم وتطوير برامج تعذيب استخدمتها المخابرات المركزية الأمريكية فى استجواب المحتجزين فى جوانتانامو وشارك شخصيًا فى بعض تلك الاستجوابات، حين جرى استدعاؤه، فى يناير ٢٠٢٠، للإدلاء بشهادته، بشأن تلك البرامج، أكد أمام المحكمة أنه لن يتردد فى فعل ذلك مرة أخرى، مشددًا على أن «واجبه الأخلاقى» يحتّم عليه المساعدة فى حماية بلاده، وألا يلتفت إلى مشاعر إرهابيين حملوا السلاح ضدها.