هيئة الأرصاد الجوية
شهادات نجاح عديدة حصدتها «الهيئة العامة للأرصاد الجوية»، خلال الأيام القليلة الماضية، أبرزها فوزها بمقعد فى المجلس التنفيذى للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، والإشادة الدولية بمتحفها الذى يضم مجموعة فريدة من السجلات المناخية وأجهزة الرصد، يعود تاريخها إلى أكثر من ٢٠٠ سنة. وكانت الشهادة الأهم، فى رأينا، هى ثقة المواطنين فى تنبؤاتها أو توقعاتها، واستشارتهم لها فى أمور تتعلق بحياتهم اليومية: نرتدى ملابس خفيفة أم ثقيلة؟.. «نمسح الشقة ولا فيه تراب بكرة تانى؟».. وهل الجو مناسب للسفر أم لا؟
منذ تأسست «منظمة الأرصاد الجوية الدولية» و«المنظمة البحرية الدولية»، سنة ١٨٧٣، لم تعد المعلومات عن الطقس والمناخ والدورة الطبيعية للمياه خاضعة للحدود الدولية، وصار التعاون الدولى أمرًا أساسيًا فى تطوير الأرصاد الجوية والهيدرولوجيا التطبيقية والعلوم الجيوفيزيائية المتصلة بها. ومع دمج المنظمتين، سنة ١٩٥٠، فى «المنظمة العالمية للأرصاد الجوية»، WMO، كانت مصر من أوائل الدول الموقعة على اتفاقية إنشائها، التى صارت المنظمة بموجبها وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة، وبدأت تلعب دورًا مهمًا فى حماية الأرواح والممتلكات وفى مجالات متعددة مثل الأمن الغذائى والموارد المائية و... و... والنقل.
بعد غياب استمر أكثر من ٢٠ سنة، فازت «الهيئة العامة للأرصاد الجوية» المصرية، بمقعد فى المجلس التنفيذى للمنظمة العالمية، لمدة أربع سنوات، تنتهى فى ٢٠٢٧، خلال الانتخابات التى جرت فى الدورة التاسعة عشرة لـ«المؤتمر العالمى للأرصاد الجوية»، التى أقيمت بمقر المنظمة، فى العاصمة السويسرية جنيف، وجرت خلالها مناقشة الأولويات الاستراتيجية المستقبلية لتعزيز رؤيتنا لعالم أكثر قدرة على الصمود فى مواجهة الظواهر الجوية المتطرفة والمناخ والمياه والأحداث البيئية الأخرى.
وجود مصر فى المجلس التنفيذى للمنظمة العالمية، يتيح لها المشاركة فى صنع القرار داخل المنظمة، والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية فى الطقس والمياه على المستوى الدولى. وكانت «بشرة خير» أن يتزامن ذلك مع إطلاق «المبادرة الدولية للإنذار المبكر»، ومع الذكرى السنوية الـ٦٠ لإنشاء شبكة المراقبة العالمية للطقس، وأيضًا مع الاحتفال بمرور ١٥٠ سنة على إنشاء أول منظمة دولية للأرصاد الجوية.
قبل ٤٤ سنة من ظهور هذه المنظمة الدولية الأولى، بدأت الدولة المصرية قياس درجات الحرارة خمس مرات يوميًا، مع أوقات الصلوات، سنة ١٨٢٩، فى إحدى غرف مدرسة «المهندسخانة» بمنطقة بولاق. وسنة ١٨٥٩، تم إنشاء مرصد «الراصدخانة» بمنطقة العباسية، الذى انتقل، سنة ١٩٠٤، إلى منطقة حلوان، وتغير اسمه، سنة ١٩١٥، إلى «مصلحة الطبيعيات»، ثم إلى «مصلحة الأرصاد الجوية»، سنة ١٩٥٢، وصولًا لصدور القرار الجمهورى رقم ٢٩٣٤ لسنة ١٩٧١ بإنشاء «الهيئة العامة للأرصاد الجوية» الذى تم إلغاؤه الشهر الماضى بالقانون رقم ٢٥ لسنة ٢٠٢٣، أو قانون إعادة تنظيم الهيئة العامة للأرصاد الجوية.
المهم، هو أن الهيئة التابعة لوزارة الطيران المدنى لديها الآن شبكة ضخمة من محطات الرصد، تغطى كل أنحاء الجمهورية، ولديها أيضًا مركز إقليمى لتدريب وتأهيل الكوادر الفنية. ويرى الفريق محمد عباس حلمى، وزير الطيران المدنى، أن فوزها بمقعد فى المجلس التنفيذى للمنظمة العالمية، يُعد إنجازًا دوليًا جديدًا يضاف إلى الإنجازات التى تحققها الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، ويؤكد الدور الريادى والمكانة المتميزة التى تتمتع بها مصر على المستويين الإقليمى والدولى فى مختلف المجالات. وبعد أن قدم التهنئة لجميع العاملين بالهيئة، أوضح أن فوز مصر بهذا المقعد يأتى تتويجًا للتعاون المثمر والتنسيق المستمر مع المنظمة العالمية، خاصةً خلال مؤتمر المناخ، كوب ٢٧، الذى استضافته مدينة شرم الشيخ، وكذلك بعد حشد تأييد الدول العربية الأعضاء، خلال الاجتماعات التى جرت بجامعة الدول العربية، فى مايو الماضى.
.. وتبقى الإشارة إلى أن الأسس النظرية لعِلم الأرصاد الجوية وضعها أرسطو، سنة ٣٥٠ قبل الميلاد، فى كتابه «ميتيورولوجيا» أو «دراسة الأشياء العليا». وكما أكمل ثيوفرسطوس، أعمال أرسطو فى البيولوجيا، الفيزياء، الأخلاق، والمنطق، أكمل عمله، أيضًا فى علم الأرصاد الجوية بـ«كتاب العلامات»، الذى ظل مرجعًا أساسيًا فى التنبؤ بحالة الطقس لمدة ٢٠٠٠ سنة تقريبًا!