حل إفريقى للأزمة الأوكرانية
مبادرة إفريقية، لتسوية الأزمة الأوكرانية، صاغتها مصر وجنوب إفريقيا وزامبيا والسنغال وأوغندا، إضافة إلى جزر القمر، التى تتولى حاليًا رئاسة الاتحاد الإفريقى. ولأن أطراف النزاع، الرئيسية أو الأساسية، تربطها علاقات سياسية واقتصادية، ممتدة ومتوازنة، بالدول الست، وترغب فى كسب الساحة الإفريقية، إجمالًا، نرى أن هذه المبادرة قد تلعب دورًا مهمًا فى دفع تلك الأطراف إلى الجلوس على طاولة التفاوض.
تم الإعلان عن المبادرة الإفريقية منتصف الشهر الماضى. وفى اجتماع عقدوه، أمس الأول الإثنين، عبر الفيديو كونفرانس، تباحث قادة الدول الست بشأن تفاصيلها وتوافقوا على استمرار العمل المكثف لبلورة الآليات اللازمة لتشجيع الجانبين الروسى والأوكرانى على الانخراط فيها بشكل إيجابى خلال الفترة المقبلة. وأكدوا أن لدول القارة السمراء مصلحة أكيدة، ومباشرة، فى العمل على إنهاء الأزمة، نظرًا لآثارها السلبية الهائلة على الدول الإفريقية، وسائر دول العالم، فى عدد من القطاعات الحيوية، مثل أمن الغذاء والطاقة والتمويل الدولى، إضافة إلى أهمية ذلك فى دعم الاستقرار والسلم الدوليين.
لا يزال خلط الأوراق مستمرًا لعرقلة التوصل إلى حل سياسى، أو اتفاق للتهدئة أو وقف التصعيد، أو حتى إحداث أى تغيير فى إيقاع الأزمة ومساراتها، وتقليل تبعاتها الإنسانية والاقتصادية التى طالت غالبية دول العالم. ومع ذلك، أعرب الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال الاجتماع، عن تطلع مصر إلى أن تسهم المبادرة الإفريقية فى تسوية النزاع، فى ضوء ما يربط دول القارة الإفريقية من علاقات ممتدة مع الدولتين، إضافة إلى الأبعاد المتعددة لتلك الأزمة، التى تجاوزت حدودها الجغرافية لتشمل مناطق مختلفة من العالم، خاصة فى إفريقيا والشرق الأوسط، وعلى صعيد الدول النامية، التى تعد الأكثر تضررًا من تداعيات الأزمة.
تقف مصر، منذ بداية الأزمة، على مسافة واحدة من كل أطرافها، الرئيسية أو الحقيقية، وتبنت، ولا تزال، موقفًا متوازنًا يستند إلى ضرورة احترام مبادئ القانون الدولى، وتسوية النزاعات بالوسائل السلمية، وتغليب لغة الحوار، ودعت فى كل اتصالاتها المتعلقة بالأزمة إلى حشد الجهود الدولية للتوصل إلى حل سلمى يحقن الدماء ويراعى شواغل جميع الأطراف. وفى كلمته، خلال اجتماع، أمس الأول، أكد الرئيس السيسى أن مصر لن تدخر جهدًا من أجل المساهمة فى احتواء تلك الأزمة والتغلب على تداعياتها السياسية والإنسانية والاقتصادية، متمنيًا أن تكون المبادرة الإفريقية خطوة على طريق تحقيق التسوية السياسية المنشودة.
تفاصيل المبادرة الإفريقية تجرى مناقشها حاليًا على مستوى الخبراء، ومن المحتمل أن يزور وفد إفريقى موسكو وكييف منتصف يونيو الجارى، أو أوائل يوليو المقبل. وسبق أن أعلن سيريل رامافوزا، رئيس جنوب إفريقيا، عن قيامه، نيابة عن نظرائه، بطرح المبادرة على الرئيسين الروسى والأوكرانى، فلاديمير بوتين وفولوديمير زيلينسكى، فى اتصالين تليفونيين منفصلين، وأكد أنهما رحبا بها. كما أشار إلى أن المبادرة قوبلت بترحيب، أيضًا، من الأمين العام للأمم المتحدة ومكتب الاتحاد الإفريقى والولايات المتحدة وبريطانيا. والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن جنوب إفريقيا استضافت، منذ أيام، اجتماع وزراء خارجية روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، الدول الخمس الأعضاء فى تجمع الـ«بريكس»، الذين أكدوا، فى بيان مشترك، دعم بلادهم لمقترحات الوساطة التى تهدف إلى إيجاد حل سلمى للأزمة الأوكرانية.
.. أخيرًا، وسواء اتسعت رقعة المعارك، أو ضاقت، نرى أن الصراع سيصل، عاجلًا أو آجلًا، إلى طاولة التفاوض، وستتحول المواجهات المسلحة والاقتصادية إلى اشتباكات سياسية ودبلوماسية، تنتهى بتحقيق مصالح الأطراف الرئيسية، الأساسية أو الحقيقية، فى الأزمة. وعليه، نتوقع أن تلعب المبادرة الإفريقية دورًا مهمًا فى إحداث هذا التحول، ولا نعتقد أن الجانب الغربى، الذى تقوده الولايات المتحدة، يمكنه التشكيك فى نيات أو أهداف محاولة الدول الإفريقية الست، كما سبق أن فعل مع المبادرة الصينية، أو مع غيرها من المبادرات، المقترحات والمحاولات، التى لم تسفر عن أى نتائج.