حصاد قمة باريس
بعرض ما تم التوافق عليه، بعد يومين، من المناقشات والجلسات العامة والطاولات المستديرة وورش العمل، وبوعود قطعتها عدة دول، وتحذيرات أطلقها بعض القادة، انتهت، أمس الأول الجمعة، قمة «من أجل ميثاق مالى دولى جديد»، التى استضافتها العاصمة الفرنسية باريس، وشارك فيها أكثر من أربعين رئيس دولة وحكومة وعشرات الوزراء والمسئولين من مائة دولة تقريبًا، إضافة لمسئولى كبرى المؤسسات المالية الدولية والأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس الاتحاد الأوروبى، ورئيسة المفوضية الأوروبية.
الأوضاع المالية الصعبة، وتزايد تكاليف الديون، وتراجع المساعدات الدولية، خلقت مزيدًا من التحديات أمام جهود التنمية المستدامة ومكافحة تغير المناخ، فى الدول النامية والأقل نموًا، وفرضت، أو استوجبت، صياغة نظام مالى عالمى جديد، أكثر عدالة وديمقراطية واستدامة، يقيم شراكة مالية متوازنة بين دول الجنوب النامية أو الفقيرة ودول الشمال المتقدمة أو الغنية، ويمهد الطريق لعقد اتفاقيات جديدة تحد من مشكلة تفاقم الديون.
فى الجلسة الختامية، وضع الرئيس عبدالفتاح السيسى الدول المتقدمة، أو الغنية، أمام مسئوليتها «الأخلاقية والسياسية» تجاه الدول النامية، وطالبها بأن تتحرك بفاعلية، وذكّرها، مجددًا، بأهمية ضخ المائة مليار دولار، التى سبق أن تعهدت بها، منذ سنوات، لمواجهة تغير المناخ، مؤكدًا أن الخطر أصبح واضحًا أمام الجميع، وأن مواطنى القارة الإفريقية، مثلًا، إذا لم يجدوا الأمل والفرصة فى الحياة، فسوف يتوجهون إلى أوروبا.
التحذير نفسه، أطلقه غزالى عثمان، رئيس جزر القمر، الرئيس الدورى للاتحاد الإفريقى، الذى طالب دول الشمال، والأوروبيين بشكل عام، بالتضامن مع إفريقيا ومساعدتها على مواجهة مشاكلها، حتى لا تفاجأ بتدفق موجات الهجرات على شواطئها. ومما شهدته القارة السمراء خلال وباء كورونا، انطلق هجوم دينيس ساسو نجيسو، رئيس جمهورية الكونغو، على الدول الغربية، التى اتهمها بأنها تعاملت مع تلك الأزمة بشكل جعلنا نشعر بأنها ترى «أن حياة الإنسان الإفريقى لا تساوى حياة الغربى أو لا وزن لها».
فى هذا السياق، تحدث الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون عن وجود «إجماع تام» على ضرورة «الإصلاح العميق» للنظام المالى العالمى، ليصبح «أكثر فاعلية وإنصافًا وأكثر تكيفًا مع عالم اليوم»، وأكد ضرورة امتلاك أسلحة مالية أفضل لمكافحة الفقر وتغير المناخ، وأعلن عن «اجتماع للمتابعة» بعد سنتين، وعن التوصل إلى صيغة نهائية بشأن تأمين المائة مليار دولار، التى كانت الدول الغنية قد تعهدت بها.
كان أبرز أهداف «قمة باريس» هو تخفيف عبء الديون عن الدول الفقرة، أو الأكثر فقرًا، وإيجاد سبل لإتاحة تمويلات جديدة بمليارات الدولارات للتمويل المناخى. ولعل من المفارقات أن الهدف نفسه كان أبرز أهداف قمة مجموعة العشرين السابقة، التى أقر فيها قادة دول المجموعة، للمرة الأولى، بوجود «أزمة ديون متفاقمة» تواجهها، أيضًا، دول متوسطة الدخل، وبأن المشاكل لا تقتصر فقط على الدول الفقيرة والأكثر فقرًا، ودعوا جميع الدائنين من القطاعين العام والخاص إلى الاستجابة سريعًا لطلبات معالجة الديون!.
البيان الختامى لقمة العشرين، التى استضافتها جزيرة «بالى» الإندونيسية، فى نوفمبر الماضى، شدّد على أهمية مشاركة جميع الدائنين، من القطاعين الرسمى والخاص فى تخفيف عبء الديون وتحمّل قدر منصف من الأعباء. بينما كانت قمة المناخ، كوب ٢٧، التى استضافتها مدينة شرم الشيخ، فى الشهر نفسه، تسعى إلى الخروج بمبادرات جادة لخفض أعباء الديون عن الدول النامية، خاصة الإفريقية، من خلال تعزيز الفرص التمويلية المحفزة للتحول الأخضر عبر آليات ميسرة، حتى تتمكن من الوفاء بمتطلبات التكيف المناخى.
.. وتبقى الإشارة إلى أن ما بدأته «قمة باريس» قد يستكمله «تحالف الديون من أجل التنمية المستدامة»، المقرر إطلاقه رسميًا، فى سبتمبر المقبل، للتباحث حول سبل تخفيف الأعباء التمويلية لمكافحة تغير المناخ، وإيجاد حلول مبتكرة لمواجهة ارتفاع تكاليف خدمة الديون. ونتوقع أن يعطى هذا التحالف دفعة قوية للاستثمارات الخضراء بالدول النامية، وأن يسهم بفاعلية فى التصدى للتحديات البيئية، التى أصبحت من أكبر معوقات التنمية الشاملة والمستدامة.