جلسة إفريقية مع بوتين
من أوكرانيا، عبر بولندا، توجّه وفد المبادرة الإفريقية لتسوية الأزمة الأوكرانية إلى مدينة سانت بطرسبرج الروسية، وعقد جلسة مباحثات مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، أمس الأول السبت، أكد خلالها الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، أن التوصل إلى تسوية شاملة ومستدامة للأزمة غير ممكن إلا «بإعلاء صوت العقل، والنأى عن الاستمرار فى استخدام لغة القوة»، مشددًا على أن الجهود الإفريقية ستستمر حتى يتحقق الهدف الأسمى لمَسعاها الصادق وهو تحقيق السلام.
شارك رئيس الوزراء فى الوفد نيابة عن الرئيس عبدالفتاح السيسى، ورافقه سامح شكرى، وزير الخارجية، انطلاقًا من دعم مصر القوى لجهود المساهمة فى تسوية الأزمة، ونظرًا لما خلّفه الصراع المحتدم من فقد لأرواح العسكريين أو المدنيين، وتدمير واسع النطاق أدى إلى نزوح الملايين، وألقى بظلاله، شديدة الخطورة، على دول القارة الإفريقية، التى تأثرت حياة شعوبها اليومية سلبًا جراء افتقارها إلى احتياجات أساسية. وعليه، كان لزامًا على زعماء القارة الإفريقية أن يقوموا ببذل مساعيهم الحميدة؛ حقنًا للدماء، وتداركًا لتلك الآثار السلبية وتداعياتها على حياة مواطنى طرفى النزاع، وحياة المواطن الإفريقى على حد سواء.
ضم الوفد رؤساء جنوب إفريقيا، السنغال، جزر القمر، زامبيا، وممثلين عن أوغندا وجمهورية الكونغو. وكما استمعوا، فى كييف، إلى رؤية الرئيس الأوكرانى للأزمة وتداعياتها المتصاعدة، استمعوا أيضًا إلى رؤية الرئيس بوتين، فى مدينة سانت بطرسبرج، وتناولت مباحثاتهم، فى الجلستين، شرحًا مفصلًا للمساعى الإفريقية التى تأخذ فى الاعتبار ما أفرزته هذه الأزمة من تداعيات تدفع باتجاه أهمية التحرك لتسويتها، بعيدًا عن الجمود ونأيًا عن لغة القوة، مع تبنى نهج أكثر تفاهمًا يؤكد ضرورة التحرك، مع كل الأطراف، من أجل التوصل إلى حلول سياسية وسلمية للمشكلات التى أدت إلى اندلاع هذه الحرب، وتعالج جذورها.
روسيا، كما قال الرئيس بوتين منذ ثلاث سنوات تقريبًا، فى الجلسة الافتتاحية لـ«القمة الروسية الإفريقية»، مصممة على تعزيز وجودها فى القارة، وترغب فى الانطلاق من العلاقات التقليدية إلى آفاق جديدة للتعاون تقوم على تلبية مصالح الطرفين. والقارة السمراء، كما قال الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى الجلسة ذاتها، مقبلة على مرحلة ستشهد تطورًا اقتصاديًا كبيرًا، وستصبح مقصدًا مهمًا للشركاء الدوليين، وينبغى أن يقوم التعاون معها على أسس المصلحة المشتركة. وكان الهدف الأساسى من تلك القمة هو دعم وتعميق العلاقات بين القارة الإفريقية وروسيا، وتعزيز التشاور بين الجانبين بشأن كيفية التصدى للتحديات المشتركة.
من هذا المنطلق، أكد الرئيس الروسى، خلال اجتماعه مع القادة الأفارقة، أن بلاده منفتحة على الحوار مع كل من يريد السلام، بشرط مراعاة مصالح جميع الأطراف. وأشاد بموقف الدول الإفريقية من الوضع الأزمة. كما أعرب عن احترام روسيا الشديد لموقف إفريقيا المؤيد للتسوية السلمية للنزاعات، وإقامة نظام عالمى أكثر عدلًا. وأشار إلى أن موسكو لم ترفض التفاوض أبدًا، على عكس كييف. وتأكيدًا لذلك، عرض بوتين أمام القادة الأفارقة وثيقة الاتفاقية التى اتفق عليها الجانبان، والتى تحمل عنوان «معاهدة الحياد الدائم والضمانات الأمنية لأوكرانيا»، لافتًا إلى أن موسكو وكييف اتفقتا من حيث المبدأ على مسودة الاتفاقية، فى ربيع سنة ٢٠٢٢، لكن الأخيرة رفضت التوقيع عليها، بعد انسحاب القوات الروسية طواعية، كجزء من الصفقة.
.. وتبقى الإشارة إلى أن الأزمة الأوكرانية ستكون، أيضًا، على رأس أولويات جدول الأعمال المزدحم لـ«القمة الروسية الإفريقية» الثانية، المقرر عقدها فى ٢٦ يوليو المقبل، والتى دعت إليها روسيا كل قادة دول القارة، بلا استثناء. ولعلك تتذكر أن القمة الأولى، التى استضافها منتجع سوتشى الروسى، فى أكتوبر ٢٠١٩، كانت برئاسة مشتركة بين الرئيسين بوتين والسيسى، وشارك فيها أكثر من ٤٠ رئيس دولة وحكومة إفريقية، وتناولت أبعاد العلاقات الروسية الإفريقية من كل جوانبها، وآفاق تطويرها. كما وضعت إجراءات لمواجهة الإرهاب، والجريمة العابرة القارات، والتحديات والمخاطر الأخرى، التى تهدّد الأمن الإقليمى والدولى.