أربع سنوات مصرية عراقية
العلاقات المصرية العراقية تاريخية وممتدة، طبعًا. أما السنوات الأربع فبدأ عدها مع إطلاق آلية التعاون الثلاثى، المصرى العراقى الأردنى، من القاهرة، فى ٢٤ مارس ٢٠١٩، خلال قمة قادة الدول الثلاث، التى أكدوا فيها عزمهم على التعاون والتنسيق الاستراتيجى، فيما بينهم، ومع سائر الدول العربية، لاستعادة الاستقرار فى المنطقة، والعمل على إيجاد حلول للأزمات التى تواجه عدة دول عربية، واتفقوا على تشكيل فريق عمل، تحت رعايتهم، لمتابعة أعمال القمة وتنسيق أوجه التعاون الاقتصادى والسياسى والأمنى والثقافى.
إطلاق الآلية الثلاثية تزامن مع خروج العراق من مرحلة «داعش»، ودخوله مرحلة إعادة الإعمار والتمكين، وسعيه إلى أن يكون منصة توازن، لا تنازع، بين المصالح الإقليمية والدولية فى المنطقة. وهنا، قد تكون الإشارة مهمة إلى أن المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء الأسبق، مساعد الرئيس للمشروعات القومية والاستراتيجية، كان أول مسئول عربى، أو أجنبى، يزور مدينة الموصل بعد تحريرها من براثن «داعش»، ونقل لأبنائها، ولكل الشعب العراقى، تهنئة الرئيس السيسى بتحريرها، كما ناقش خلال زيارة بغداد، أواخر يناير ٢٠٢٠، ملف إعادة الإعمار مع الرئيس العراقى ورئيس الوزراء وكل الوزراء والمسئولين العراقيين تقريبًا، وأكد استعداد مصر الكامل لنقل خبراتها وتسخير كل إمكاناتها لتحقيق التنمية فى الدولة الشقيقة.
قبل انتهاء السنوات الأربع بأيام، ومع بدء المائة يوم الثانية من توليه رئاسة الحكومة العراقية، زار محمد شياع السودانى القاهرة فى ٥ مارس الماضى، ما يعنى أن زيارته الحالية هى الثانية خلال ثلاثة أشهر، ما يعكس اهتمام الدولة الشقيقة بتطوير التعاون الثنائى، والاستفادة من الفرص المتنوعة المتاحة، وزيادة حجم التبادل التجارى، الذى لا يزال ضئيلًا جدًا ولا يتناسب مطلقًا مع حجم اقتصاد البلدين. وهو الاهتمام الذى أكدته، أيضًا، نتائج الدورة الثانية لـ«اللجنة العليا المشتركة المصرية العراقية»، التى ترأسها رئيسا وزراء البلدين، أمس الثلاثاء، وانتهت بتوقيع ١١ وثيقة تعاون، بعد مناقشة التحديات التى قد تحول دون تعزيز التعاون المشترك، ودراسة سبل التغلب عليها، و... و... وأيضًا، بعد تأكيد الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، استعداد مصر لنقل تجربتها فى مجالات الإعمار والمشروعات القومية الكبرى إلى البلد الشقيق.
الشهر المقبل تحل الذكرى الخامسة والثلاثون لتوقيع اتفاقية إنشاء تلك اللجنة، غير أنها لم تعقد دورتها الأولى إلا فى أكتوبر ٢٠٢٠، بالعاصمة العراقية بغداد، أى بعد ٣٢ سنة وثلاثة أشهر من توقيع الاتفاقية، وبعد ١٠ أشهر تقريبًا من انتصار العراق على تنظيم «داعش» الإرهابى، وكان تكليف الرئيس السيسى لرئيس الوزراء، والوفد المصرى المشارك فيها، هو بذل كل الجهود لتعزيز العلاقات مع العراق، وتسخير كل الخبرات والإمكانات المصرية فى خدمة الأشقاء العراقيين، والعمل على الارتقاء بعلاقات التعاون لتحقيق التكامل الاستراتيجى، وتعميق التعاون فى المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية.
تكليفات رئاسية شبيهة صدرت قبل الدورة الثانية، التى شهدت توافقًا بشأن أهمية متابعة تنفيذ ما تم توقيعه من اتفاقات ومذكرات تفاهم، والتى أكد بعدها رئيس الوزراء العراقى، فى المؤتمر الصحفى المشترك، أن حكومته حريصة على تواجد الشركات المصرية فى العراق، معربًا عن اعتزازه بما تم إنجازه فى مصر من مشروعات على مستوى البنية التحتية، وإنشاء المدن. كما أكد «السودانى» أن ما شهده خلال تواجده فى العاصمة الإدارية الجديدة يُعد دليلًا عمليًا واضحًا على مستوى وإمكانات الشركات المصرية، ويجعل لها الأولوية لتكون مع شقيقاتها العراقية، للاستثمار والاستفادة من فرص الأعمال الموجودة بالعراق، خاصة فى ضوء الدور المصرى البارز فى تعزيز آليات العمل العربى المشترك، الذى رآه رئيس الوزراء العراقى نموذجًا يُحتذى به فى الحفاظ على الاستقرار والنهوض بالأوضاع التنموية والاقتصادية والاجتماعية.
.. وأخيرًا، نرى أن العلاقات المصرية العراقية، التاريخية، الوثيقة والممتدة، شهدت تطورًا كبيرًا وملموسًا خلال السنوات الأربع الأخيرة، سواء على المستوى الثنائى، أو عبر آلية التعاون الثلاثى مع المملكة الأردنية، التى تُعد فرصة نموذجية لتطوير التعاون التجارى والصناعى الاستثمارى بين الدول الثلاث.