سلفادور دالى يرتدى حذاء جديد ضيق لأجل "يوميات عبقرى"؟
سلفادور دالي، والمولود في مثل هذا اليوم من العام 1904، هو الفنان التشكيلي الأكثر شهرة في القرن المنصرم، والأوسع شعبية بين أوساط متذوقي الفن التشكيلي، والأكثر غرابة بين كافة الفنانين التشكيليين. وهو واحد من ألمع رواد الحركة السيريالية في العالم.
وفي سيرته الذاتية المعنونة بـ “يوميات عبقري”، يكشف “دالي” عن بعض من جوانب شخصيته الغريبة والتي مازالت تثير الجدل حتي يومنا هذا.
ويستهل سلفادور دالي “يوميات عبقري”، مشيرا إلي: بالطبع، لا أستطيع أن أقول كل شئ اليوم، ستكون هناك صفحات محذوفة من هذه اليوميات التي تغطي الفترة من 1952 وحتي 1963 من حياتي السرية، فبناء علي طلبي وموافقة من الناشر، فسنوات معينة، وأيام محددة سأحتفظ بتفاصيلها غير منشورة في الوقت الراهن، فالمجتمعات الديمقراطية غير مهيأة بعد لنشر مثل هذا البوح العاصف الذي أعتدت عليه.
ــ حذاء جديد من أجل “يوميات عبقري”
ومن غرائب سلفادور دالي في مذكراته “يوميات عبقري”، يقول: حتي أكتب هذه اليوميات، فأني ألبس لها للمرة الأولي، حذاء من جلد لميع لم أستطع أن ألبسه لمدة طويلة، حيث أنه ضيق بشكل مرعب. ألبس هذا الحذاء عادة قبل أن ألقي محاضرة، فالضغط المؤلم الذي يسببه لقدمي يحث قدراتي الخطابية لأقصي درجة. هذا الألم الساحق الحاد يجعلني أغني كالعندليب، أو كأولئك المغنين من نابولي، الذين يلبسون هم أيضا أحذية ضيقة جدا، فألم البطن والتعذيب الغامر الذي يستفزه الحذاء، يجبراني علي أن أستخلص كلمات مستقطرة وحقائق سامية، نبعت من الاستنطاق الفائق للألم الذي تعانيه قدماي.
ويلفت “دالي” إلي: وهكذا لبست حذائي وبدأت أسجل دون تردد، معذبا نفسي، الحقيقة الكاملة حول استبعادي من الحركة السيريالية. فأنا لا أهتم بالافتراءات التي رماني بها “أندريه بريتون”، الذي لم يغفر لي كوني السريالي الوحيد والأخير.
ــ كواليس الخلاف بين سلفادور دالي والسرياليين
وحول الحركة السريالية وكواليس خلافه مع أقطابها يمضي “دالي” مضيفا: كنت قد تهيأت للانضمام للحركة السيريالية، فقد درست شعاراتهم وأفكارهم بدقة، وحللت تفاصيلها، لقد فهمت أن القضية هي تدوين ما يطرأ علي الذهن بعفوية دون الرجوع إلي العقل أو علم الجمال أو الأخلاق، والآن، وقبل حتي أن أدخل المجموعة بأنقي نية في العالم، يبدأون في فرض تعليمات كتلك التي كانت تفرضها عائلتي.
كانت “جالا” أول من حذرني، بأني سأعاني من السيرياليين الرفض ذاته كما في كل مكان، وأنهم كلهم في النهاية برجوازيون، ورأت أن قوتي تكمن في الاحتفاظ بمسافة متساوية بعيدا عم كل الحركات الفنية والأدبية، وبحدس كان أكبر من حدسي آنذاك، أضافت بأن أصالة طريقتي التي سميتها “التحليل النقدي المبني علي الهلوسة”، كافية لأي فرد لتأسيس مدرسة مستقلة. ورفض مذهبي “النيشتوي” أن يصغي لجالا. لقد رفضت صراحة، أن أعتبر السرياليين مجموعة أدبية أو فنية كالجمعيات الأخري، لقد أعتقدت أنهم قادرون علي تحرير الإنسان من طغيان “العالم العقلي”، لقد قررت أن أصبح “نيتشه” اللامعقول، أنا الممسوس بالعقل كنت الوحيد الذي عرف ما أراد.
لن أذعن وأستسلم للاعقلانية، من أجل سواد عينيها، ولا بسبب نرجسية وسلبية الآخرين، سأذعن لها من أجل أن أقوم بالعكس تماما، سأحارب من أجل هزيمة اللاعقلانية، في الوقت ذاته ترك أصدقائي أنفسهم ليكتسحوا اللامعقول، واستسلموا مثل الكثيرين بما فيهم نيتشه إلي ذلك الضعف الرومانسي.
ويشدد سلفادور دالي علي: حين استوعبت أخيرا، كل شئ نشره السرياليون، وتشريت تعاليم “لوتريامون”، والماركيز “دي ساد”، دخلت المجموعة ــ السريالية ــ متسلحا بإيمان قوي كإيمان اليسوعيين، وكنت مصمما أن أصبح رئيس هذه المجموعة بأسرع وقت ممكن، لماذا أقيم اعتبارا وأرهق نفسي بالوساوس نحو أبي الجديد “أندريه بريتون”، بينما لم تتملكني الهواجس ذاتها نحو الأب الذي كان سبب وجودي في هذا العالم؟
وهكذا أخذت السريالية حرفيا، دون أن أهمل الدم أو البراز الذي يغذي به المدافعون عنها خطبهم اللاذعة ونقدهم الساخر، بالطريقة ذاتها التي طوعت نفسي لها لأصبح مهرطقا بقراءة كتب والدي، لقد كنت تلميذا ملتزما للنهاية بالسريالية، بحيث إني أصبحت بسرعة “السريالي الكامل”، وحين وصل الأمر إلي هذه الدرجة، طردت من المجموعة لأني كنت سرياليا جدا، ولهذا أعتبر الأسباب المزعومة لطردي من طبيعة الأسباب ذاتها التي حرضت علي طردي من العائلة.