موريتانيا.. ولد الغزوانى ومصر
ستون سنة مرت على وضع حجر أساس العلاقات السياسية المصرية الموريتانية، التى شهدت، خلال السنوات التسع الماضية، مزيدًا من التقارب، ثم صارت أكثر تميزًا فى عهد الرئيس محمد ولد الغزوانى، الذى زار القاهرة، أمس الأحد، وتناولت مباحثات الرئيس عبدالفتاح السيسى معه، سبل تعزيز العلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين الشقيقين، على الأصعدة كافة، خاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والتعاون العسكرى والأمنى.
كعلاقات مصر بمعظم الدول العربية والإفريقية، وكثير من دول العالم، بدأت العلاقات المصرية الموريتانية منذ آلاف السنين، تحديدًا منذ القرن الثانى قبل الميلاد. لكن حجر أساس العلاقات السياسية، فى العصر الحديث، تم وضعه سنة ١٩٦٣، مع زيارة أول وفد موريتانى رسمى لمصر، يتقدمه الرئيس المختار ولد داداه، الذى قام بتسمية أكبر شارع فى مدينة نواكشوط باسم الزعيم جمال عبدالناصر، تقديرًا لمناصرته حركات التحرر العربية والإفريقية، وتأييده استقلال موريتانيا عن الاحتلال الفرنسى، واتخاذه سلسلة من الإجراءات المتنوعة، التى ساعدت الدولة الشقيقة ومكنتها من الوقوف على قدميها. وخلال التوقيع على بروتوكول إنشاء «منظمة الوحدة الإفريقية» بالقاهرة سنة ١٩٦٤، دفع الرئيس عبدالناصر المملكة المغربية إلى التوقيع على هذا البروتوكول، الذى يعترف بالحدود الموروثة عن المستعمر، ويعترف بالتالى، أو بالتبعية، بدولة موريتانيا.
الشارع، الذى يربط السوق المركزية بالعاصمة والمسجد العتيق، ظل يحمل اسم الزعيم المصرى والعربى والإفريقى الراحل، حتى وسوس الشيطان للحكومة الموريتانية السابقة بتغيير اسمه إلى «الوحدة الوطنية»، منتصف يناير ٢٠١٩، ولعلك تتذكر أننا كنا تناولنا هذا الأمر فى مقال عنوانه «ناصر فى موريتانيا»، وجهنا فيه الشكر للشعب الشقيق، الذى رفض هذا القرار، ورأينا أن الإشارة، واجبة، إلى أن أى كوارث، أو جرائم، يرتكبها تابعون لجماعة الإخوان، هنا أو هناك، لا يتحمل مسئوليتها غير تلك الفئة الضالة. وكما أسعدنا قيام صحف موريتانية عديدة بإعادة نشر هذا المقال، أسعدنا، أكثر، أن الأشقاء ظلوا يطلقون اسم جمال عبدالناصر على الشارع، ولم يتوقفوا عن مطالبة السلطات بالعودة إلى الاسم القديم، حتى استجابت، أواخر نوفمبر ٢٠٢٠، وانتقلت «الوحدة الوطنية» من مجرد لافتة على الشارع، إلى صدارة أولويات الرئيس الموريتانى.
ينتمى الرئيس ولد الغزوانى لأسرة صوفية معروفة فى موريتانيا، ويصف نفسه بأنه مسلم متمسك بقيم الإسلام، وتعاليم المالكية، التى تدعو إلى ترسيخ قيم الاعتدال والتضحية والتواضع والشعور بالمشاركة والتضامن. وفور أدائه اليمين الدستورية رئيسًا للبلاد، فى ١١ أغسطس ٢٠١٩، وضع الوحدة الوطنية وتوحيد صفوف الموريتانيين على رأس أولوياته، وأعرب عن رغبته فى تحقيق توافق وطنى حول القضايا الجوهرية التى تواجه البلاد، وإجراء إصلاحات من أجل سيادة القانون، وتطوير الحياة السياسية.
مع هذه الخلفية الدينية، يتشارك الرئيس الموريتانى مع الرئيس السيسى، أيضًا، فى الخلفية العسكرية، إذ سبق أن تولى ولد الغزوانى رئاسة المكتب الثانى للجيش الموريتانى، المسئول عن المخابرات العسكرية، وجرى تعيينه فى ٦ أغسطس ٢٠٠٨، رئيسًا لأركان القوات المسلحة، ثم صار قائدًا عامًا للجيش قبل أن يصبح فى نوفمبر ٢٠١٨ وزيرًا للدفاع، وبفوزه فى الانتخابات الرئاسية التى جرت فى يونيو ٢٠١٩، صار الرئيس العاشر لـ«جمهورية موريتانيا الإسلامية»، فى سابقة لم يعهدها المسار السياسى للبلاد.
.. وتبقى الإشارة إلى أن الرئيسين، المصرى والموريتانى، ناقشا خلال مباحثات أمس، تطورات عدد من القضايا الإقليمية، من بينها السودان وليبيا وسوريا، وذلك السد الذى تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق. كما تبادلا وجهات النظر بشأن آليات دفع العمل العربى والإفريقى المشترك، وتناولا سبل تعزيز التعاون الاقتصادى والتبادل التجارى وزيادة الاستثمارات البينية بين البلدين الشقيقين خلال الفترة المقبلة. وفى هذا السياق، أشاد الرئيس الموريتانى بالتجربة التنموية المصرية، وأعرب عن تقديره لما تقدمه مصر من دعم وبناء القدرات والكوادر للأشقاء الموريتانيين فى جميع المجالات، و... و... واتفق الرئيسان على عقد «اللجنة العليا المشتركة» بين البلدين، على مستوى وزيرى الخارجية فى يوليو المقبل، والمقرر أن يتم خلالها توقيع اتفاقيات عديدة تعزز أطر التعاون والشراكة المصرية الموريتانية وتحقق مصالح الشعبين الشقيقين.