نحارب الفقر أم تغير المناخ؟
الإجابة على السؤال، العنوان، طرحها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، خلال افتتاح القمة التى تستضيفها باريس، تحت شعار «من أجل ميثاق مالى دولى جديد»، التى كان الهدف الأساسى من عقدها، حين أعلن عنها ماكرون، هو «استكشاف جميع السبل والوسائل لتعزيز التضامن الدولى بين دول الشمال والجنوب»، ثم اتسع هذا الهدف، لاحقًا، ليشمل إصلاح بنوك التنمية متعددة الأطراف، ومعالجة أزمات الديون والفقر والصحة وتمويل التنمية المستدامة، وتعبئة التمويل المبتكر لمواجهة التغيرات المناخية.
كنا قد انتهينا، أمس، إلى أن «قمة باريس» محاولة جادة، أو فرصة حقيقية لصياغة نظام مالى عالمى جديد، أكثر عدالة وديمقراطية واستدامة، يقيم شراكة مالية متوازنة بين دول الجنوب النامية أو الفقيرة ودول الشمال المتقدمة أو الغنية، ويمهد الطريق لعقد اتفاقيات جديدة تحد من مشكلة تفاقم الديون، وتتيح لعدد أكبر من الدول النامية والأقل نموًا والاقتصادات الناشئة، الحصول على التمويل الذى تحتاجه من أجل تحقيق أهداف أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ٢٠٣٠، والحفاظ على البيئة، وخفض الانبعاثات الحرارية المسببة لتغير المناخ، و... و... وحماية مواطنيها من تبعات وتأثيرات الكوارث الطبيعية والأزمات والصدمات الاقتصادية.
عربيًا، يشارك فى القمة، الرئيس عبدالفتاح السيسى، والرئيس التونسى قيس سعيد، والرئيس الموريتانى محمد ولد الشيخ غزوانى، وولى العهد السعودى محمد بن سلمان، وهناك دول عربية أخرى تشارك بمستوى وزارى أو ببعثاتها الدبلوماسية فى العاصمة الفرنسية. إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس الاتحاد الأوروبى، ورئيسة المفوضية الأوروبية، ورؤساء كوريا الجنوبية والبرازيل، والعديد من الدول الإفريقية، والمستشار الألمانى، ورئيسة الوزراء الإيطالية. وفى حين غابت روسيا، التى لم يتم توجيه الدعوة إليها من الأساس، يشارك رئيس الوزراء الصينى، واقتصر تمثيل الولايات المتحدة على مستوى وزيرة الخزانة.
أمام كل هؤلاء، قال الرئيس الفرنسى إن الدول «لا ينبغى أن توضع أمام خيار محاربة الفقر أو مكافحة تغير المناخ»، مطالبًا بضرورة إحداث «صدمة تمويل عام» وتوفير المزيد من التمويل الخاص، وبأن يكون لدينا توافق جديد لمواجهة كل التحديات فى الوقت نفسه. كما أشار، وهذا هو المهم، أو الحلم، إلى أننا لا نحتاج إلى تغيير النظام المالى العالمى برمته، بضم الميم، بل يمكننا أن نجعله يعمل بشكل أفضل بكثير، إذا تم توظيف هذه الأموال، لخدمة تقدم الكوكب ومواجهة هذا التحدى المزدوج: الفقر وتغير المناخ.
أيضًا، دعا الرئيس السيسى، خلال مشاركته فى المائدة المستديرة «طريقة جديدة.. شراكات النمو الأخضر»، إلى ضرورة استجابة المجتمع الدولى لمواجهة التحديات الناتجة عن الأزمات الدولية والتغيرات المناخية، موضحًا أن مصر، لدى استضافتها قمة المناخ، كوب ٢٧، استهدفت ترجمة الطموحات والتعهدات إلى واقع ملموس، يدعم التحول العادل من أجل النمو الأخضر وبلوغ أهداف التنمية المستدامة وفقًا للأولويات الوطنية لكل دولة. وعليه، أكد الرئيس ضرورة إصلاح الهيكل المالى العالمى؛ لافتًا إلى أن الواقع الجديد الذى نعيشه، يفرض على الجميع التكاتف لجعل الدول النامية أكثر قدرة على الصمود أمام الأزمات، ومساعدتها فى مواجهة تحديات التغيرات المناخية، التى لم تكن هى المتسبب الرئيسى فيها، ولكنها الأكثر تضررًا منها.
فى السياق نفسه أكد أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، أن النظام المالى العالمى الحالى، الذى يُدير أصولًا مالية بحوالى ٣٠٠ تريليون دولار، لم يعد مناسبًا وأن الأزمات المتعددة الحالية فاقمت الصدمات التى تعانيها الدول النامية، موضحًا أن الأجندة الأممية للتنمية المستدامة ٢٠٣٠ وصلت إلى منتصف الطريق، لكن أهدافها تبتعد يومًا بعد يوم، خاصة تلك المتعلقة بمكافحة الجوع والفقر، بعد عقود من التقدم. كما أكد أن القواعد، التى يخصص صندوق النقد أو البنك الدوليان الأموال بموجبها، «أصبحت غير أخلاقية للغاية».
.. أخيرًا، وبخلاف حلم الرئيس الفرنسى، نرى أن محاربة الفقر وتغير المناخ، معًا، لن تتحقق إلا بتغييرات جذرية عميقة، فى قواعد وآليات ومعايير النظام المالى العالمى القائم، أو تغيير النظام «برمته»، بضم الميم أو كسرها، حتى يصبح أكثر ديمقراطية، أكثر عدالة، وأكثر استدامة.