كيف شكلت العمارة الإسلامية أوروبا؟.. المستشرقة "ديانا دارك" تُجيب
تحت عنوان "السرقة من المسلمين"، جاء كتاب ديانا دارك، المستشرقة الإنجليزية التي درست العربية في جامعة أكسفورد، وتم ترجمته من قبل الدكتور عمر شيخوني.
تشير الكاتبة عبر الصفحات الأولى من الكتاب إلى أن الكتاب مهدى إلى كاتدرائية نوتردام. وكان الحريق الكارثي في 15 أبريل 2019 هو الحدث الذي أشعل بداية هذا الكتاب، عندما أدركت مدى القصور الموجود في معرفة وفهم خلفية التاريخ المعماري لهذه الكاتدرائية.
وصرحت الكاتبة والباحثة الأكاديمية ديانا دارك، عبر أحد الأفلام الوثائقية المنشورة على منصة "الجزيرة"، أن ما حثها على إنجاز هذا الكتاب هو اكتشافها خلال السنوات الأخيرة لارتفاع ظاهرة "الإسلاموفوبيا"، حيث تسعى بعض الحكومات والمؤسسات والمنظمات الأوروبية إلى طمس أي علاقة بالإسلام والمسلمين.
يذهب الكتاب إلى التأكيد على ارتباط العمارة الكنسية في كل أنحاء أوروبا بشكل وثيق بالنمط القوطي المحبوب والمكتنز. ويطرح سؤالًا: ماذا لو كان ذلك النمط القوطي المتشابك، والمرتبط ارتباطًا وثيقًا بالكاثوليكية، مستوحى في حقيقة الأمر من المسلمين كمصدر للإلهام لما تعتبره المسيحية صيغتها المعمارية الخاصة بها؟ ولكن تلك الحقيقة غير مريحة على الإطلاق.
وتشير الكاتبة إلى أن السرقة من السراسنة "المسلمين في الشرق الأوسط" جاءت من تأكيد المعماري الإنجليزي كريستوفر رن بعد اعترافه بأن الأصل الإسلامي للعمارة القوطية، وهذا يعني أن المسلمين قدموا الإلهام لما تعتبره المسيحية الأوروبية أسلوبها المعماري الفريد.
وقدمت ديانا دارك كيف تتفاعل الثقافات والأديان وتتشابك في جميع أنواع الطرق التي تتحدى الافتراضات التي يقوم عليها التاريخ الثقافي والوطني، وتبعت الأفكار والأساليب أثناء انتقالها من مراكز حيوية في الشرق الأوسط، مثل دمشق وبغداد والقاهرة، لتدخل أوروبا عبر بوابات مثل إسبانيا المسلمة وصقلية والبندقية. والذي جاء عبر الحجاج والأساقفة والتجار الصليبيين في العصور الوسطى.
وأشارت الكاتبة إلى أن أسلوب الكاتدرائية ذات البرجين، هو أسلوب مألوف في كاتدرائية كانتربيري ونوتردام في باريس، يعود هذا النمط للكنيسة الأولى إلى القرن الخامس والتي تزال تقف على قمة تل في سوريا تدعى قلعة الحصن، وهي واحدة فقط من بين آلاف الكنائس المنتشرة فوق التلال البرية والساحرة غرب حلب، وتم بناء هذه الكنائس لخدمة المستوطنات البيزنطية، المعروفة اليوم باسم المدن الميتة، أو بإمكاننا القول "سوريا المنحوتة في الحجر". بشكل جماعي تمثل هذه المدن الانتقال من الوثنية الرومانية إلى حماسة المسيحية المبكرة.
ولفتت ديانا دارك إلى أن وصل المسلمون الأوائل إلى سوريا، اعتمدوا دمشق عاصمة لهم، استوعبوا وتعلموا من الحضارات البيرزنية والهلنستية اليونانية والفارسية السابقة. قام المسلمون بإضافة لمستهم الفريدة على هذه الحضارات، وقاموا بدمج هذه الأساليب المعمارية في شيء جديد ومتميز بشكل تدريجي .
ومن بين هذه الابتكارات الإسلامية المبكرة كانت الأقواس ثلاثية الفصوص، وهذه الأقواس الثلاثية شوهدت لأول مرة في محراب مسجد قبة الصخرة في القدس. وتابعت ثم تطورت أكثر في إسبانيا الإسلامية في قلب المسجد، حيث تم تطويرها على شكل أقواس ذات حواف مزدوجة، أي بخمسة أقواس بدلاً من ثلاثة، وأقواس ذات قوالب متعددة. أما بالنسبة للقوس المدبب فقد دخل أوروبا أولاً، بفضل تجار أمالغي في إيطاليا الذين كانوا يتاجرون مع القاهرة، التي هي مستوحاة من الأقواس المدببة لمسجد أبو طولون، قاموا بتمويل نفس الأسلوب في قلعتهم الجديدة. ويشير إلى أن عندما رأى رئيس دير البيندكتين هذا الأسلوب وهو في زيارة، أحب ذلك كثيرًا لدرجة أنه أمر بنفس الشيء لدير في مونتي كاسينو، كما فعل رئيس دير كلوني في فرنسا نفس الشيء، حيث استورد نفس الحرفيين والمواد للتأكد من أنه سيتم بشكل صحيح. وبمجرد استخدام هذا الأسلوب المعماري في دير كلوني، أصبحت أشهر كنائس أوروبا، مثل كانتربري ونوتردام، تحتوي على أقواس مدببة وثلاثية الفصوص من الداخل والخارج، وهي تعود للقرون الوسطى.
يذكر أن ديانا دارك، هي كاتبة وخبيرة ثقافية في الشرق الأوسط ومؤرّخة مستعرِبة ومذيعة عرضية للبي بي سي بريطانية، تخرجت من كلية وادهام، أكسفورد عام 1977، حيث درست اللغة الألمانية والفلسفة العربية، وضعت الكاتبة ما يقارب 16 مؤلّفاً إرشادياً لمناطق شتى من العالم.